تأصيل قانوني وشرعيّ لتجريم موالاة أعداء الأمة من الصهاينة وسواهم

عبد الناصر حوشان – محام وناشط حقوقي
ما نشهده اليوم من انحدار الكثير من العرب والمسلمين نحو الهاوية لدرجة موالاة المجرمين الصهاينة و الغزاة الإيرانيين و الروس و تحريضهم ودعمهم ضد إخواننا الفلسطينيّين والسوريين في فلسطين و سوريّة ولبنان وغيرها من الدول ، و الدفاع عن العدوّ الصهيوني والعدوّ الإيراني و الروسي و انكار جرائم الحرب وجرائم الإبادة و الجرائم ضد الإنسانيّة التي ترتكبها عصابات هؤلاء الأعداء و الترويج للافتراءات و الاتهامات التي يكيلها هذا العدو لأشقائنا في فلسطين وسوريّة يرتقي إلى جريمة التواطؤ بارتكاب جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانيّة وجريمة الإبادة الجماعيّة الامر الذي يقتضي من القضاء الوطني العربي التصدّي لهؤلاء و القضاء على هذه الظاهرة التي تخالف وتناقض أحكام الشريعة الإسلاميّة والتي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع بموجب نصوص الدساتير العربيّة و الإسلامية مما يجعل القضاء على هذه الظاهرة و ملاحقة ومحاكمة هؤلاء المتواطئين واجباً دستوريّا و شرعيّاً .
المسؤوليّة الجنائيّة الشرعيّة : مظاهرة الأعداء على المسلمين كفر يناقِضُ الإيمانَ :
قال اللهُ تعالى: ( تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ )المائدة’’ 80، 81‘‘.
قَولُه تعالى: ( أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) الحشر:’’ 11‘‘
: قال ابنُ جرير معنى ذلك: ’’ لا تتَّخِذوا -أيُّها المؤمنون- الكُفَّارَ ظُهورًا وأنصارًا، توالونَهم على دينِهم، وتُظاهِرونَهم على المُسلِمين من دونِ المؤمِنين، وتَدُلُّونَهم على عَوراتِهم؛ فإنَّه من يفعَلْ ذلك فليس من اللهِ في شيءٍ، يعني بذلك’’ فقد بَرِئَ من اللهِ، وبرئ اللهُ منه بارتدادِه عن دينِه، ودُخولِه في الكُفرِ و من تولَّاهم ونصَرَهم على المؤمنين فهو من أهلِ دينِهم ومِلَّتِهم؛ فإنَّه لا يتولَّى متولٍّ أحدًا إلَّا وهو به وبدينِه وما هو عليه راضٍ، وإذا رَضِيَه ورَضِيَ دينَه فقد عادى ما خالفه وسَخِطَه، وصار حُكمُه‘‘.
وقال عبدُ اللَّطيفِ بن عبد الرَّحمن آل الشَّيخ: (أكبَرُ ذَنبٍ وأضَلُّه وأعظَمُه منافاةً لأصلِ الإسلامِ: نُصرةُ أعداءِ اللهِ ومُعاونَتُهم، والسَّعيُ فيما يُظهِرُ به دينَهم وما هم عليه من التعطيلِ والشِّركِ والموبِقاتِ العِظامِ)
المسؤوليّة الجنائيّة القانونيّة في القانون الدولي : كل عربيّ او اجنبيّ أقدم على تقديم أي دعم أو تدخّل بأي شكل من الأشكال للعدوان الصهيوني في عدوانه الغاشم ضد الشعب الفلسطيني في غزّة أو الترويج للافتراءات بحق الشعب الفلسطيني و فصائل المقاومة أو ما يكيله لهم من اتهامات بالإرهاب او ’’ الدعشنة‘‘ أو العدواني الإيراني و الروسيّ على الشعب السوريّ ، تعتبر جريمة الاشتراك أو التدخّل أو التواطؤ بارتكاب جرائم حرب وخاصة جريمة الإبادة الجماعيّة والجرائم ضد الإنسانيّة وجرائم الحرب بحق سكّان غزّة و الشعب السوريّ المنصوص عنها بالمادة ’’6 و 7و 8 ‘‘ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة و إن هذه المسؤوليّة و امكانيّة الملاحقة أمامها بذلك تحكمها المــادة ’’25‘‘ من نظام المحكمة التي تنصّ على أنّ: يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي. الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسئولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي. وفقاً لهذا النظام الأساسي، يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضة للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال قيام هذا الشخص بما يلي :
ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسئولاً جنائياً.
الأمر أو الإغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها.
تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص يعملون بقصد مشترك بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تقدم :
إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة . أو مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة.
فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
كما يُعاقب على الشروع في ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة ولكن لم تقع الجريمة لظروف غير ذات صلة بنوايا الشخص ومع ذلك فالشخص الذي يكف عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة أو يحول بوسيلة أخرى دون إتمام الجريمة لا يكون عرضة للعقاب بموجب هذا النظام الأساسي على الشروع في ارتكاب الجريمة إذا هو تخلى تماماً وبمحض إرادته عن الغرض الإجرامي.
لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسئولية الجنائية الفردية في مسئولية الدول بموجب القانون الدولي.
وهذه المسؤولية تطال الرؤساء والقادة دون أي اعتبار للحصانات وفقاُ للمادتين ’’ 27 و28‘‘ من نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة .
وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ويبقى حق الملاحقة مفتوحاً مهما طال الزمن وفقاً للمادة ’’29‘‘ من نظام المحكمة الأساسي .
وحيث أنّ الاختصاص الأصلي للنظر بهذه الجرائم ينعقد للقانون والقضاء الوطني وفقاً لما فصّلته المادة ’’17‘‘ من نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة .
الاختصاص المكاني : وحيث أنّ القاعدة القانونيّة المستقرّة في كل القوانين الوطنيّة العربيّة بأن ضوابط الاختصاص المكاني في ممارسة صلاحيات الإجراءات الجزائية في ثلاث وهي : مكان ارتكاب الجريمة، مكان القبض على المتهم، مكان إقامة المتهم، ويتمثل مكان ارتكاب الجريمة في المكان الذي ارتكب المتهم فيه جريمته، وخرج عن النظام العام وعن القانون. وعليه يمكن ملاحقة أي مواطن عربي يحمل جنسيّة الدول أو أجنبي يرتكب هذه الجرائم على ارض الدولة العربيّة .
الاختصاص الشخصيّ: وهو يطلق عليه بعض فقهاء القانون الجنائي مبدا شخصية القانون الجنائي او صلاحيته الشخصية ويقصد به : تطبيق القانون الجنائي للدولة على كل من يحمل جنسيتها ولو ارتكب الجريمة خارج اقليمها . وهذه القاعدة تنطبق على كل’’ من يحمل جنسيّة الدولة ‘‘ و يرتكب هذه الجرائم خارج الأراضي الوطنيّة و محاكمته أمام المحاكم الوطنيّ و عن تلك الجرائم .
أحكام المظاهرة و مولاة الصهاينة و الروس ولإيرانيين في القوانين الوطنيّة العربيّة : حيث أن أحكام الاشتراك الجرمي و التحريض ومنها انّ تبعة المحرّض مستقلّة عن تبعة المحرَّض التي تتضمّنها القوانين الوطنيّة العربيّة تنطبِق على أفعال و منشورات وممارسات أولئك المحرّضين الى جانب العدوّ الصهيوني ومنها : المواد ’’80 و81 و 82‘‘ من قانون العقوبات الأردني و المادة ’’ 216 و 217’ من قانون العقوبات السوري و المادة ’’217‘‘ من قانون العقوبات اللبناني و ’’ 25 ‘‘ من قانون العقوبات السوداني و ’’ 134 ‘‘ من القانون البحريني و ’’ 40و42 و 68 و 95 و98 و 174 و 176 ‘‘ من القانون المصري و ’’48 و 440 و 405 و 406 ‘‘ من القانون العراقي و احكام التحريض التي تنصّ على تجريم و عقاب المحرّض وهي نفس الأحكام في باقي القوانين الوطنيّة العربيّة.
الامر الذي يتيح للزملاء المحامين في الدول العربيّة وانطلاقاً من واجبهم القانوني والقومي والديني تقديم الدعاوى والشكاوى الإخبارات الى المحاكم الوطنيّة الأمر الذي يُلزِم النيابات العامة بتحريك الدعاوى بحق المتصهيّنين والمتأيرنين أمام المحاكم الوطنيّة باعتبار أن هذه القضايا من قضايا الحسبة ’’ الأمر بالمعروف إذا ظهر تَرْكُه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله”.
كما يوجب على السادة النوّاب العامّين في الدول العربيّة ملاحقة هؤلاء من تلقاء أنفسهم باعتبار أنّ المحافظة على النظام العام والآداب والأخلاق العامة من القواعد الآمرة وتمثيل المجتمع و الحفاظ على حسن سير العدالة وتنفيذ القانون بما يتوافق مع احكام الدستور من مهام ومسؤوليّة النيابات العامّة .