آراء

تعطيل عمل الأونروا من أعمال جريمة الإبادة الجماعيّة

المحامي عبد الناصر حوشان
في بيان صادر عن فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا بتاريخ 27 كانون الثاني 2024 اعلن فيه عن قيام تسع دول حتى اليوم بتعليق تمويلها للأونروا مؤقتا بعد مزاعم إسرائيلية بضلوع بعض موظفي الأونروا في الهجمات التي شنتها المقاومة الفلسطينيّة مما يهدّد عمل المنظّمة الإنساني المتواصل للاجئين الفلسطينيّين في المنطقة وقطاع غزة بالتحديد كونه المستهدف من قبل الكيان الإسرائيلي وهذه الدول هي : الولايات المتحدة الامريكيّة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وإيطاليا وفنلندا وهولندا وألمانيا وسويسرا .
تم تأسيس الأونروا بموجب القرار رقم ’’ 302 ’’ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئين الفلسطينيّين الذين تم تهجيرهم قسريّاً في أعقاب حرب ١٩٤٨ وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار سنة 1950.
تمويلها : تستفيد الأونروا من الدعم المقدّم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما في ذلك الحكومات الإقليمية والاتحاد الأوروبي حيث يصل حجم التبرعات حوالي ’’ 93,28% ‘‘ من التبرعات المالية للوكالة.
مهام الأونروا :
تقدّم المنظمة المساعدة والحماية وكسب التأييد للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة حيث يستفيد حوالي خمسة ملايين وتسعمئة الف لاجئ من فلسطين من خدماتها في الغذاء والدواء والتعليم والمأوى والعمل .
مبادئ عمل الأونروا : تتبنى الأونروا المبادئ الإنسانية بصفتها وكالة ذات تفويض إنساني ألا وهو مساعدة لاجئي فلسطين وحمايتهم ابتداءاً من حماية حرمة ملاجئنا في أوقات الأزمات، الى الحفاظ على إمكانية الوصول إلى أكثر السكان عرضة للأذى، والدفاع عن لاجئي فلسطين منتهجة مبادئ الإنسانية والحيادية وعدم التحيز والاستقلالية .
الإنسانية: حيث تغطّي المعاناة الإنسانية أينما وُجدت تحقيقاً للغرض الأساسي من العمل الإنساني وهو حماية الصحة والحياة وضمان احترام الإنسان.
عدم التحيز: حيث يقوم عملها الإنساني على أساس الحاجة فقط مع إعطاء الأولوية لحالات الشدة الأكثر إلحاحًا وعدم التمييز على أساس الجنسية أو العرق أو الجنس أو المعتقد الديني أو الطبقة أو الآراء السياسية.
الحيادية : المنظمة لا تنحاز إلى طرف في الأعمال العدائية أو تشارك في خلافات ذات طبيعة سياسية أو دينية أو أيديولوجية.
الاستقلالية: المنظمة تعمل بشكل مستقل عن الأهداف السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو غيرها من الأهداف التي قد تلتزم بها أي جهة فاعلة فيما يتعلق بالمناطق التي يتم تنفيذ الأنشطة الإنسانية بها.
مدونة سلوك المنظّمة : أنشأت المنظمة مكتب الأخلاقيات وهو مكتب مستقل وبحيادية وسرية تامة يتمتع بإمكانية الوصول الكامل وغير المقيد إلى المفوض العام ويقدم تحديثات منتظمة لخطة عمل المكتب وإنجازاته إلى اللجنة الاستشارية للرقابة الداخلية، وهو ما يمثل مقياسا للرقابة فيما يتعلق بوظائفها ويعزز بشكل أكبر استقلالية المكتب. كما أن مكتب الأخلاقيات عضو في فريق الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة ويتعاون معه لتعزيز الاتساق بين سياسات واستراتيجيات ومعايير الوكالة المتعلقة بالأخلاقيات مع تلك الخاصة بالأمانة العامة للأمم المتحدة والصناديق والبرامج الأخرى وتعزيز بيئة أخلاقية حيث يقوم جميع الموظفين والعاملين بمراعاة وأداء وظائفهم بأعلى معايير النزاهة على النحو المطلوب في ميثاق الأمم المتحدة، ومعايير السلوك لموظفي الخدمة المدنية الدولية ولوائح الموظفين المحليين والدوليين ومدونة قواعد السلوك ’’مدونة الأخلاقيات‘‘ في الأونروا.
خدمات الاونروا وفقاً لتقريرها رقم 69 للفترة ما بين 23 و24 كانون ثاني 2024 :
قطاع غزة : في 24 كانون الثاني، تعرض مركز تدريب خان يونس التابع للأونروا لنيران مباشرة. وأصابت النيران مبنى يأوي 800 نازح. وقتل ما لا يقل عن 13 شخصا فيما جرح 56 آخرون، 21 منهم في حالة خطيرة، فيما كان ينبغي أن يكون مكانا آمنا. وهناك 43,000 نازح مسجلين في وبالقرب من مركز التدريب الذي يستخدم كملجأ للأونروا. وكانت غارة الأمس هي الضربة المباشرة الثالثة لهذا المجمع. وتشارك الأونروا موقع كافة مرافقها بما في ذلك الملاجئ مباشرة مع السلطات الإسرائيلية. وكانت الأونروا قد تلقت تأكيدات بأن الأشخاص الموجودين داخلها سيكونون آمنين.
عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي من العاملين في مكاتب الاونروا : وصل العدد الإجمالي منذ بدء الأعمال العدائية إلى 152 عامل.
مقتل 357 شخص وإصابة 1255 شخص ممن لجأوا الى مباني الاونروا.
استهداف منشآت الاونروا اكثر من 253 مرة وتضرّر اكثر من 141 منشأة عائدة لها.
نزوح ما يصل إلى 1,7 مليون شخص أو أكثر من 75 بالمئة من السكان في مختلف أنحاء قطاع غزة.
مليون شخص يسكنون في أو بالقرب من ملاجئ الطوارئ أو الملاجئ غير الرسمية وحتى تاريخ 12 تشرين الأول، كان ما يقرب من 160,000 نازح مسجلين في شمال غزة ومحافظات غزة.
إن قدرة الأونروا على تقديم الدعم الإنساني وتحديث البيانات في المناطق المذكورة أعلاه مقيدة بشدة.
وقد أدت الأعمال العدائية وأوامر الإخلاء التي أصدرتها القوات الإسرائيلية والبحث المستمر عن أماكن أكثر أمنا إلى نزوح الناس عدة مرات.
ما يصل إلى 1,9 مليون نازح يقيمون إما في 154 ملجأ تابع للأونروا أو بالقرب من هذه الملاجئ. وبسبب التصعيد المستمر للقتال وأوامر الإخلاء.
بعد هذا الاستعراض الموجز عن المنظّمة نستنتج ما يلي :
أن الأونروا هي شريان الحياة للفلسطينيّين في غزّة وتعتبر منشآتها ومبانيها آخر ملاذ آمن للمهجّرين الغزّاويّين.
أن الأونروا عقبة أمام الكيان الصهيوني في تصفية وجود الفلسطينيّين في غزّة باعتبار أنّها منظّمة حكومية دوليّة تتمتع بالحماية القانونيّة اثناء النزاعات المسلّحة ويُعتبر استهداف مبانيها أو موظفيها جريمة حرب .
أنّ الأونروا وعبر تقاريرها الدوريّة واليوميّة كانت العين الساهرة على انتهاكات وجرائم الكيان الصهيوني وفضحته امام المجتمع الدوليّ وكانت تقاريرها اهم الأدلة التي استندت اليها جمهوريّة جنوب أفريقيا في رفع دعواها الى محكمة العدل الدوليّة ضد الكيان الإسرائيلي لانتهاكها الالتزامات القانونيّة التي تفرضها عليه الاتفاقيّة الدوليّة لمنع الإبادة الجماعيّة .
وحيث أنّ الاستهداف المستمرّ لمنشآت الأونروا من قبل الكيان الإسرائيلي واستهداف موظفيها والعاملين فيها واستهداف المهجّرين الى مراكزها ومدارسها بكافة أنواع الأسلحة ومنها الاستهداف بالفوسفور الأبيض .
وحيث أنّ الأونروا ملتزمة بالمبادئ الانسانيّة وملتزمة بمدونة السلوك الأمميّة ، ولديها مكتب للرقابة الداخليّة يعمل وفقاً لمعايير الشفافيّة المحاسبة الأمميّة وهو الجهة الوحيدة في تقييم سلوك العاملين والموظفين ، وهو المرجع القانوني في التحقيق في المزاعم الاسرائيليّة حول موظفيّ والعاملين فيها ، ولا يجوز الحكم عليها لمجرّد الظنون والشبهات التي أثارتها حكومة الحرب والإبادة في الكيان الإسرائيلي.
وحيث أنّ قرار الدول التسع التي أوقفت مساهماتها في تمويل المنظّمة كان بتحريض من الكيان الإسرائيلي بناءً على مجرّد ادعاءات كاذبة ،بالتزامن مع اصدار محكمة العدل الدوليّة قرارها بقبول الدعوى المرفوعة من قبل جنوب افريقيا ضد الكيان وإعلان اختصاصها وولايتها في فرض التدابير المستعجلة والمؤقّتة .
كل ذلك يقودنا الى استنتاج النيّة المسبقة لدى الكيان الإسرائيلي وداعميه من تلك الدول في معاقبة المنظمة ووقف عملها في محاولة منها لفرض عقاب جماعي على الفلسطينيين في غزّة والضفّة الغربيّة عبر حرمانهم مما تقدّمه المنظمة من دواء وغذاء وطبابة وتعليم وعمل وبالتالي تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك سكّان غزّة أو جزء منهم في سياق العمليات العسكريّة العدوانيّة الاسرائيليّة الواسعة الأمر الذي يرقى إلى جريمة الإبادة الجماعية وفقاً للفقرة ’’ب‘‘ من المادة’’7 ‘‘من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدولية .
و كان حريّاً بهذه الدول إيقاف مساعداتها العسكريّة و الاقتصاديّة وتوريد الأسلحة وتجنيد المرتزقة في صفوف كيان الابادة الجماعيّة في فلسطين الذي فتك بحياة اكثر 25600 فلسطيني و جرح واصابة أكثر من 100 الف وتهجير اكثر من 1.7 مليون وتدمير اكثر من 70% من المساكن والمشافي و دور العبادة و المدارس ، وحرمان 2.3 مليون شخص في غزّة من الغذاء و الماء والدواء و المأوى ، ولكن يأبى هؤلاء إلّا أن يثبتوا و يؤكِّدوا انحيازهم الى الكيان المحتل على حساب الحق الفلسطيني ضاربين عرض الحائط القيم الإنسانيّة و المواثيق و المعاهدات الدوليّة ، واستحقارهم للقانون الدوليّ و العدالة الدوليّة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى