صورة و خبر

تهامي يكتب/ القيم…. منارة في ظلمات الأزمات

في أوقات الأزمات، عندما تتناثر الوعود ويغيب الأمل في بعض الأحيان، تبرز القيم كمنارة ترشدنا وسط الظلام، إن القيم ليست مجرد كلمات نرددها في أوقات الراحة، بل هي حجر الزاوية الذي يثبت المؤسسات ويعطيها القوة للتعامل مع أصعب التحديات وعلى مر العصور، أثبتت المنظمات الخيرية أن القيم هي ما يجعلها قادرة على الصمود في وجه العواصف، بل وتبقى قادرة على أداء مهمتها الإنسانية في أحلك الظروف.
إحدى المنظمات الخيرية الكويتية التي تجسد دور القيم في الأزمات، نشأت في أوقات صراعات، وكانت ضوءًا في نفق مظلم للمتضررين من النزاعات، منذ تأسيسها في آسيا، سعت المنظمة لتطبيق مبادئ الإنسانية في أعقد الحالات، حيث قامت بتقديم الدعم الطبي والإغاثي في مناطق اضطرابات أمنية، في تلك اللحظات التي ساد فيها الدمار والفوضى، تمسكت المنظمة بقيمها، ولم تدع أي عوائق تؤثر على توجهاتها الإنسانية، كانت المساعدات تُقدّم للمحتاجين بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو السياسي، مما جعل المنظمة رمزًا للإنسانية النقية، لقد كانت هذه المنظمة مثالاً حيًا على قوة القيم في أوقات الأزمات، حيث أدت إلى اتخاذ قرارات صعبة تعتمد على مبادئ راسخة مثل العدالة والمساواة، ومع ذلك، لم يكن الطريق دائمًا سهلاً، خلال بعض الأزمات الكبرى، واجهت المنظمات الخيرية تحديات هائلة مثل تضارب الأولويات بين المساعدات العاجلة وتخطيط طويل الأمد، ففي إحدى الظروف، كان التركيز الأساسي على توفير المواد الغذائية والدواء بشكل فوري للنازحين، ولكن في الوقت ذاته، كان يجب وضع خطط لتعليم الأطفال وتأهيلهم، وهو ما يتطلب موارد بعيدة المدى.
هنا تجسد القيم في قلب الأزمة، إذ تذكرنا بمقولة سقراط: “الفضيلة في العمل، لا في القول”. كانت المنظمة تسعى لتحقيق الخير العام دون النظر إلى المدى الزمني، فالجميع يعرف أن تقديم الدعم العاجل في مثل هذه الأوقات أمر لا غنى عنه، لكن العمل على بناء مجتمع مستدام للأجيال القادمة كان مسؤولية تتطلب التفاني والالتزام، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه القادة في المنظمات الخيرية؛ فكيف يوازنون بين الحاجة الماسة في الوقت الراهن وبين الأهداف طويلة الأمد التي تضمن الاستدامة؟ إن الأزمة لا تقتصر فقط على الظروف السياسية أو الاجتماعية، بل تمتد لتشمل الظروف النفسية التي يمر بها الأفراد في مجتمعاتهم. فحينما تدمّر الأزمات حياة الإنسان، تتعاظم الحاجة إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي، وهنا تبرز القيم الإنسانية بشكل واضح، حيث تلتزم المؤسسات الخيرية بنقل رسالة الأمل وتوفير الدعم النفسي في أوقات الشدة، تزداد أهمية هذه القيم عندما تكون الظروف صعبة، ويمثل كل قرار يتخذونه جزءًا من تحديد المسار الذي سيسلكه المجتمع برمته.

تظل القيم مرشدًا أساسيًا في تحديد طريقة التعامل مع الأزمات، قد تكون المحنة اختبارًا لموارد المنظمات وقدرتها على الصمود، ولكنها أيضًا اختبار حقيقي لقيمها ومدى قدرتها على التحمل في أحلك الظروف، المؤسسات التي تلتزم بقيمها في الأوقات الصعبة تصبح أكثر قدرة على التجاوز والتكيف مع التغيرات، فالقيم ليست ما نقول، بل ما نفعل، وهذه هي الحقيقة التي تجسدها المنظمات الخيرية التي تعمل على تقديم مساعدات إنسانية في ظل الأزمات.
في الختام، يمكن القول بأن القيم هي المحرك الذي يمكن المؤسسات الخيرية من الوقوف بثبات في قلب الأزمات، إن القيم لا تمنحنا فقط القدرة على التغلب على الأوقات الصعبة، بل تجعلنا أكثر قدرة على فهم التحديات الكبرى وإيجاد الحلول المناسبة لها، كما أضاف جون ستيوارت ميل: “القيم لا تجعلنا نعيش حياة بلا مشاكل، بل تمنحنا القوة لتجاوزها.” في عالمنا اليوم، تُظهر المنظمات الخيرية أنه في أوقات الأزمات، القيم ليست فقط كلمات تُقال، بل هي أفعال تُترجم إلى نتائج ملموسة تغير الحياة وتبني الأمل، ومن خلال هذا التزامها القوي بالقيم، تظل المنظمات الخيرية الرائدة نموذجًا يحتذى به في قيادة الإنسانية نحو مستقبل أفضل رغم كل الصعاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى