تهامي يكتب / عام جديد للتجديد والاستدامة والتحدي
بقلم/ محمد تهامي ، خبير التطوير المؤسسي
مع بداية كل عام جديد، تُفتح أبواب الأمل واسعة، كأن الزمن يمنحنا فرصة أخرى لنُعيد صياغة أحلامنا ونُجدد عهدنا مع الحياة إنه وقتٌ تتداخل فيه الحكايات القديمة مع تطلعات المستقبل، حيث تهمس الأيام في آذاننا أن الغد ينتظر من يُعيد رسم معالمه بعزيمة لا تعرف الانكسار، وبإرادة تُؤمن أن الاستقامة والعمل هما سرّ البقاء والاستدامة، ففي هذا الزمن المتجدد، تتسابق الخطى، وتتلاقى الأيدي، وتُرفع الهِمم لتُعلن أن التغيير ليس مجرد خيار، بل هو قانون الحياة الذي لا يقف عند محطة واحدة.
إن السعي نحو التجديد ليس بدافع الهروب من الماضي، بل هو اعتراف بقيمته ودروسه، وامتدادٌ له بروح أكثر نضجًا. وكما قال المسيري: ” إن الإنسان الواعي هو الذي يرى الحاضر بعينٍ ناقدة، والمستقبل بعقلٍ مُتطلع، ولا يسمح للزمن أن يُغلق عليه أبواب الأمل” التجديد إذن هو امتلاك الشجاعة لطرح الأسئلة الصعبة، والجرأة لتغيير المسارات عندما يستدعي الأمر ذلك، وهو استثمار ذكي للتجارب، تمامًا كما تُعيد الأشجار أوراقها في كل موسم لتُحافظ على جذورها حية، وتُزهر من جديد.
ووسط تحديات هذا العصر، تظهر الحاجة إلى رؤية واضحة تُشبه خارطة الطريق، تُوجه الأقدام وتحفظ الخطى من التيه، الرؤية التي تستمد طاقتها من الاستقامة المؤسسية، حيث الشفافية والالتزام والنزاهة تُصبح قواعد أساسية تُبنى عليها القرارات، فالاستقامة ليست مجرد فضيلة أخلاقية، بل هي حجر الأساس لكل بناء ناجح، وهي الضامن لاستمرارية العمل ونقاء الهدف، إن المؤسسات الناجحة هي تلك التي تُقيم بنيانها على الصدق، ولا تخشى مواجهة التحديات بروح المسؤولية والوعي، وكما قال الشيخ جابر الأحمد الصباح: ” إن القيادة الحقيقية هي التي تُدرك أن التخطيط للمستقبل هو أمانةٌ تُحمل على الأكتاف، ومسؤوليةٌ تُحفظ بحرصٍ وتفانٍ”، لكن التحدي الأعظم لا يكمن في وضع الخطط وحدها، بل في القدرة على تحقيقها وسط عالم لا يتوقف عن التغير، وهنا، تُصبح المرونة سلاحًا أساسيًا يُمكّن المؤسسات من مواكبة التطورات دون أن تفقد هويتها، التحدي هو أن تبقى ثابتًا حين تهب العواصف، وأن تُبحر في اتجاه الحلم حتى عندما يبدو الأفق ضبابيًا. وكما قال فهمي هويدي: ” إن التقدم لا يُهدى على طبق من ذهب، بل يُنتزع انتزاعًا ممن يملكون شجاعة التفكير والابتكار، ويُؤمنون بأن المستقبل ليس بعيدًا عن أيديهم إذا أحسنوا التخطيط له.”
وفي خضم هذه الرؤية، يُطل مفهوم الاستدامة كقيمة جوهرية تُعزز الاستمرارية وتجعل النجاح ثمرةً تدوم عبر الأجيال، الاستدامة ليست مجرد مصطلح إداري، بل هي وعدٌ بالتوازن بين الحاضر والمستقبل، وبين الحلم والحقيقة، إنها فلسفة تُعلّمنا كيف نزرع اليوم ليحصد الغد، وكيف نبني الأساسات التي تقف عليها أجيال قادمة بثبات، ورحم القائل: ” إن بناء الأمم لا يقتصر على المشاريع المؤقتة، بل يقوم على خطط تمتد جذورها في عمق الأرض، وتصل أغصانها إلى السماء.” هذا الإدراك العميق هو ما يُحوّل الاستدامة إلى بركة ترافق العمل، وتجعل من كل جهدٍ صادق قيمة مضافة في رحلة الإنسان نحو الكمال، إنها تُعلّمنا أن النجاح ليس محطة نهائية، بل سلسلة من المحطات التي تُراكم الإنجاز وتُعمّق الأثر.
ومع كل خطوة تُخطوها المؤسسات نحو الاستدامة، يبقى الأمل هو البوصلة التي تُرشد المسير، الأمل ليس وهماً يُخدّر العقول، بل هو وقودُ العمل الذي يُبقي القلوب متّقدة والعزائم مشتعلة، إنه الضوء الذي يبدد الظلام، والصوت الذي يُذكّرنا بأن الليل مهما طال، فإن الفجر قادمٌ لا محالة، وفي رحلة البناء هذه، تُصبح القيادة الرشيدة هي المُحرّك الذي يُوجه الطاقات ويُجيد توزيع الأدوار، القيادة التي تُلهم ولا تُرهق، وتُوجّه ولا تُقيّد، وتزرع الإيمان في نفوس من حولها بأن كل جهدٍ صغير هو جزءٌ من لوحة كبيرة تتشكل ملامحها مع كل إنجاز، إنها القيادة التي تجعل من التخطيط سُلّمًا نحو القمة، ومن الالتزام بالاستقامة عنوانًا يُحفّز الجميع على التمسك بالقيم في مواجهة التحديات.
ليس صدفة أن الحضارات التي خلّدها التاريخ كانت تلك التي فهمت سرّ الاستدامة، وأدركت أن البناء الحقيقي يبدأ من الداخل، من إيمان الإنسان بقيمته، ومن قدرته على التعلّم والتجديد، فإن التغيير لا يحدث دفعة واحدة، بل هو عملية تراكمية تُبنى بالصبر والعمل الجاد، ومع نهاية كل يوم في هذا العام الجديد، سيكون هناك درسٌ جديد يُضاف إلى رصيد الخبرة، وإنجازٌ آخر يُبنى على أساسه الغد، إنه عام يُذكّرنا أن الأحلام العظيمة لا تتحقق بالتمني، بل بالعمل الدؤوب، وأن الأهداف النبيلة لا تُدرك إلا بالتخطيط الدقيق والإيمان بأن العطاء هو مفتاح البركة في كل شيء، وهكذا، يمضي العام حاملًا معه وعدًا بالتجديد، وتحديًا يستنهض الهمم، وأملًا يُعيد للنفوس يقينها بأن المستقبل ليس بعيدًا، بل هو هنا، في كل فكرة تُخطط، وفي كل يدٍ تبني، وفي كل قلبٍ يُؤمن أن الاستقامة والعمل هما طريق الخلود.