منوعات

جهد المقل

عن عبدالله بن حبشي الخثعمي – رضي الله عنه-: أنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – سُئل: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: ((إيمانٌ لا شكَّ فيه، وجِهاد لا غُلول فيه، وحَجَّة مبرورة))، قيل: فأيُّ الصلاة أفضل؟ قال: ((طولُ القُنوت))، قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المُقلِّ))، قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: ((مَن هَجَر ما حرَّم الله – عزَّ وجلَّ))، قيل: فأيُّ الجِهاد أفضل؟ قال: ((مَن جاهد المشركين بمالِه ونفسه))، قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: ((مَن أُهريق دمُه، وعُقِر جوادُه)).

رواه النسائي

“(جهد): بضم الجيم: الوُسع والطاقة، وهو الأنسب هنا، وبالفتح: المشقَّة والمبالغة والغاية، (المُقل) بضمٍ فكسر؛ أي: مجهود وقليل المال؛ يعني: قدرته واستطاعته، وإنَّما كان ذلك أفضلَ لدلالته على الثِّقة بالله والزُّهد، فصدقته أفضل الصدقة”

من الطريف أنَّ كِرام العرب في الجاهلية قد توصَّلوا إلى هذا الهَديِ النبوي الكريم، وأقرُّوا بالفضل للمقلِّ، حتى وإن أنفق المليءُ أضعافًا مضاعفةً مما أنفقه المقل؛ ففي المستجاد من فعلات الأجواد للتنوخي: أنَّ رجلاً سأل حاتمًا الطائيَّ فقال: يا حاتمُ، هل غلبك أحدٌ في الكرم؟ قال: نعم، غلامٌ يتيم من طيِّئ نزلتُ بفنائه، وكان له عشرةُ أرؤس من الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه، وأصلح من لحمه، وقدَّم إلي، وكان فيما قدم إليَّ الدماغ، فتناولت منه فاستطبتُه، فقلت: طيِّب والله، فخرج من بين يدي، وجعل يذبح رأسًا رأسًا، ويقدِّم إليَّ الدماغ وأنا لا أعلم، فلمَّا خرجت لأرحل نظرتُ حولَ بيته دمًا عظيمًا، وإذا هو قد ذَبح الغنم بأسره، فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: يا سبحان الله! تستطيب شيئًا أَملِكه، فأبخل عليك به؟! إنَّ ذلك لَسُبَّة على العرب قبيحة، قيل يا حاتم: فما الذي عوضتَه؟ قال: ثلاثمائة ناقة حمراء، وخمسمائة رأس مِن الغنم، فقيل: أنت إذًا أكرم منه، فقال: بل هو أكرم؛ لأنَّه جاد بكلِّ ما يملكه، وإنَّما جدتُ بقليل من كثير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى