حمد العصيدان «2014»..هل كان عاماً أم سنة؟!

من لطائف اللغة العربية التي لا يعرفها إلا المتخصصون فيها أو المهتمون والباحثون وراء المعرفة، أو رجال العلم الديني، أنها لا توجد فيها كلمة تشبه أخرى بالمعنى الدقيق والحرفي، وأن المترادفات للكلمة الواحدة تعطي معاني مختلفة، ولا يمكن أن تتطابق كلمتان، ومثال ذلك الكلمات «ذهب، راح، مشى، غدا…» فكلها تحمل معنى مغادرة المكان، ولكنها تختلف عن بعضها من حيث حال الفاعل أو زمن حدوث الفعل.
ومن ذلك كلمتا «عام، سنة» اللتان تردان كثيرا في استخداماتنا اللغوية، دون الانتباه لما تعنيه كل منهما من دلالة، فيقال «ولد فلان سنة كذا» كما يقال «توفي فلان عام كذا» وهذا خطأ في الاستخدام، فكلمة «عام» تستخدم للجانب الإيجابي في الكلام، وعكسها كلمة «سنة»، وهذا ما ذكر في القرآن الكريم، وأقرب مثال لذلك ما جاء في قصة سيدنا نوح عليه السلام، بقوله تعالى «فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما».
فنوح عليه السلام عاش في معاناة الدعوة والتكذيب وهو يدعو قومه 950 سنة كما جاء في آية أخرى، متعرضا للمحاربة والاستهزاء، ولم يتبعه إلا عدد قليل من الناس، فكان الطوفان، لتؤكد الآية أن هناك خمسين عاما من حياته كانت خارج سنوات المعاناة، بعض المفسرين قالوا إنها بعد الطوفان وبعضهم قال إنها قبله، وفي كلا الحالين فإن الأعوام الخمسين لم تكن سلبية في المعاناة فكانت إيجابية لنوح. ومن ذلك القول «عام الفيل» الإيجابي لولادة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فيه ولهزيمة أعداء الله، و«سنة الهدامة» في الكويت التي كانت من الكوارث التي مرت على وطننا.
ولئن أطلنا في الشرح فأراه ضروريا ليصار إلى تصحيح بعض الاستخدامات اللغوية، ولتكون مدخلا لموضوعنا، وهو تقييم العام الماضي 2014 الذي ودعناه قبل أيام، وهل يمكن أن نطلق عليه اسم «عام» أم «سنة» وفق ما شهدناه فيه.
محليا، يمكن أن نقول، وبشيء من التأكيد إننا بدأنا أيامه «عاماً» وأنهيناها «سنة».. فقد بدأنا العام بشيء من التفاؤل مع إصرار سياسي على تحقيق طموحات المواطنين، وتناغم السلطتين في تحقيق ما يصبو إليه الشارع، والذي بدأ منذ نهاية عام 2013، وأطلقت الوعود البراقة بتحقيق إنجازات وتنفيذ مشاريع، ثم مضت الأيام، فإذا نحن أمام سياسة جديدة تحدثنا عنها، بدأت بـ «شد الحزام» وانتهت بانهيار النفط الذي أصبح شماعة نعلق عليها كل الفشل والتقاعس عن تحقيق الوعود.
فهل أنجز أي مشروع من المشاريع التنموية الكبرى؟، وهل رأينا أي تطوير للخدمات على الأرض؟ الجواب بالتأكيد «لا» فكانت كل المواعيد «عرقوبية» بلا تحقيق وانتهت حتى بالصمت عن كل ما كان معروضا على طاولة السلطتين من ملفات لعل أهمها شعبيا ملف «البديل الاستراتيجي»، وغيره كثير، كما شهدنا حالة من التضييق على المواطنين، أبرزها ملاحقتهم إلى البر بفرض رسوم على التخييم، وهي عادة ألفناها منذ سنين، فجاءت الحكومة تريد تقنينها، هذا عدا التهديدات برفع الدعم عن الوقود وبعض المواد التموينية، فعاش المواطن في هاجس الخوف من مستقبل الأيام.
عربيا، كانت 2014 «سنة» بامتياز، ففي الشقيقة سورية المنكوبة، سجل مقتل أكثر من 76 ألف سوري في أكثر السنوات الأربع دموية، وسط استمرار الإجرام الأسدي البعثي، وصمت العالمين العربي والدولي.
وفي العراق ظهر «داعش» الذي اجتاح ثلثه في شهر، واستباح كل الحرمات، فيما ظل النظام في بغداد يعتمد على طائفيته في كل السياسات التي انتهجها رغم انفتاح العرب عليه بعد تغيير رأس الحكومة.
وفي اليمن، كانت الذراع الإيرانية الأخرى «الحوثيون» تعيث فساداً فقامت في مدن اليمن بما قام به «داعش» في العراق، دون حسيب ولا رقيب، وفي فلسطين رأينا الهمجية الصهيونية في اعتداء غزة، وفي لبنان ظل المنصب الرئاسي شاغراً مع استمرار الأزمة السياسية، وكذلك مصر وليبيا والسودان، ووحدها تونس أنهت السنة بضوء في نهاية النفق.
من ذلك يمكننا القول إن «2014» كانت «سنة» بامتياز، والأمل في 2015 التي بدأت «سنة» أن تنتهي «عاما».