الرياح.. آداب و أحكام

موجز حماك:
الريح خلق من خلق الله تعالى, وعامّة المواضع الّتي ذكر اللّه تعالى فيها إرسال الرّيح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب ، وكلّ موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرّحمة ، فمن الرِّيحِ : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)،( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً) [الأحزاب / 9] … وقال في الجمع : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)[الحجر / 22] ، (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ)
وللريح أحكامها وآدابها وقد جاء في الكتاب والسنة ما يدل على هذه الأحكام فمنها :
أولا : أن الله قد عظمها واقسم بها تشريفا لها في مواضع مثل ( والذاريات ذروا ) , (والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا، والناشرات نشرا ) .
ثانيا : إنها من مظاهر رحمة الله تعالى ولذلك صور :
- :إنزال المطر بها قال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا ) [الفرقان: 48] .
- انها تكون نصرا لأنبيائه وأوليائه سبحانه كما سخرها الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا )
- إن الله يسير بها السفن في البحار قال تعالى:( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور) [الشورى: 32-33] وغير ذلك من صور الرحمة وقد قال مطرف لو حبست الريح عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض.
ثالثا : قد تكون الرياح عقوبة لأقوام وقد عاقب الله بها قوما مضوا ( نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور )وأهلك الله بها عاداً قوم هود عليه السلام قال تعالى:( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ) [الذاريات: 41]، ومعنى عقيم لم تأت بخير، قال ابن الجوزي : ” وهي التي لا خَير فيها ولا بَرَكة ، لا تُلْقِح شجراً ولا تَحْمِل مطراً ، وإنما هي للإهلاك”
رابعا : المسلم يتعامل مع الرياح على أنها مخلوق من خلق الله سخرها الله لغايات عظيمة في هذا الكون ولذا:
ا) لايذم ولا يسب الرياح فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الشيخ الألباني كما في السلسلة الصحيحة .)
قال الشافعي لا ينبغي شتم الريح فإنها خلق مطيع لله وجند من جنوده يجعلها الله رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء.
ب) استشعار الخوف عند هبوبها من أن تكون عقوبة يعاقب الله بها بعض عباده على شيء من الذنوب كما ثبت عن رسول الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : وكان إذا رأى غيما ، أو ريحا عرف في وجهه قالت يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال يا عائشة ما يؤمني أن يكون فيه عذاب ,عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا {هذا عارض ممطرنا}. رواه البخاري.
ج) أن يدعوا بما ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث منها , عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهَا قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذا عَصِفَتِ الرِّيح قالَ : «اللَّهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا ، وَخَيْرِ مَا فِيهَا ، وخَيْر ما أُرسِلَتْ بِهِ ، وَأَعُوذُ بك مِنْ شَرِّهِا ، وَشَرِّ مافيها فيها، وَشَرِّ ما أُرسِلَت بِهِ » رواه مسلم
د) هل يشرع للريح الشديدة صلاة كصلاة الكسوف وغيرها من الآيات :
ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب الصلاة عند حصول آية من الآيات ، كالكسوف والزلازل ، والعواصف الشديدة والرياح المستمرة المخيفة والفيضانات المدمرة؛ لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه صلى في زلزلة بالبصرة كصلاة الكسوف .
وقاسوا على هذا كل أية ومنها الرياح الشديدة لفعل ابن عباس ذلك عند الزلزال . وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فقال رحمه الله : “وتصلى صلاة الكسوف لكل آية كالزلزلة وغيرها ، وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد ,وذهب آخرون إلى المنع من هذه الصلاة
هـ) يجوز الجمع بين الصلوات مع الريح الشديد خاصة إذا صاحبها مطر أو ظلام أو برد شديد وهو ما رجحه ابن تيمية بقوله :” يجوز الجمع بين العشاءين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد . وهذا أصح قولي العلماء وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما “