آراء

دماؤنا بين مُبدّدٍ ومُفرّط وجانفٍ وعدوّ متوحِّش

عبد الناصر حوشان – محام وناشط حقوقي


وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة غير مسبوقة إلى مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، محذرا من مخاطرها على مستوى العالم، كما حذر من أن النظام العام في القطاع يوشك أن ينهار بالكامل، قائلاً بأنّها : قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين.
وبناءًا على المبرّرات التاليّة :
عدم وجود حماية فعالة للمدنيين إذ لا يوجد مكان آمن في غزة.
نفاد الغذاء إذ اعتبر برنامج الأغذية العالمي أنّ هناك خطر كبير للجوع الشديد والمجاعة في غزة.
انهيار النظام الصحي في غزة مع تصاعد الاحتياجات.
الأمر الذي أتاح له اللجوء إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة للطلب من مجلس الامن التدخّل التي تنصّ على أنّه : للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والآمن الدولي
وانعقد مجلس الأمن يوم أمس الجمعة وفشل بتمرير قرار قدّمته المجموعة العربيّة عن طريق الامارات بسبب استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض ‘‘الفيتو‘‘ رغم تأييده من قبل’’ 13 عضوا وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
و من المفترض أنّ السيد غوتيريش مؤتمن على المبادئ والقانون الدولي إلّا أنّه يأبى إلا الإنحياز والتضليل ليؤكّد أن هذه المنظمة ما وجدت إلّا لخدمة قوى الشرّ في العالم من خلال تقديمه الحجة والذريعة للكيان الصهيوني وحلفائه في رفض أي قرار يوقف جرية الإبادة التي يتعرّض لها سكّان غزّة عندما اعتبر المقاومة الفلسطينيّة إرهاباً مقيتاً و بالتالي إعطاء الذريعة لقطعان المستوطنين الصهاينة و مرتزقة الدول الداعمة لها للقيام بهذا العدوان وتبريره بأنّه ’’ حربٌ على الإرهاب ‘‘ متجاهلاً بأن المقاومة حقّ ضمنته القوانين الدوليّة وقرارات منظمّته وقرارات مجلس الأمن ، و والذريعة الأخرى عندما اعتبر أن أسر عصابات المستوطنين هي جريمة ’’خطف ‘‘ و ليست عمليّة ’’أسر مقاتلين ‘‘ واتهامها بجرائم الاغتصاب التي ثبت كذب روايتها حين قال : فقد قُتل أكثر من 1,200 شخص بوحشية، بمن فيهم 33 طفلًا، وأصيب الآلاف بجروح في أعمال إرهابية مقيتة ارتكبتها حماس وغيرها من الجماعات المسلّحة الفلسطينية في’’ 7 تشرين الأول 2023‘‘ وهي أعمال أدنتُها مرارًا وتكرارًا. واختُطف نحو 250 شخصًا، من بينهم 34 طفلًا. وما زال أكثر من 130 في عداد الأسرى. وينبغي إطلاق سراحهم فورًا ودون شروط ، والروايات الواردة بشأن العنف الجنسي خلال هذه الهجمات مروعة.
وهذه الذرائع أيضاً استند اليها لتوصيف ما تقوم به عصابات الكيان بأنّه ’’ عمليّة عسكريّة‘‘ وليست عدوان إشارة منه الى تبريرها من خلال اعترافه الضمني بشرعيّتها وتجنّب ادانتها باعتبار ان وصفها القانوني هي جريمة إبادة جماعيّة رغم أنّ ما سرده في رسالته من وقائع يؤكّد توافر أركانها القانونيّة حين قال : ويواجه المدنيون في جميع أنحاء غزة خطرًا جسيمًا، فمنذ بداية ’’العملية العسكرية الإسرائيلية‘‘ أفادت التقارير بمقتل ما يزيد عن 15,000 شخص أكثر من 40 % منهم من الأطفال. وأُصيب آلاف آخرون بجروح ودُمر ما يربو على نصف المنازل إجمالًا. وهُجِّر نحو 80 % من السكان البالغ تعدادهم 2.2 مليون نسمة قسرًا إلى مناطق باتت تتضاءل على نحو متزايد. ويلتمس أكثر من 1.1 مليون شخص اللجوء في منشآت وكالة الأونروا في شتّى أرجاء غزة، مما ينشأ عنه ظروف تشهد الاكتظاظ وتحطّ من كرامة الإنسان وتفتقر إلى النظافة الصحية. ولا يجد الآخرون مكانًا يأوون إليه ويجدون أنفسهم مضطرين للمكوث في الشوارع. وتحيل المتفجرات من مخلفات الحرب المناطق إلى أمكنة غير صالحة للسُكن. وما من حماية فعّالة للمدنيين.
وقد
لقد حدّدت المادّة السادسة من ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة اركان جريمة الإبادة بما يلي :
الإبادة الجماعية بالقتل : أن يقتل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر. وقد تجاوز عددهم حتى اليوم أكثر من ’’17000‘‘ .
الإبادة الجماعية بإلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم: أن يسفر فعل مرتكب الجريمة عن إلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم بشخص أو أكثر. وقد بلغ عددهم حسب إحصائية اليوم ’46000‘‘ .
الإبادة الجماعية بفرض أحوال معيشية يقصد بها التسبب عمدا في إهلاك مادي: أن يفرض مرتكب الجريمة أحوالا معيشية معينة على شخص أو أكثر. وهو ما عبّر عنه السيد غوتيريش بقوله : عدم وجود حماية فعالة للمدنيين إذ لا يوجد مكان آمن في غزة. ونفاد الغذاء وخطر كبير للجوع الشديد والمجاعة في غزة وانهيار النظام الصحي في غزة مع تصاعد الاحتياجات
كما انّه استند في دعوته الى البند السادس من قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم القرار’’2712 ‘‘ تاريخ /1//11/20223/ الخاص بالهدنة الانسانيّة في غزّة الذي جاء فيه : يدعو إلى إقـامـة هدن وممرات إنسانية عـاجلة لفترات ممتدة في جميع أنحـاء قطـاع غزة لعدد كاف من الأيام لتمكين الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشـــــــركاؤها المنفذين ولجنة الصليب الأحمر الدولية وغيرها من المنظمات الإنسانية المحايدة، بما يتفق مع القانون الدول الإنساني ، من الوصـول الكامل والسريع والآمن ودون عوائق لتقديم المسـاعدة الإنسانية، وتيسير القيام بصـورة مسـتمرة وبالقدر الكاف ودون عوائق بتوفير الســـــلع والخدمات الأساسية المهمة لرفاه المدنيين ، لا سيما الأطفال ، في جميع أنحاء قطاع غزة، بما ف ذلك المياه والكهرباء والوقود والغذاء والإمدادات الطبية، فضلا عن إجراء الإصلاحات العاجلة في البنية التحتية الأساسية، وتمكين جهود الإنقاذ والإنعاش العاجلة، بما في ذلك بالنســــبة لأطفال المفقودين في المباني المتضـــررة والمدمرة، بما يشــــمل الإجلاء الطب لأطفال المرضــــى أو الجرحى ومقدمي الرعاية لهم.
يدعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن حرمان السكان المدنيين في قطـاع غزة من الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية التي لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة.
ومن خلال استعراض كلمات المندوب الأمريكي و الإسرائيلي في مجلس نستنتج أنهما استندا لنفس الذرائع التي قدمها لهما الأمين العام للأمم المتحدة ف رسالته لمجلس الأمن حيث اجمعا على اعتبار المقاومة الفلسطينيّة هي منظّمات إرهابيّة و أنّ اعمال المقاومة هي أعمال ’’ارهابيّة ‘‘ و من حقّهما القضاء عليها وبالتالي رفض أي دعوات لوقف إطلاق النار أو حتى الهدن الإنسانيّة لأنهما يرون في كل سكّان غزّة إرهابيين حيث اعتبر المندوب الإسرائيلي بالأمم المتحدة : أن الأمن الإقليمي لن يتحقق إلا بالقضاء على حماس، ورأى أن هذه الحركة هي المسؤولة عن ترويع الإسرائيليين، وعن إجبار سكان غزة على العيش في ظروف صعبة. وشدد على أن “حماس هي أصل المشكلة في قطاع غزة، لكن لا تتم مناقشة جرائمها”.
وتناغم المندوب الأميركي في مجلس الأمن معه الذي اعتبر: أن الدعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار لن تؤدي إلا إلى زرع بذور الحرب القادمة، مشيرا إلى أن واشنطن تسعى إلى مستقبل لا تكون حركة حماس موجودة فيه، مشددا على أنها لا تزال تشكل تهديدا لإسرائيل وتظل مسؤولة عن غزة.
وأظهر عجز وتواطؤ المجتمع الدوليّ والعربي وخوار الدول العربيّة والاسلاميّة التي تشكّل ثلث أعضاء الأمم المتحدة الناب والمخلب والمنقار والريح والأشواك والسمّ والصوت كلّها أسلحة غريزيّة تُفعّل تلقائيّا في معركة البقاء في مملكة الحيوان
وأثبت بما لا يدع مجالاّ للشك بأنّ حكّام العرب والمسلمون رغم أنّهم يملكون السلاح والمال والرجال قتلوا فينا بجبنهم وعمالتهم حتى غريزة البقاء مما جعلنا أقلّ درجة من إخوتهم في مملكة الحيوان .
كما يؤكِّد ما جرى ويجري وما سيجري في أروقة الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدوليّين بأن المجتمع لدولي شريك مع قطعان الضباع النازيّة في اسرائيل بنهش أجساد أطفال غزّة لأنّه وحتى لو فعّل الأمين العام للأمم المتحدة كل صلاحيته فإنّ القرار سيكون للولايات المتحدّة التي أعلنت موقفها و شراكتها الصريحة في العدوان الإسرائيلي على غزّة و حدّدت أهدافها و نواياها بأنه لن تطلب أو تضغط على إسرائيل لوقف اطلاق النار ولأنّ الفيتو سيكون سلاحها كما أنّ عضويتها الدائمة في مجلس الأمن تعطيها القدرة على تحديد المسائل التي تُشكِّل تهديدا للسلم و الأمن الدوليّين من عدمه وفقاً للمادة ’’ 39 ‘‘ التي تنصّ على أنّه :يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين ’’41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه‘‘.
وأخيراً فإن كان حقّا أن الأمين العام للأمم المتحدة أو المجموعة العربيّة والاسلاميّة صادقين في نواياهم أو جادّون فعلا في مساعيهم لوقف العدوان فعليها تقديم مشروع لوقف اطلاق النار و إحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين الى المحكمة الجنائيّة الدوليّة و’’ تأصيله على أساس أنّ ما تقوم بها إسرائيل و حلفائها هو جريمة الإبادة الجماعيّة المنصوص عنها بالمادة ’’6‘‘ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة‘‘ و اللجوء الى الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة واستناداً للمادتين ’’8 و9‘‘ من النظام الأساسي للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في تفعيل قرارها ’’ الاتحاد من أجل السلام ‘‘ رقم ’’377‘‘ لسنة 1950 لتحييد الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا من استخدام ’’الفيتو‘‘ و استرداد صلاحياتها في اتخاذ الإجراءات القسريّة المنصوص عنها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد فشل مجلس الأمن الدوليّ القيام بذلك بسبب التنازع السلبي بين الأعضاء الدائمين الذين يستخدمون حقّ النقض في تعطيل مشاريع القرارات الداعية لحفظ السلم والأمن الدوليين إسرائيلي الغربي على سكّان غزّة .
ووفقاً للمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة التي اعتبرت أن مجلس الأمن الدوليّ ’’نائباً‘‘ للهيئة العامة للأمم المتحدة في تنفيذ واجباته في حفظ السلم والأمن الدولي وفقاً لمقاصد “الأمم المتحدة” ومبادئها والسلطات الخاصة المخوّلة لمجلس الأمن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات . الأمر الذي يعني أن صلاحيات مجلس الأمن هي صلاحيات ’’ تفويضيّة‘‘ من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة وأن هذه الصلاحيات من حقّها باعتبارها هي الأصل وهي مانحة ’’ التفويض‘‘ ، وهو ما نصّت عليه بالمادة ’’11‘‘ من ميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على أنّه : للجمعية العامة أن تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدولي ويدخل في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح، كما أن لها أن تقدّم توصياتها بصدد هذه المبادئ إلى الأعضاء أو إلى مجلس الأمن أو إلى كليهما. وللجمعية العامة أن تناقش أية مسألة يكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدولي يرفعها إليها أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو دولة ليست من أعضائها وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة ’’ 35‘‘ …. للجمعية العامة أن تسترعي نظر مجلس الأمن إلى الأحوال التي يحتمل أن تعرّض السلم والأمن الدولي للخطر. لا تحدّ سلطات الجمعية العامة المبيّنة في هذه المادة من عموم مدى المادة ’’10‘‘ التي تنص على : للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق أو يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه أو وظائفه. كما أن لها فيما عدا ما نصّ عليه في المادة 12 أن توصي أعضاء الهيئة أو مجلس الأمن أو كليهما بما تراه في تلك المسائل والأمور.
وبعد كل هذا يأتينا من يرى بمواقف الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا وحلفائها تجاه الإبادة في غزة ومن قبلها في سورية بأنها مواقف مخزية وسقوط أخلاقي لتلك الدول ، وهذا لعمري منطق المخدوعين بشعاراتها، فالسقوط لا يكون إلّا من عَلو وبالتالي فإنه لا سقوط لمن يقيم في القاع ‘ وهؤلاء هم سكّان القاع لأنّهم لا اخلاق لهم حتى يسقطوا ولأن مصالحهم فوق كل خُلُق .
وبناءًا عليه ومن خلال رسالة السيد ’’غوتيريش‘‘ بما تضمّنته من ذرائع استند إليها قطعان ضباع الغرب لإبادة الفلسطينيّين وما آلت اليه جلسة مجلس الأمن نجد أنّ دماءنا نحن السوريّون والفلسطينيّون ودماء العرب والمسلمين مهدورة بين وارث مًبدِّد وحاكم مُفرّط وبين أمين موصٍ جانفٍ وبين موصى له عدوّ مُجرمُ متوحِّش .
المحامي عبد الناصر حوشان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى