ذكري الغزو العراقي … منح من المحن

حماك

اليوم يحمل ذكري آليمة للأمة العربية عموما وللشعب الكويتي علي وجه الخصوص ، ففي مثل هذه الساعات وتحديداً في الثاني من أغسطس عام 1990 استهدفت الآلياتالعسكرية العراقية دولة ذات سيادة واستقلال كاملين هي الكويت . غير أن الله دحر قادة الغزو وكلل النجاح لجهود عربية ودولية تضافرت وتصدت للعدوان وأعادت الحق الكويتي الى أهله بعد احتلال دام قرابة سبعة أشهر.
ترك الغزو آثارا سلبية واسعة على الشعب الكويتي تمثلت بالانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان التي ذهب ضحيتها 570 شهيدا ونحو 605 أسيرا إلى جانب ما تركه من خسائر وأضرار هائلة تمثلت باشعال 639 بئرا نفطية خلفت كوارث بيئية جسيمة برا وبحرا وجوا وأدت الى وقف انتاج النفط لفترة طويلة.
وعلاوة على ذلك استهدف الغزو على نحو ممنهج البنية التحتية في البلاد والمؤسسات والمنشآت الحكومية التي أمعن المحتل في تدميرها فضلا عن سرقة وثائق الدولة وأرشيفها الوطني كما تسبب في سياق آخر بإحداث شرخ وانقسام الصف العربي الذي لطالما حلمت الشعوب العربية بوحدته وتقوية أواصره.
ودان المجتمع الدولي آنذاك تلك الجريمة الكبرى بحق الكويت وشعبها منذ الساعات الأولى للغزو وتصدى له مجلس الأمن الدولي بقرارات حاسمة بدءا من القرار رقم 660 الذي أدان الغزو وطالب النظام العراقي بسحب قواته فورا دون شروط وقيود لتتوالى القرارات الدولية تباعا مضيقة الخناق على النظام العراقي لينصاع الى الارادة الدولية.

في المقابل أبرزت محنة الغزو مدى تماسك الشعب الكويتي وصموده ومقاومته للاحتلال والدفاع عن بلاده سواء داخل الكويت أو خارجها واستطاع ان يخلق من المحن منح لغد مشرق بعد أن ضرب أروع الأمثلة في التفافه حول حكومته وقيادته الشرعية ما عكسه مؤتمر جدة الشعبي الذي عقد في المملكة العربية السعودية الشقيقة في شهر أكتوبر عام 1990.
وأظهر المؤتمر صورة الكويت كدولة حضارية ديمقراطية دستورية وتمسك شعبها بنظام الحكم الذي اختاره منذ نشأته وارتضته الأجيال المتعاقبة وأكد وقوف الشعب الكويتي صفا واحدا خلف قيادته الشرعية دون مساومة أو تفاوض على سيادة الكويت واستقلالها وسلامة أراضيها .
وأثار هذا التماسك بين الكويتيين إعجاب العالم بأسره، وكشف المؤتمر أيضا زيف وبطلان كل الادعاءات والمزاعم التي ساقها النظام العراقي السابق تبريرا لجريمته واحتلاله الكويت حيث أعلن المشاركون أن الشعب الكويتي رغم الآلام وجراح العدوان الآثم لا يضمر الشر للشعب العراقي الشقيق كما شكل المؤتمر عددا من الوفود الشعبية الكويتية لتطوف حول العالم لشرح قضية الكويت العادلة.
وبرزت جهود القيادة الشرعية الكويتية ابان فترة الاحتلال متمثلة بالأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح رحمه الله وعمله الدؤوب ومساعيه المتواصلة من خلال مشاركته في المؤتمرات الدولية والتباحث مع قادة الدول حول العالم لتأكيده واصراره على ضرورة عودة الكويت كما كانت واحة أمن وأمان وسلام واستقرار.
كما كان لولي العهد آنذاك الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمه الله دور واضح منذ اللحظات الاولى من الغزو مع وزرائه من غرفة العمليات العسكرية بوزارة الدفاع واتخاذه القرار الحاسم بحماية رمز البلاد من خلال اقناع الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد بمغادرة قصر دسمان الى السعودية كما تابع رحمه الله أحوال المواطنين داخل الكويت وأمدهم بالمساعدات المختلفة.
وكان تعنت النظام العراقي وعدم استجابته لتلك الارادة قد استوجبا تصدي المجتمع الدولي له بكل حزم واقتدار فكان لابد من اتخاذ القرار الحاسم بدحر هذا العدوان الآثم وانطلقت عملية عاصفة الصحراء التي قامت بها قوات التحالف الدولي في 17 يناير 1991 حتى تحررت الكويت في 26 فبراير من العام ذاته.
وبعد تحرير الكويت وافق العراق على قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالغزو بكل ما ترتب عليه من تبعات وبذلك حسمت تلك القرارات بشكل نهائي كل القضايا ذات الصلة.

وعقب سقوط النظام العراقي السابق يضرب الكويتيين مثالا رائعا جديدا في اسمي مغاني الانسانية ، حيث شهدت العلاقات الكويتية العراقية نموا تدريجيا فسارعت الكويت الى تقديم المساعدات الانسانية من الأغذية والأدوية للشعب العراقي الشقيق من خلال مراكز المساعدات الانسانية وجمعية الهلال الأحمر الكويتية.
في موازاة ذلك قام عدد من المسؤولين المعنيين من الجانبين بزيارات متبادلة بهدف تطوير العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والبرلمانية والاقتصادية بما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين.
ودشن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه عهدا جديدا أساسه طي الملفات العالقة بين البلدين وترجمة التطمينات إلى أفعال وهو ما لا يمكن أن يتحقق لولا وجود قيادة سياسية تتمتع بالحنكة البالغة والحكمة السديدة.
ولعبت الكويت دورا كبيرا في الاسراع باتخاذ مجلس الامن القرار الخاص بخروج العراق من أحكام الفصل السابع في ميثاق الامم المتحدة وتحقيقه مكاسب كبيرة واستعادته سيادته كاملة غير منقوصة وقوته الاقتصادية في المنطقة ووطد أيضا العلاقة الاخوية بين البلدين.
وعلى المستوى الاقتصادي حرصت الكويتعلى ابراز حجم الضرر الذى لحق بحوالي 130 دولة كان لها عمالة تعيش حياة مستقرة على ارض الكويت وتدعم تحويلاتها اقتصاديات تلك الدول ، لاسيما ان الكويت لم تتدخل قط فى حجم الاموال التى تحول الى الخارج ولم تقيدها كما تفعل دول أخرى .
وقدمت الكويت مساعدات لأكثر الدول تضررا عندما امر سمو الامير الراحل بصرف مبالغ مالية للعاملين لدى الكويت قبل العدوان من أبناء تلك الدول فخفف عنهم الكارثة التى أصابتهم من جراء العدوان واكد لهم أن الكويت وفية لكل الشرفاء على أرضها .
تأكيد القيادة الكويتية التزام دولة الكويت بكل القيم والمبادىء التى طالما التزمت بها امام المجتمع الدولي ومارستها فى سياساتها عبر تاريخها . وفي ذلك قال امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد في خطابه يوم 27 سبتمبر 1990 (الدورة 45) امام الجمعية العامة للامم المتحدة ” ان الكويت التى عرفتموها ستبقى على عهدكم بها دائما وفية لمبادئها غيورة على قيمها مخلصة لاصدقائها محترمة لعهودها ومواثيقها”.
المغفور له سمو الأمير الراحل : ان ادارة اركان الحكم في ذلك الوقت لازمة الاحتلال درس بالغ الدلالة للأمم والشعوب المقهورة وبخاصة ما يتصل بالوحدة الوطنية ورفض كل أشكال المساومة على المبدأ ومحاورة المترددين فى دعم الحق وكسبهم على ارضية ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي ووضع الانسان باستمرار فى مقدمة اي اهتمام وقبل كل شيء لان الأوطان والثروات تكتسب قيمتها من الانسان لا من غيره .
وكان لنجاح سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح منذ تسلمه حقيبة وزارة الخارجية في عام 1963 في توثيق علاقات الكويت بالأمم المتحدة ومنظماتها ودولها الأعضاء دور كبير في الوقفة الصلبة التي اتخذتها الامم المتحدة والعالم الحر لصالح الكويت واستقلالها وسيادتها عندما تعرضت للعدوان العراقي الغادر.
وها هي الكويت تقدم للعالم كله نموذجا يحتذي به في الصلادة والدفاع عن الحق بالحفاظ علي شرعيتها ودستورها والتصدي للعدوان قبل 24 عاما ، وعلي قدرة ابنائها علي أن يحولوا المحنة الي منحة .