Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
آراء

رسالة موجّهة إلى الرئيس الصيني بشأن الإبادة الجماعية في غزة وفلسطين

د. علي محمد الصلابي||

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس “شي جين بينغ” رئيس جمهورية الصين الشعبية

تحية طيبة، وبعد ..

أُوجّه لكم هذه الرسالة، وفلسطين ومنطقة الشرق الأوسط والعالم في حالة غليان، جراء العدوان الظالم والوحشي الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وإلقائها أطنان من المتفجرات، والحمم النارية من الطيران والمدافع على رؤوس المدنيين العُزْل والآمنين من أطفال ونساء وشيوخ في مدينة غزّة، والتي يقطنها حالياً أكثر من مليوني إنسان، وذلك بغطاءٍ ودعمٍ سياسي وعسكري ومالي واستخباراتي فرنسي وبريطاني وألماني وإيطالي وكندي وأمريكي وهندي ضخم. وإن دوافعنا من إرسال هذه الرسالة تتلخص في عدة أمور، ومنها:  

  • مواقفكم المؤيدة لمطالب الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة، ودعم حقوقه المشروعة في العيش بأمان وسلام.  
  • رغبة في أن تَسمعوا الرأي حول حقيقة هذا الصراع وأبعاده، والجذور التاريخية للشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته، ومدى كفاحه الطويل، ومعاناته المريرة في مرحلة الاحتلال الإنجليزي، ومن ثم في ظل الاستعمار الاستيطاني “الصهيوني”.
  • إدراك قدرة القيادة الصينية، بأن تلعب دورها الفاعل والمحوري، والتدخل بقوةٍ لإيقاف تلك الحرب الظالمة، وإنهاء المعاناة الإنسانية، نظراً لما تتمتع به من حصافةٍ سياسيةٍ، وحِكمة دبلوماسيةٍ، وقدرة حوارية عميقة.
  • الدبلوماسية الصينية ومواقفها من العِقاب الجماعي والمجازر الحالية في غزة

يا سيادة الرئيس: تميز الخطاب الدبلوماسي لدولتكم في ظل هذا العقاب الجماعي على أهل غزة وفلسطين، بالحِكمة، والمصداقية، والحياد الإيجابي، حيث أكّدتم بأن ما يجري في غزة انتهاكات مروعة، وعقاب جماعي، وتجسدت مواقفكم الأخيرة في التصريحات الآتية: 

  • مبعوث الصين للشرق الأوسط: مستعدون للعب دور إيجابي في التنفيذ الحقيقي لحل الدولتين.
  • المبعوث الصيني للشرق الأوسط: نشعر بالحزن إزاء الأزمة الإنسانية في غزة
  • المندوب الصيني في مجلس الأمن: حماية المدنيين يجب أن تكون أولوية لجميع الأطراف
  • المندوب الصيني في مجلس الأمن: ندعو إسرائيل إلى وقف العقاب الجماعي بحق سكان غزة
  • وزير الخارجية الصيني: الممارسات الإسرائيلية في غزة بعد هجوم حماس تتجاوز حدود الدفاع عن النفس.
  • وزير الخارجية الصيني: أكثر ما يحتاجه شعب غزة هو الأمن والغذاء والدواء لا الحرب والأسلحة والذخيرة.
  • الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين، ونقض ميثاق “حقوق الإنسان” ومواد “القانون الإنساني الدولي”

يا سيادة الرئيس: كل ما تقوم به إسرائيل من بطش وإجرام ترعاه الإدارة الأمريكية، وتجد له مبررات في الدفاع عن النفس، وبأن إسرائيل جزء من الأمن القومي الأمريكي، وآخذة بالرواية الإسرائيلية في شيطنة الشعب الفلسطيني، وتقزيم قضيته العادلة، وضاربة عرض الحائط بعشرات الجرائم، والانتهاكات الإسرائيلية لميثاق حقوق الإنسان ومواد القانون الإنساني الدولي في قصفهم وتدميرهم الهمجي والعشوائي للبشر والحجر، وقد جاء في ميثاق حقوق الإنسان في المادة (15):

“يجوز لأي طرف في النزاع أن يقترح على الطرف المعادي إنشاء مناطق محايدة في الأقاليم التي يجري فيها القتال بقصد حماية الجرحى والمرضى من المقاتلين وغير المقاتلين، والأشخاص المدنيين الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية ولا يقومون بأي عمل له طابع عسكري”. وفي المادة (16): يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين. وفي المادة (18): لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.

وفي المادة (51) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (يتمتع الأشخاص والسكان المدنيون بحماية عامة ضد الأخطاء الناجمة عن العمليات العسكرية ولا يجوز أن يكونوا محلاً للهجوم)، والمادة (52) التي تحظر الهجوم على الأعيان المدنية وردعها والتنكيل بها (لا تكون الأعيان المدنية محلاً للهجوم أو لهجمات الردع وتقصير الهجمات على الأهداف العسكرية فقط)، والمادة (53) التي تنص على أنه (يحظر ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة). فهل اِلتزمت حكومة الاحتلال الإسرائيلي والغرب بتلك المواثيق التأسيسية للعالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي كانت جمهورية الصين الشعبية من أوائل الموقعين عليه نظراً لالتزامها بهذه المبادئ والقيم الإنسانية السامية؟  

  • حقيقة الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، وأكاذيب الصهيونية في أرض فلسطين  

يا سيادة الرئيس: شنّت إسرائيل هذه الحرب الظالمة، فليس ما يجري مجرّد عملية عسكرية. وهي تعلن جهارًا أنها ترتكب جرائم ضد الإنسانية، وأنها سوف تواصل ذلك بشدّة، وعلى نطاق أوسع حتى تطرد الفلسطينيين من غزة. فالتعامل مع أهل غزة المدنيين بوصفهم “حيوانات بشرية” على حد وصف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، والتهديد بحرمانهم من أبسط حقوق الحياة “الغذاء والماء والدواء” يدلل على طبيعة هذا المحتل. فإسرائيل تواصل هذا النهج العُداوني، والذي يقوم على التوسّع الاستيطاني، والتضييق على فرص الفلسطينيين في العيش، ومصادرة أراضيهم، والسيطرة على مواردهم المائية والاقتصادية والإنتاجية، وتكثيف الظروف الطاردة مثل فرض قيود على الإعمار والسكن، وحملات الاعتقال اليومية، والفصل العنصري، وزيادة عدد الحواجز التي تفصل بين المدن والقرى بعضها عن بعض، ويتابع هذا الحال عضو الكنيست الإسرائيلي سموتريتش، والذي يقول: يضطر 20 ألف فلسطيني لمغادرة الضفة الغربية سنوياً.

يا سيادة الرئيس: إن من أكبر الادعاءات التي اختلقها الصهاينة في فلسطين لإثبات أصلهم التاريخي “القديم” فيها هي “كذبة الهيكل وأرض الميعاد”. ولو بدأنا الحديث من آخره بأن المسجد الأقصى بُني قبل عهد نبي الله سليمان (عليه السلام) بأزمنة طويلة، فكيف يكون هيكل سليمان “المزعوم” تحت المسجد الأقصى، كما يدعون، وجُلُّ الحفريات التي قام بها اليهود تحت الحرم القدسي الشريف منذ احتلالهم للقدس، لم تثبت شيئاً من مزاعمهم في وجود الهيكل. فالحجج الصهيونية، حول فكرة هيكل سليمان، وعقيدة أرض الميعاد، والتي بسببها تُسفك دماء الأبرياء الفلسطينيين اليوم دون وجه حق، إنما هي أوهام وأباطيل عارضها عدد كبير من الباحثين والمؤرخين ورجال الدين المسيحيين واليهود والمسلمين، وعلماء الآثار على اختلاف توجهاتهم من خلال بحوثهم الجادة والرصينة في أراضي فلسطين، ونذكر من اليهود على سبيل المثال: عالم الآثار الإسرائيلي إسرائيل فلنتشتاين، وهو أكاديمي من جامعة تل أبيب، والذي شارك رأيه مع عدد من الباحثين الغربيين بأن كل عمليات الحفر والتنقيب تحت الحرم المقدسي والمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة لم تقدم دليلاً واحداً على صحة أرض الميعاد وقصة الهيكل. وإن ما أثبته عالم في الآثار من جامعة تل أبيب البروفيسور زائيف هرتزوج، والذي شارك في كثير من مهام وأعمال الحفر الأثري في القدس وأريحا ومناطق واسعة من فلسطين، جعله يصل لنتيجة واحدة: “إن الوقت قد حان للتوقف عن البحث عن شيء لم يكن موجوداً”.

كما توصل لنفس النتائج العلمية، الباحث وعالم الآثار الإيرلندي الأمريكي جون دومينيك كروسان حول الرابطة الوهمية بين “الوعد التوراتي”، وما توصل له البحث الأثري المعمق في القدس وفلسطين. وهذه بعض الدلالات والمؤشرات، التي تجعلنا يا سيادة الرئيس نؤكد على أهمية التدقيق والقراءة التاريخية لطبيعة الصراع، وبأن الشعب الفلسطيني هو شعب أصيل، وصاحب حق تاريخي، يجعله يتمسك بأرضه، ويدافع عن عِرضه ومقدساته، وتجعلنا نبرر لهم تمسكهم بذلك الإرث الحضاري والإنساني والروحي في القدس وفلطسين أمام محتل طارئ، بنى كل رواياته على أوهام وأدلة غير منطقية ولا واقعية. 

  • كفاح الشعب الفلسطيني هو طريق عاشته الصين في تاريخها

يا سيادة الرئيس: كانت الصين ضحية للاستعمار الياباني “المباشر” حتى الحرب العالمية الثانية، وهيمنة المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حتى انتصار الثورة الصينية عام 1949م، والإطاحة بنظام تشان كاي شيك، بل وحتى بعد انتصار الثورة الصينية بقيت أراض صينية تحت استعمار أو هيمنة الدول الرأسمالية الكبرى مثل هونغ كونغ، التي بقيت تحت الاستعمار البريطاني “المباشر” حتى 1997م، وتايوان التي هي عملياً مازالت إلى يومنا هذا تحت التأثير المباشر للولايات المتحدة الأمريكية خاصة عسكرياً. وجزر ما كاو الصينية التي ظلت تابعة للبرتغال حتى عام 1999م.

يا سيادة الرئيس: هذا هو حال الشعب الفلسطيني كذلك؛ كفاح طويل ضد محتل غازٍ، وكيان مصطنع، هو نضال تحرر، وكفاح مشروع، استمده من حقه التاريخي ضد الإنجليز (1918 – 1947م) أولاً، ومن ثم ضد الصهاينة (1948 – 2023م) ثانياً، وتمسك به من إيمانه العميق بالله العزيز الجبار، وقيمة حمل الأمانة في الحياة الدنيا، ومن تعاليم القرآن الكريم، والذي يبيّن في آياته المحكمات، بأن الموت في سبيل الله، وردّ المعتدين، والغزاة الظالمين، هو من أعظم القربات التي يَتقرب بها إلى خالقه العظيم. قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [سورة الحج: 40، 41].

يا سيادة الرئيس: نحن المسلمين، لدينا مبادئ عقدية وحضارية وإنسانية نتمسك بها، مستمدة من إيماننا بالله، وتاريخنا، ومن فهمنا لحقيقة الخلق، ومهمة الإنسان في هذه الحياة، ونهج قادة الحضارة الإنسانية من أبي البشر آدم (عليه السلام) مروراً بكل الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، ونهجهم في التوحيد ونشر العدل ومحاربة الفساد والظلم، والدعوة للإصلاح والسلام، وعدم الاعتداء على الآخرين، وخلاصة ما أريد قوله: إن أمتنا أمة تنتمي إلى ثقافة العفو والصفح والإحسان في تاريخها.

يا سيادة الرئيس: إن التجربة الصينية في التحرر ومحاربة الظلم والاستعمار الياباني والغربي، ومن ثم التمكين والنهضة، لم تأتي عن فراغٍ، بل خاض شباب الصين الشجعان، وقادة الصين ثورات وحركات تحررية، ووضعوا أيديهم في أيدي الشعوب المناضلة للخلاص. ولن ينسى قارئ التاريخ، الموقف الصيني من كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، ففي الوقت الذي حصلت فيه فرنسا على دعم مادي وسياسي من الأوروبيين والأمريكيين والاتحاد السوفييتي ضد الثورة الجزائرية، اعترفت الصين بالحكومة الجزائرية المؤقتة بعد ثلاثة أيام من تشكيلها في 22 سبتمبر 1958م. واعتبر الزعيم الصيني المؤسس “ماو تسي تونغ”، بأن تشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة كان تعبيراً عن إرادة الشعب الجزائري غير المساومة مع المحتلين، ووصف السيد فرحات عباس الاعتراف الصيني بأنه تشجيع عظيم لأنه يعبر عن 600 مليون صيني آنذاك، وقد سبق الاعتراف الصيني للجزائر، دعم صيني مالي، وإمدادات عسكرية صينية مباشرة من بداية حرب التحرير الجزائرية، بما فيها 12 مليون دولار. وفي عام 1959م، وحدها سلمت الصين للجزائر 2 مليون فرنك فرنسي.

كما كانت زيارات جبهة التحرير الجزائرية للصين متكررة، وفي إحدى لقاءاته بالوفود الجزائرية التي زارت الصين أثناء حرب التحرير الجزائرية، عقَّب ماوتسي تونغ على أحد المتدخلين من الوفد الجزائري عندما قال: “بأننا جئنا لنتعلم الحرب الشعبية حرب العصابات من الصين”، أجابه ماو: “كيف جئتم تتعلمون من تجربة الصين في الحروب الشعبية، ونحن تعلمنا ذلك منكم من مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري؟”.  

يا سيادة الرئيس: كانت الصحافة الصينية تُعطي اهتماماً بالغاً لحرب التحرير الجزائرية، وبمناسبة زيارة يوسف بن خدة وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة الجزائرية المؤقتة إلى الصين في 3 ديسمبر 1958م، اعتبرت الصحافة الصينية بأن تلك الزيارة كانت حدث اليوم، ووجد الوفد الجزائري استقبالاً وترحيباً متميزاً من طرف القيادة الصينية، وعلى رأسها ماوتسي تونغ، وفي هذه الزيارة كانت للسيد بن خدة اتصالات مكثفة مع القيادة العسكرية الصينية، وعلى رأسها نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع المارشال يونج ته هواي، والذيأكد للوفد الجزائري: “وبعد انتصار الثورة الجزائرية، وجد الصينيون لدى الجزائريين تقديراً واعترافاً مستمراً بالمساعدات المعنوية والمادية التي قدمتها الصين الشعبية للجزائر من أجل انتصار الثورة الجزائرية”. وهو ما عبَّر عنه السيد عبد الرحمن كيوان رئيس البعثة الدبلوماسية الجزائرية بالصين في مايو عام 1961م: “الشعب الجزائري لن ينسى أن حكومة الجمهورية الشعبية الصينية كانت من بين أولى الحكومات التي اعترفت بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ومنذ ذلك الحين ما انفك بلدكم يقدم مساندة مستمرة لثورتنا، وإن الصداقة الصينية الجزائرية تنصهر في الكفاح، لذلك فهي قوية ودائمة”.

  • الحِكمة الصينية وإدارة النزاعات وتحقيق السلام

يا سيادة الرئيس: فاجأت الصين العالم بإعلان عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بعد 7 سنوات من التوتر والصراع بينهما، فكانت الرعاية الصينية لمبادرة “حسن الجوار”، التي تمت بتوقيع الاتفاق التاريخي بينهما في الصين (10 مارس 2023م) لها دلالاتها وحساباتها ونتائجها، وهي الخطوة التي قد تنطوي على تغيرات دبلوماسية كبرى في ظل تعاظم النفوذ الصيني اقتصادياً وسياسياً في الشرق الأوسط، وهو ما أعلنته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

يا سيادة الرئيس: إن الإخفاق الغربي في أفغانستان، والتي خرجوا منها بعد أن تركوها بلداً فقيراً ومدمراً، مقابل الالتزام الصيني تجاه الأفغان جعل الحكومة الأفغانية تصرّح بالقول: “الصين دولة جارة لنا، وتجمعنا بها علاقات جيدة”. وتلك العلاقات جاءت مبكرة في ظل الاحتلال الأمريكي، ولكن تلك العلاقات توطدت، وبلغت أوْجَهَا حينما ترأس الملا عبد الغني برادر، رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان، وفدًا رفيع المستوى في زيارة إلى الصين، في شهر يوليو2021؛ حيث استُقبل بشكل رسمي رفيع من قبل الحكومة الصينية، واعتبرت دولة الصين بأن حكومة طالبان “قوة عسكرية وسياسية مهمة في أفغانستان”، وأعلنت أنها ستلعب دورًا مهمًّا في إحلال السلام بالبلاد، وفي المصالحة، وإعادة الإعمار.

كما نُدرك يا سيادة الرئيس ما أطلقته الصين، في 20 مارس 2023م، من مبادرة سلمية للشرق الأوسط على لسان عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وانغ يي، تضمنت خمس نقاط: الدعوة إلى الاحترام المتبادل، الالتزام بالإنصاف والعدالة، وحل القضية الفلسطينية وتحقيق حلّ الدولتين، وهو يمثل أهم محك للعدالة والإنصاف في الشرق الأوسط، مع دعم عقد مؤتمر دولي ذي مصداقية في حالة نضوج الظروف، وتحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية، والعمل المشترك من أجل تحقيق الأمن الجماعي، وتسريع وتيرة التنمية والتعاون”. وقد رحب الشعب الفلسطيني وحكومته بالمبادرة، والتي جاءت بعد نحو عشرة أيام فقط على إعلان التفاهم السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وبرعاية صينية، وهو ما برهن على حضور صيني فعّال ومتزايد في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط.

يا سيادة الرئيس: إن المبادرة الصينية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في يوليو 2017م لاقت قبولاً فلسطينياً، ولكنها لاقت تعنتاً إسرائيلياً، فلم تُبد حكومة الاحتلال الإسرائيلي تجاوباً يُذكر مع المبادرة، رغم الدينامية الصينية في التعامل مع الأطراف. وهنا تتبدى لإدارتكم كيف يستجيب صاحب الحق (الشعب الفلسطيني)، ويتعنت المحتل المغتصب (الاحتلال الإسرائيلي).  

يا سيادة الرئيس: إن ثمة مصالح كثيرة تحققها الصين في تدخلها الجاد في سبيل إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، إذ يحتاج الفلسطينيون والمسلمون لمساندةِ قوة دولية تساعدهم في الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، لتعديل سلوكهم المنحاز لإسرائيل، وإنهاء العدوان الإسرائيلي. فالموقف الإنساني والأخلاقي الصيني في إنهاء المأساة، ودعم الشعب الفلسطيني سيؤدي دون شك لتغيرات في شكل النظام العالمي برمته. وهكذا، فإن الظروف الإنسانية الصعبة التي يمرُّ بها الشعب الفلسطيني تتطلب من قيادتكم، ومن منطلق إنساني وأخلاقي ومصلحي عدة أمور، ومنها:

  • حشد الجهود الصينية السياسية والاقتصادية والأمنية مع حلفائها والعالم الإسلامي، لرفع ذلك العقاب الجماعي عن المدنيين الأبرياء في فلسطين وغزة.
  • رفض قاطع للانتهاكات اللا إنسانية، والجرائم المروعة، من تدمير المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات، ومراكز الدفاع المدني، والمخابز ومحطات الكهرباء والطرق الحيوية، ومحطات المياه والأحياء السكنية الآمنة. وحماية مراكز الأمم المتحدة لإيواء النازحين المدنيين “الأونروا”.
  • رفع الحصار الظالم عن أهل غزة، والمستمر منذ عام 2006 وحتى الآن. وإنهاء المعاناة الإنسانية لشعب فلسطين بشكل عام.
  • العمل على حماية المدنيين بتوفير مظلة قانونية تتبناها الصين عبر الجمعية العام للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وحشد إمكاناتها لإدخال المساعدات الإنسانية للمحاصرين والمصابين، وحماية الأطفال والنساء والعجزة الأبرياء من العدوان الهمجي الظالم.

يا سيادة الرئيس: ما نطلبه من القيادة الصينية أن تأخذ العِبرة من الأخطاء والمصائب التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية وحُلفائها تجاه الشعب الفلسطيني، والعالم الإسلامي (العراق وأفغانستان)، فلو سارَ الصينيون على نفس الخطى في عدم إعطاء أي اعتبار إستراتيجي للمسلمين، ولمعاناة المظلومين في فلسطين، والتعامل مع المسملين على أن بلدانهم هي ساحات لتصفية الحسابات الدولية، وبناء معادلة اقتصادية تخدم المصالح الصينية، فإن الصين ستتأذى في علاقتها مع العالم الإسلامي، والذي يعيش فيه أكثر من مليار ونصف إنسان مسلم. ولا شك، بأن الصعود الصيني أكثر من يرحب به عالمنا الإسلامي بعد طول صراع بين العالم الإسلامي والغرب.

يا سيادة الرئيس: إن سنة الله ماضية في إهلاك الأمم، واستبدال الحضارات إذا انتشر الظلم والفساد، وساد الانحلال الأخلاقي، والاستعلاء على المستضعفين، واغتصاب حقوقهم، وهذا ما سيقودها للانهيار. ولأن الصين تمثل في ظل التغيرات العالمية قوة عالمية صاعدة في نهجها الدبلوماسي، ومُقاربتها الاقتصادية والأمنية، وتمكسها بالتعاون الإنساني، ورغبتها في الشراكات الاقتصادية مع العالم الإسلامي، ولذا يتوجب عليها التدخل لإنقاذ الشعب الفلسطيني، وإنهاء واقع الحصار، والعقاب الجماعي، وطرح حلول عادلة، تنصفه بعد طول معاناة وظلم واضطهاد من الاحتلال الإسرائيلي وحُلفائه.  

والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى