
أحمد بن بحار يكتب :
قرر علماء البيئة بأن لكل كائن حي موطنا طبيعيا ودورا يؤديه في هذا الكون، وثمة علاقة وطيدة بين الموطن الطبيعي والمجال الذي يقوم به الكائن الحي، فمثلا في الغابة المطيرة المدارية تقضي القردة العواءة معظم وقتها في الأجزاء العالية من الأشجار لأنها تتغذى على أوراق تنمو في الأجزاء العالية من الأشجار، في حين تقطن القردة السنجابية في مستويات أدنى وتتغذى على أوراق الأشجار والفاكهة والحشرات والعناكب وغيرها من الحيوانات الصغيرة.. ويشكل البحث عن الغذاء وتناوله جزءا مهما من الدور الذي تؤديه الحيوانات في الكون.
وقد لفتتني هذه الحقائق العلمية وجعلتني أحاول المقارنة بين المجالات التي يقوم بها بعض البشر والموطن المناسب لتلك المجالات، فمثلا من المواطن الطبيعية للعلماء من الناس المكتبات وقاعات الدراسة لأن مجالهم الفكر والعلم والمعرفة، وهناك المنافقون المتسلقون وهؤلاء موطنهم الطبيعي متعدد فبعضهم يستوطن مجالس أصحاب النفوذ وبعضهم يستوطن زوايا بعض الصحف وقد يستوطن بعضهم كراسي في بعض المجالس المهمة في الدولة، وهناك التافهون المنعمون ولهؤلاء إقامة شبه دائمة في المقاهي والتسكع في الأسواق لأنهم ملأى بالفراغ والنقص الذي تعكسه المظاهر الزائفة…!
غير أن الإنسان أمره أشد تعقيدا من بقية الكائنات الحية، فقد يتناقض موطنه الطبيعي مع مجاله والدور الذي يقوم به، فقد يستوطن بعض الناس المسجد ليل نهار ولكنه يؤدي دورا سلبيا في المجتمع كالغيبة والنميمة وبث الفرقة والعداوة بين أبناء الوطن الواحد بل بين أبناء الأسرة الواحدة، وقد تجد من يعمل في مؤسسة أكاديمية ويجلس على كرسي العلم وهو يحمل بين كتفيه عقلا لا علاقة له بالتعليم لا من قريب ولا من بعيد! ولذلك كان الإنسان كما قال المعري:
والذي حارت البرية فيه
حيوان مستحدث من جماد
إن الإنسان بحق من جعل موطنه الطبيعي كريما وعزيزا ومشرفا، وجعل مجالاته سامية وجميلة وفاضلة؛ فراقب ذاتك دائما أين تكون وماذا تفعل ؟