
بقلم : مهندس / محمود صقر

قطيع مستجيب مطاوع متجانس . في كتابه ” قيم من التراث ” يروي الدكتور الراحل ” زكي نجيب محمود ” تجربة له مع لجنة تم تشكيلها في منتصف الخمسينيات كان هو أحد أعضائها في مهمة وضع مقرر دراسي يستهدف تكوين المواطن الصالح . فوجد في بداية الجلسة الأولى مذكرة أمام الأعضاء تحدد لهم سلفاً تعريف المواطن الصالح : ” مستجيباً ، مطاوعاً ، متجانساً في فكره وسلوكه مع مجموعة المواطنين “. علق الأستاذ على هذا التعريف ( طبعاً ليس داخل اللجنة ولكن بعدها بعشرات السنين ) قائلاً : ” كان المراد هو أن يكون المواطن الصالح مفتوح الأذنين أبكم اللسان “. ، وهو تعبير معدل لوصف ” القطيع ” . ويدور الزمن دورته ، والثور ما زال يدور بساقيته مغمض العينين في حركة دائرية ، يعود فيها مع كل دورة من المكان الذي ارتحل إليه إلى المكان الذي ارتحل منه . وبتاريخ 4/8/2014 يقر المجلس الأعلى للثقافة برئاسة د/ جابر عصفور وزير الثقافة ورقة عمل اللجنة المشكلة برئاسة الأستاذ ” سيد ياسين ” وعضوية كل من : ” محمد سلماوي – صلاح عيسى – ليلى تكلا – جمال غيطاس …. ” لوضع السياسة الثقافية للوزارة . وقد جاء تعريف السياسة الثقافية في الورقة المذكورة كما يلي :” هي التي توجه الجوانب الثقافية اللامادية في المجتمع : المعتقدات ، الفكر ، الرأي ، الفن ، الأدب ، القيم ، العادات ، التقاليد ….. بهدف تحقيق أهداف وغايات تتفق وتوجهات الدولة الأيديولوجية .”!!! بين الأمس واليوم : نفس العقلية .. نفس السياسة .. نفس المنتج .. نفس الدورة في ذات الساقية . بالأمس كنا نستهدي بالاشتراكية والشيوعية ، ونقدس ماركس ولينين ، ويقول أحد مفكرينا في موت ” ستالين ” ما قاله سيدنا أبو بكر في وفاة النبي ( عليه الصلاة والسلام) :” طبت حياً وميتاً” . والعقاد الذي وقف في البرلمان عام 1930 زمن الملك فؤاد يقول: إن المجلس سيحطم أكبر رأس في البلاد إذا تم المساس بالدستور” يرضي في الخمسينيات والستينيات ومعه طه حسين وتوفيق الحكيم (باعتراف توفيق الحكيم في كتابه عودة الوعي) برقابة عسكري على ما يكتب في الصحف الحكومية، ومازال على ذات الدرب يسير معظم الكتاب والأدباء والشعراء كي يجدوا لهم مكانا في دولة، المواطن الصالح فيها هو:( مستجيب – مطاوع – متجانس ).!! وذلك لتحقيق المجتمع الاشتراكي الذي يفقد فيه الإنسان فردانيته وذاتيته ليصبح ترساً في آلة مجتمع تحدد له الدولة معتقداته وفنه وأدبه وقيمه. مجتمع تعبر عنه النكتة السياسية المصرية : ” مواطن يسأل عبد الناصر : ما معنى الاشتراكية ؟ فقال عبد الناصر : الاشتراكية : الكفاية والعدل . قال المواطن : وما معنى الكفاية والعدل ؟ فأجاب ناصر : يعني نكفيكوا كده تنكفوا ، ونعدلكو كده تنعدلوا.!!! ” ارجع يا عزيزي إلى أسماء لجنة وضع السياسة الثقافية المُشَكلة في 2014 ، ستجد تلك الأسماء هم شوك في شجر السدر الذي نبت في حقبة الخمسينيات والستينيات، لتظل حركتنا دائرية مغلقة كحركة الثور المُغمض العينين في الساقية . وبهذا المعيار، يتحول مواطن أسعد الملايين من عشاق الكرة وأهدى بلاده العديد من الانتصارات، إلي مواطن منبوذ محاصر إعلامياً ومالياً، لأنه خرج على التوجهات الأيديولوجية للدولة، ولم يعد (مستجيبا – مطاوعاً – متجانساً). أي لأنه تجرأ وتمرد وفارق القطيع، وحلق خارج السرب، ونزع العصابة عن عينيه وأبى أن يدور في الساقية.!!