

د. عبد المحسن يوسف جمال:
من مفارقات الأمور في عالمنا العربي اليوم أن البوصلة الوطنية عند البعض أضحت غائبة أو مغيبة.
فالجهاد الذي يطالب به بعض مفتي الجاهلية الأولى لم يعد تحرير أرض الإسراء والمعراج، بل تحرير الدول العربية من حكوماتها!
وهذه الفتاوى الباطلة التي يصدح بها هذا البعض جهاراً نهاراً جعلت بعض الشباب الفلسطيني يصدقهم، فيترك بلده المحتل ويغادره للجهاد في سوريا لتحريرها من العرب! أو إلى العراق أو مصر أو أي دولة عربية أخرى!
هل يعقل أن تصل الحماقة بهؤلاء إلى ترك المسجد الأقصى يدنسه الصهاينة، ويركبوا الطائرات الإسرائيلية ليذهبوا إلى تركيا ثم للجهاد في البلاد العربية؟!
لقد بدأ الاختلال في العقل العربي أولاً حين رفض العرب بما في ذلك جامعة الدول العربية الحل السلمي للأزمة السورية، ولجأوا إلى خيار إسقاط النظام بقوة السلاح واستعانوا بهذه القوى الظلامية والتي كانت تتحين الفرصة لتسليحها بالمجان، وبإذن من بعض الدول العربية والأجنبية وبتدريبها تدريباً جيداً على أيدي خبراء حرب عصابات أجانب!
فكان أن هيأت لها كل مستلزمات الظهور المسلح واحتلال المدن وغطاء استخباراتيا على مستوى رفيع، مما جعل هذه المنظمات الدينية تتمادى في استدعاء مناصريها من جميع أنحاء العالم لإسقاط بعض الأنظمة العربية التي تعتبرها كافرة!
واكتملت الصورة بطرد سوريا من جامعة الدول العربية وهي التي تعتبر أحد مؤسسيها قبل استقلال الدول التي طردتها، في مفارقة درامية.
وعندها كبرت هذه القوى المسلحة واستعانت بالقاعدة والنصرة وإسرائيل ليتحول الصراع إلى شحن عقائدي بغيض تتحرك معه فتاوى علماء السوء، فيصبح قتل العربي أولى من قتال الصهاينة، وتحرير العواصم والمدن العربية بزعمهم مقدماً على تحرير فلسطين!
أرأيت أخي القارئ في أي جاهلية نحن نعيش! ولماذا تداعت الحكومات اليوم لمحاربة هذه القوى التكفيرية التي ربما ساهمت في تقويتها، بعد أن تمكنت وأخذت تهدد كل الدول العربية ورسمت لخلافتها المزعومة دولة تضم أغلب دول المشرق العربي؟!