
الحملة العنيفة التي تشنها «مسجات» التواصل الاجتماعي على القضاء تحمل في داخلها الشيء الكثير. واضح أن الكويت ومنذ الحلول الدستورية المتوالية لمجالس الأمة القليلة السابقة أفرزت عداءً فيما بين الفرق السياسية. وهنا أركز على العداء السياسي وليس الاختلاف السياسي، لان ما يخيّم على الرفقاء الفرقاء الشيء الكثير من الضغينة والأحقاد والانتقامات. هذا الاحتقان السياسي أنتج العديد من المشاكل للكويت بدلاً من الوضع الطبيعي في الأنظمة الدستورية الديموقراطية بحيث يكون الاختلاف السياسي مصلحة وفائدة تجنيها الدولة والمجتمع. فهنا المعارضة السياسية فلِست من كل شيء، وباتت اليوم تحاول أن تسترجع رصيدها الشعبي بأي طريقة، وهذا ما دعا الرئيس السابق للمجلس والمعارضة الحالية احمد السعدون أن يعترف بأن المعارضة مفككة وفي أسوأ أحوالها. الذي يعنينا في تدهور الأمر بين الفريقين المعارضة السياسية وفريق الموالاة الحكومية أنهما أصبحا يضربان بعضهما البعض بصورة مكشوفة وبأي وسيلة من باب أنا ومن ورائي الطوفان.
ومن الأدوات التي يتورع عن استخدامها الفريقان هم القضاة والسلطة القضائية، السلطة التي أصبحت مرمىً لتقاذف الحصى التي يلقيها هذا الفريق أو ذاك. والتشهير الأخير بالقضاة الثلاثة ما هو الا حلقة واحدة، سبقتها أمور عدة كالشريط وغرفة التجارة والحل الدستوري وانتخابات الرئاسة للمجلس في الدورات السابقة (خمس اصوات). فالمشاكسات كثيرة ولم تنتهِ ولن تنتهي.
الجديد في الأمر اليوم هو وصول الضرب إلى مرحلة خطيرة وهو إقحام القضاء واتهامه بالتأثر سياسيا ولمصلحة فريق على آخر. الدولة لا يمكن لها أن تستقيم إذا ما ضُرب هذا العمود، لأنه العمود الارتكازي الذي بسقوطه سيسقط كل شيء. لذلك من يريد الإضرار بالدولة ككل، ما عليه الا التحرش بهذه السلطة التشريعية والمظلة الدستورية.
من هنا أقول نحن جميعاً ملزمون باحترام القضاء لأن الخيار الآخر هو الدمار. مضافاً لذلك أن المعارضة يصعب الوثوق بها حتى لو حاولنا تصديق ما تسوقه من تهم. ما يعني اذاً ان المعارضة هي أول من يلام لأنها كانت تمتلك القوة سواء في رفع القضايا ضد سُراق المال وتقديم الأدلة السليمة والصحيحة (لا أوراق مطبوعة لا ندري ما هو مصدرها)، أو من خلال وضع التشريعات المناسبة لتضييق الخناق على الفساد والمفسدين.
فكما قلت، الزاوية كانت تمتلك الأغلبية في السابق «القريب»، كما أنها كانت تعمل بإيجابية مع باقي النواب في الكثير من الدورات الأقدم. فكيف نصدق هذه المعارضة التي مع كل إمكاناتها التي كانت في متناول يديها وفرطت بها، فأين كانت حينما تسلمت القيادة؟، وأين الادلة التي هددت بها سنين طويلة؟، ثم أين الثغرات في التشريعات التي جاءت بها حتى تغلق الأبواب على حرامية المال العام؟
واضح أننا نعيش أزمة ثقة. فيصعب تصديق أي طرف، لا المعارضة ولا الموالاة لأن الاثنين يعملان وفق مؤامرة للإطاحة بالخصم، لكن واضح أن الاثنين يفتقران لمؤامرات لإصلاح الوطن!