
لا مفر من الإقرار بأن العرب لا يتعلمون من الدروس، ولا يأخذون العبر من التاريخ. لا يمكن للخطأ أن يعبر «بسلام»، ويستحيل على العرب أن يصلوا لأي مكان ما لم ينجحوا أولا في التوافق في ما بينهم قبل حل مشاكلهم الخارجية. خذ على سبيل المثال مصر. اخترت مصر كأول مثال كي افتتح حديثي لأنها الأكبر حجما وكونها هي دائماً من تقود العمل العربي المشترك، كما أظنها الأكثر حكمة واتزاناً مقارنة بالكثير من الدول العربية الأخرى.مصر مرت في السنوات الثلاث الأخيرة على محطات وتجارب تاريخية، بل ومحطة قد تكون الاصعب في عمر الجمهورية بعد احداث الاستقلال. الا انها لا تبدو قادرة على استعادة عافيتها. وما يزيدنا تشاؤماً لوضعها أن قيادتها مازالت قاصرة عن إدارة دفة الأمور بالشكل الصحيح، فحوادث التفجير المستمرة وشبه جزيرة سيناء التي أعلنت عن تمردها وحربها على القاهرة، إلى جانب خروج الرئيس السابق ورموز نظامه وحزبه من الأحكام القضائية بسلام مع كل المشاكل والجرائم التي ارتُكبت خلال مدة تزيد على أربعة عقود من عمر ذاك الحزب في الحكم، والتعسف الأمني «الحديدي» بحجة ضبط الأمور ضد النشطاء السياسيين، يعني كل ذلك أن مصر ليست على ما يرام.
طبعا لا أقول إن كل أعوان النظام السابق مجرمون، كما لا أعني أن جميع رموز الاخوان مسالمون ووطنيون، لكن بالتأكيد ما تعيشه مصر اليوم أمر يقع إما بسبب الإفراط في الركون للنظام القديم أو التفريط في كسب ود وتصالح الإخوان وباقي قطاعات المجتمع المدني والسياسي.
الأمر نفسه بالنسبة للثوار السوريين الوطنيين. أولئك أيضا أفرطوا في الكره للنظام السابق، فوقعوا في مصيدة استغلالهم من قبل اللعبة السياسية الدولية الكبرى. بسبب ذلك استُخدِموا في لعبة أكبر من حجمهم فأصبح مصيرهم أن يُرموا بعيدا ويُنسوا ويُطووا مع صفحات التاريخ السابقة ولا يلتفت أحد إلى مطالبهم. والأمر هو هو عند الشعب البحريني الذي لا يريد أن يتصالح مع حكومته، أو بالأحرى الحكومة التي مازالت مصرة على تجاهل مطالب ابناء شعبها.
أما الاردنيون فقد تكون النظرة لهم مغايرة بعض الشيء لكنها تظل في السياق ذاته، أقصد في عدم الاستفادة من العبر. فالأردنيون على الرغم من جرائم الصهاينة، إلا أن دورهم القومي لا يتعدى الاستنكار، وفي أقصى حالاته سحب السفير ثم عودته كما يحصل هذه الأيام.
الموجة الجديدة السارية على المنطقة هو تحييد إسرائيل واحتوائها، والكيان هذا واضح أنه يمشي إلى حتفه ونهاياته (ولو كان بعيدا بعض الشيء)، لذلك على الأردنيين أن يفهموا هذا الواقع السياسي الجديد ويقرأوه جيدا قبل أن يجدوا أنفسهم في مهب عاصفة العداء «الجارف» لإسرائيل، وساعتها قد يكون الوقت متأخرا جدا للتراجع وإصلاح مقود المسيرة!
عموما العالم العربي بأكمله لم يتغير، والصورة تبدو وكأنها بين ثلاثة خيارات، وكلها سيئة: إما العودة إلى المربع الأول لما قبل الثورات، أو مازالت الحالة قبل ثلاث سنوات لم تتغير والقتل جارٍ من غير تحقيق أي انفراجة تُذكر ولو في الأمد المنظور، أو تراجعت لما هو أسوأ من ذي قبل وأخص بالذكر هنا الجمهورية الليبية.