عبد العزيز يكتب : الزند ومرتضى في زمن الرويبضة
بقلم :محمد عبد العزيز
ليس من شك يساير أي مسلم على وجه هذه البسيطة أن من يهين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو يتطاول عليه فقد آذى الله ورسوله والمؤمنين. وعلى ذلك يكون تطاول وزير العدل المصري قبل يومين على مقام نبي الله – صلى الله عليه وسلم – هو آذى لله وللمؤمنين وللمسلمين جميعاً ، وجاء من بعده تطاول ” هجرس” المدعو أحمد مرتضى منصور اليوم على الذات الإلهية في برنامج رياضي مع الغندور خالد.
الواقعة التي أِشار فيها ” الزند ” إلى سجن النبي لو أخطأ – كما ورد على لسانه السليط – وغيرها من الوقائع التي تحدث طوال الأشهر الاخيرة تؤكد أن هذه التجاوزات تعبر عن تلك المرحلة التى تعيشها مصر .
المشهدان جعلاني اردد تبت ألسن تتطاول على الذات الالهية ومقام النبي الأشرف ، ومع الواقعتين جال بخاطري موقف صعد فيه الشريف محمد – صلى الله عليه وسلم – الصفا ذات يوم ، فقال: (يا صباحاه). فلما اجتمعت إليه قريش لتنصت إلى قوله ، قالوا: ما بك؟ قال: (أرأيتُم لو أخبَرتُكم أنَّ العدُوَّ يُصَبِّحُكم أو يُمَسِّيكم، أما كنتُم تُصَدِّقونَني). قالوا: بلى، قال: (فإني نذيرٌ لكم بينَ يدَي عذابٍ شديدٍ). فقال أبو لَهَبٍ: تَبًّا لك ألهذا جمَعْتَنا؟ فأنزَل اللهُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب” وهذا الحديث ورد في صحيح البخاري .
فكم من ملايين المسلمين رددوا (تبَّتْ يدا أبي لهب وتبَّ) طيلة أكثر من أربعة عشر قرنا ، تبكيتا من الله تعالى لذلك المجرم الذي قال للنبي – صلى الله عليه وسلم – ساخراً منه : “تبا لك ألهذا جمعتنا”؟!. فلم يكن أبو لهب يدرك أن تلك الكلمة العابرة المسيئة لنبي الله – صلى الله عليه وسلم – ستتحول الى لعنة أبدية عليه يرددها الملايين، ويتعبدون بها قرآنا يتلى إلى يوم الدين .
ان من كرامة الله تعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم- أن كبت وأهان كل من عاداه أو آذاه. اذ قال – عز وجل – في محكم اياته :” إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا” (سورة الأحزاب، الآيتان 57-58).
إن محبة نبي الله محمد – صلى الله عليه وسلم- منحة من الله تعالى يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء ، نعمة عظيمة وتفضل محض ، فمن أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا، ومن حرمها فقد خسر خسرانا مبينا . وهي منحة صرفت عنها قلوب المجرمين الجبارين والمستكبرين حتى الذين ربطتهم بالنبي الكريم أوثق عرى الأنساب، ونالتها قلوب طيبة ونفوس فطرية لم تكن تربطها به أية رابطة.
لقد أظهر الزند جهلاً مركباً للنبي الأكرم وسيرته العطرة ومقامه الكبير، وكشف عن انجذاب بليد إلى تكبره وغطرسته. ومن الجلي أن السليط المتطاول يجهل تلك الملحمة العظيمة التي قادها ذلك النبي العظيم، فسقط فيها امثال الزند من المتكبرين المتغطرسين من جبابرة الروم والفرس والعرب من غلاظ الأكباد المتكبرين: هرقل وأنوشروان وأبو جهل وأبو طالب والمغيرة.. وفاز فيها الفقراء البسطاء المتواضعون المستضعفون من ذوي السرائر النقية والنفوس الفطرية: سلمان وبلال وصهيب وغيرهم .
وما تطاول الزند ومنصور وغيرهما من المجرمين الا دلالة واضحة على اننا نعيش في زمن الرويبضة ،الذي أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – عنه بأن أخلاقيات الناس سوف تتغير ، لاسيما عند اقتراب الساعة وانتهاء الحياة من على ظهر الأرض , فعن انس بن مالك ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ. أخرجه أحمد والألباني في ” السلسلة الصحيحة “.
والرويبضة : في اللغة تصغير الرابضة ، وهو راعي الربيض ، والربيض : الغنم . وقيل التافه الخسيس الحقير يتحدث في امر العامة ، ونراهم في هذه الآونة هم من يتصدرون المجالس وأحيانا المناصب والولايات فيتكلمون ويتصرفون في أمور الناس من دون آثارة من علم ، فقد صارت الصدارة لهؤلاء المتفيهقين والمتشدقين الذين يحملون الناس على فتاوى شاذة وغريبة ، غاية ما تؤدي إليه الإدبار عن الدين والنفور عن المسلمين ولا خطر أشد على الاسلام من هؤلاء .
وفي زمن الرويبضة تجد الأصاغر هم الذين يتصدون للتعليم والفتوى , يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر “.
وفي زمن الرويبضة يصبح من لا عقل لهم ولا حلم لديهم هم أهل الوجاهة والتصدر والقيادة , ويصبح العقلاء الحكماء الحلماء هم الغرباء.
وفي زمن الرويبضة يسخر الإعلام أجهزته المرئية والمقروءة والمسموعة لأخبار أهل الفن والرياضة والمنافقين , ويتجاهل أخبار أهل العلم والإبداع والمصلحين .
وفي زمن الرويبضة تجد الأمانة مضاعة والأمر يوسد إلى غير أهله ، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم هنا ” فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَة”
وهنا قال الشاعر :
خنافسُ الأرض تجـري في أعِنَّتِها * * * وسـابحُ الخيل مربوطٌ إلى الوتـدِ
وأكرمُ الأُسْدِ محبـوسٌ ومُضطهدٌ * * * وأحقرُ الدودِ يسعى غير مضطهـدِ
وأتفهُ الناس يقضي في مصالحهمْ * * * حكمَ الرويبضـةِ مذكورفي السنَدِ
فكم شجاعٍ أضـاع الناسُ هيبتَهُ * * * وكمْ جبانٍ مُهـابٍ هيبـةَ الأسَدِ
وكم فصيحٍ أمات الجهلُ حُجَّتَهُ * * * وكم صفيقٍ لهُ الأسـماعُ في رَغَدِ
وكم كريمٍ غدا في غير موضعـهِ * * * وكم وضيعٍ غدا في أرفعِ الجُــدَدِ
دار الزمان على الإنسان وانقلبَتْ * * * كلُّ الموازين واختلَّـتْ بمُســتندِ
بقلم مدير التحرير