

تثبت الأزمات العربية أن ضمائر بعض المثقفين لا تقل سوءاً عن ضمائر بعض السياسيين الطغاة، بل إن هؤلاء المثقفين هم من يمهدون الطريق إلى المستبدين ويبيضون صفحتهم في عيون الناس، ويظهرونهم على أنهم لا تنقصهم سوى الأجنحة ليكونوا ملائكة.
هذا الأمر يحصل منذ عهد غوبلز وزير النازية الهتلرية، مروراً بكوبونات النفط العراقية على زمن الدكتاتور صدام حسين، وصولاً إلى ما يحصل اليوم على يد كتاب يقتاتون على مأساة الشعوب التي تتعرض بلدانها للدمار. وغالباً ما يكونون من بلدان أخرى غير البلدان التي ينتمي إليها الطغاة، أي على سبيل الإعارة!
ولو قال أحدهم إن هؤلاء المثقفين يكتبون عن قناعة، فلماذا نراهم من جهة يلمعون وجوه الطغاة الملوثة بالدماء، بينما في بلدانهم يظهرون على شاشات التلفزة يتحدثون عن أهمية الديموقراطية، وعن روعة الانتخابات الحرة النزيهة، وعن ضرورة أن تكون هناك تعددية وتداول للسلطة. وهذا يذكرني بازدواجية الذي ينصح النساء بقراءة كتب عن حقوق المرأة وحريتها، ثم يمنع أهل بيته من مشاهدة مشهد درامي عن فراق بين حبيبين.
في الأزمات العربية الأخيرة، نشطت هذه الأقلام، حيث يحتاج إليها الطغاة بشدة كغطاء مدني لأعمالهم العسكرية، وبالتالي فقد أصبحت هذه الأقلام تؤجر على شكل شقق مفروشة، يدخل الطاغية إليها ليجد مأوى له من سرير مريح وثلاجة فيها أنواع من المشروبات الباردة وخدماً يسهرون على راحته، بينما الأطفال من رعايا هؤلاء الطغاة لا يجدون حتى دثاراً يدفئ عريهم في المخيمات، ولا قطرة حليب في أثداء الأمهات الثكالى اللواتي جفت ضروعهن من الرعب.
هؤلاء الكتاب والإعلاميون ليسوا من العرب فحسب، فقد امتدت يد الفساد إلى أقلام وأصوات حتى كتاب من الغرب، ونعلم أن هناك عدداً منهم استفاد من كوبونات النفط العراقية في السابق، ومنهم سياسيون وأعضاء في برلمانات يفترض أنهم يحملون تطلعات شعوبهم التي انتخبتهم، فكيف يتاجرون بطموحات شعوب أخرى؟
الأمثلة كثيرة ولا حصر لها، ولا أريد أن أذكر أسماء بعينها لأنهم أولاً معروفون بل مكشوفون من قبل الشعوب، فوقاحتهم لا تستر حياءهم.. إن وجد أصلاً.
هؤلاء المثقفون والكتاب والإعلاميون، درجات، تماماً مثل الدرجات التي كانت تمنح لمريدي السلاطين في الأزمنة السابقة، وتصل أعلى درجات هؤلاء إلى أن يحصل على دعم لفتح صحيفة أو حتى قناة فضائية، بينما الأقل درجة منهم يكتفون بإلقاء «كيس» من النقود إليهم إما على شكل مرتب مقطوع، أو على شكل هبات وعطايا وهدايا، وقد يصل الرخص ببعضهم إلى أن يقنع بدعوة عشاء «فتوش» إلى ذلك البلد، يقيم في أحد فنادقه.
يحصل كل هذا على حساب دماء وجوع ومرض الشعوب التي تقع تحت أزمات الطغاة، وبالتالي فإن هؤلاء المثقفين يطعمون أطفالهم من لحوم أطفال الآخرين.