غزة بين هدنة الجوع وبرد الشتاء: المساعدات لا تكفي والخيارات تضيق

مع اقتراب الشتاء، تترنح غزة على حافة كارثة إنسانية جديدة. فبعد مرور أربعة أسابيع على وقف إطلاق النار الذي أنهى حرباً مدمّرة استمرت عامين، تؤكد منظمات الإغاثة الدولية أن ما يدخل إلى القطاع لا يغطي سوى نصف احتياجاته الغذائية، فيما تتآكل الخيام التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين، وسط تحذيرات من “سباق مع الزمن” قبل حلول البرد والأمطار.
برنامج الأغذية العالمي أوضح أن حجم الغذاء الداخل إلى غزة لا يتجاوز 50% من الكميات المطلوبة، في حين تشير منظمات فلسطينية إلى أن إجمالي المساعدات لا يتعدى ربع أو ثلث المتوقع بموجب اتفاق الهدنة.
تقول إسرائيل إنها تلتزم بإدخال 600 شاحنة يومياً، وتتهم حماس بسرقة المساعدات، بينما تؤكد الإدارة المحلية في غزة أن ما يصل فعلياً لا يتجاوز 145 شاحنة يومياً، بسبب القيود والإجراءات الإسرائيلية عند المعابر.
الخيام تتهاوى والشتاء يقترب
“الخيام مهترئة خالص”، بهذه العبارة الموجعة تلخّص منال سالم (52 عاماً) من خان يونس واقع عشرات الآلاف من العائلات التي تعيش في مأوى هش لا يقاوم رياح الشتاء ولا برده.
المجلس النرويجي للاجئين يقدّر أن 1.5 مليون شخص بحاجة إلى مأوى جديد، في حين لا تزال كميات ضخمة من الخيام والأغطية والمساعدات العاجلة بانتظار الموافقات الإسرائيلية لدخولها.
تحذيرات أممية متكررة تشير إلى أن الأمطار والفيضانات المرتقبة قد تحوّل المخيمات إلى بؤر للأمراض، في ظل تراكم مئات الأطنان من النفايات قرب التجمعات السكانية، وتراجع خدمات الصرف الصحي.
جوع مقنّع وتحسن محدود
رغم الهدنة وزيادة طفيفة في تدفق المساعدات، لا يزال الوضع الغذائي حرجاً:
10% من الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
نصف الأسر فقط تمكنت من تحسين إمكانية الحصول على الطعام.
معظم العائلات تعيش على الحبوب والبقول والمواد المجففة، بينما اختفت اللحوم والخضروات والفاكهة تقريباً من المائدة الغزية.
ويفاقم نقص الوقود الأزمة الإنسانية، إذ يعتمد أكثر من 60% من السكان على حرق النفايات للطهي، مما يضاعف المخاطر الصحية.
بين التزامات معلنة وواقع منقوص
تؤكد إسرائيل أنها تفي بالتزاماتها، لكن منظمات الأمم المتحدة وشبكات المجتمع المدني ترى أن المشكلة بنيوية في منظومة الدخول والتوزيع، وأن القيود الأمنية والإدارية تحوّل المساعدات إلى رمزية سياسية أكثر منها إغاثة حقيقية.
ويصف مراقبون هذا المشهد بأنه “هدنة جوع”، إذ أوقفت المدافع لكنها لم تفتح شرايين الحياة.
سباق مع الزمن
تقول عبير عطيفة، المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي: ” نحن بحاجة إلى وصول كامل وسريع… الشتاء على الأبواب، والناس ما زالوا جائعين”.
وفي ظل هذه التحذيرات، تتجه الأنظار إلى المجتمع الدولي — لا سيما الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والدول العربية — لبلورة آلية إنسانية عاجلة تضمن تدفقاً مستقراً للمساعدات قبل أن يتحول شتاء غزة إلى فصول جديدة من المعاناة.



