قطر تلوّح بقطع الغاز عن أوروبا…. مواجهة جديدة بين “الاستدامة” و”الواقعية الطاقوية”

لوّح وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد بن شريده الكعبي بوقف إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، إذا لم يُجرِ الاتحاد الأوروبي تعديلات جوهرية على تشريعه الجديد المتعلق بالبيئة وحقوق الإنسان، والمعروف باسم “توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية”.
وقال الكعبي، خلال الجلسة الافتتاحية لمعرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول “أديبك”، إن “قطر لن تورّد الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا إذا لم يتم تعديل أو إلغاء هذا التوجيه، وهذا أمر مؤكد”، في لهجة غير مسبوقة تعكس استياء الدوحة من ما تعتبره “تسييساً للسياسات المناخية والحقوقية” على حساب المصالح الاقتصادية المشتركة.
خلفية التشريع الأوروبي
يُلزم التشريع الأوروبي الجديد الشركات الكبرى بإصلاح أي “تأثيرات سلبية على حقوق الإنسان والبيئة” في سلاسل التوريد حول العالم، وهو قانون يحظى بدعم واسع داخل البرلمان الأوروبي من اليسار والخضر والوسطيين، لكنه يواجه انتقادات حادة من أوساط صناعية ترى فيه عبئًا بيروقراطيًا ومعيقا لتدفقات الطاقة والتجارة.
ويُعدّ هذا التشريع جزءًا من أجندة الاتحاد الأوروبي للتحول الأخضر والمسؤولية المؤسسية العالمية، لكنه يصطدم مع مصالح الموردين الرئيسيين للطاقة، وعلى رأسهم قطر، التي ترى في مثل هذه القوانين تدخلاً في سيادة الدول المنتجة وفرضًا لمعايير غربية أحادية.
الغاز القطري.. سلاح توازن جديد
تُعدّ قطر من أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا وروسيا، وتمثل شريانًا حيويًا لأمن الطاقة الأوروبي بعد تراجع الإمدادات الروسية عقب غزو أوكرانيا عام 2022.
وفي العامين الماضيين، وقّعت الدوحة عقودًا طويلة الأمد مع شركات أوروبية وآسيوية كبرى مثل “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”سينوبك” الصينية، في إطار استراتيجية توسعة ضخمة لحقل الشمال.
تحذير الكعبي، وفق محللين، يؤشر لتحوّل نوعي في استخدام الطاقة كأداة ضغط سياسي ناعم، ورسالة مباشرة إلى بروكسل بأن “التحول الأخضر لا يمكن أن يتم بمعزل عن واقعية الطاقة وأمن الإمدادات”.
تحليل استراتيجي
يرى خبراء الطاقة أن التلويح القطري يعكس تنامي حساسية الدول المنتجة تجاه السياسات الأوروبية ذات الطابع القيمي، والتي تُحمّل الموردين مسؤوليات تتجاوز الإطار التجاري.
ويعتقد مراقبون أن الدوحة، عبر هذا الموقف، تسعى إلى تثبيت موقعها كفاعل طاقوي مستقل يحمي مصالحه دون الاصطدام بتحولات المناخ، لكنه يرفض تسييسها.
كما يضع هذا التصعيد أوروبا أمام معضلة جديدة: إما الالتزام الصارم بمبادئ الاستدامة وحقوق الإنسان، أو ضمان أمنها الطاقوي في شتاء متقلب التوازنات.
خاتمة
بين “الاستدامة” التي ترفعها بروكسل، و”الواقعية الطاقوية” التي تتمسك بها الدوحة، تتجلى ملامح مرحلة جديدة من التفاوض بين الشمال والجنوب، حيث لم تعد الطاقة مجرد سلعة، بل أداة إعادة تشكيل للنظام العالمي في زمن الانتقال الأخضر.



