

عصام الفليج – الوطن:
في مثل قديم سمعناه صغارا «من عاب استعاب»، ويبدو لكثرة تعليقنا على عادات الشعوب، اخذنا منها جزءا لا بأس به، فبعد ان وصفنا البعض في فترة ما، بأن الدول العظمى أمريكا وروسيا، وان الكويت ثالثتهما، أصبحنا نتكلم في كل فن، في السياسة والرياضة والاقتصاد والتربية والقانون.. وحتى الطبخ، حتى امتلأت المنتديات والمؤتمرات بالسطحيين وأنصاف العلماء والمتفيهقين، ولدينا قدرة فائقة على التحليل والتفسير، دون اي معلومات او دراسات او قراءات، حتى امتلأت بهم الصحف والاذاعات، ولا أسهل علينا من القاء التهم جزافا..هذا حرامي..كذاب..مرتشي..الخ، وفوق هذا وذاك..ما أسرع البعض الى الغيبة والنميمة والشماتة، وهي بالفعل مظاهر ليست من قيمنا ولا عاداتنا الجميلة، وقد جاء في الأثر «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك».
نعم..ما ان تدخل ديوانية، اي ديوانية..صغرت ام كبرت، تجارا او موظفين، مثقفين او عوام، ليبراليين او متدينين، حضرا او بدو، سنة او شيعة، ارضية او كنبات، رجالا ام نساء، الا وتجد نفس الكلام، ونفس النقد، ونفس الشكوى، ونفس التحلطم، دون اي استدلالات او قرائن، مع رفض قاطع لأي رأي مخالف في اي اتجاه، بعيداً عن حسن الظن! ومن يمتلك معلومة..أيا كانت، فانه يظل يتناقلها بين الناس بطولة واستعراضاً ومباهاةً، دون اي انجاز يذكر، ولا شكوى ترفع، ولا تقديم مقترحات أو بدائل!.
ومع دخول هذا الشهر العظيم، الشهر الذي تصفد فيه الشياطين، وتنتعش فيه الديوانيات والمنتديات والملتقيات..رجالية ونسائية، سيتسابق البعض في طرح كل ما مضى، وستكرر نفس الأسطوانة في كل مكان، وسيتبارز القوالون في نقل كل ما سمعوه من ديوانية الى اخرى، مدعين المعرفة والأسبقية، وان هذه المعلومات من ديوانية عروقها في الماي..كالعادة، متناسين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كفى بالمرء اثما ان يحدث بكل ما سمع».
لعلها فرصة في هذه الأيام المباركة للاستغفار والتوبة، والدعاء بأن يقينا الله الفتن ما ظهر منها وما بطن، وان يبارك لنا في أعمارنا وصحتنا ومالنا واهلينا، والتركيز على فعل الخيرات، وترك المنكرات، والحفاظ على ما نحن فيه من نعم، ولن يكون ذلك الا باستشعار المسؤولية لأمن واستقرار هذا الوطن، خصوصا في مجال «الحرية» التي نتميز بها عن الكثير من دول العالم.
وأختم بكلمة سمو الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله قبل يومين «ان قيمة الحرية رهن بالتزامها باطارها القانوني والأخلاقي الذي يحترم حريات الآخرين ويصون كرامتهم، فالحرية والمسؤولية صنوان لا يفترقان، والا فسوف تكون الفوضى بديلا للحرية، ويكون الدمار بديلا للبناء، ويحل الجدل والصراع بديلا للحوار والانجاز.فلا خير في حرية تهدد أمن الكويت وسلامتها، ولا خير في حرية تنقض تعاليم ديننا وشريعتنا، ولا خير في حرية تهدم القيم والمبادئ والأخلاق، ولا خير في حرية تتجاوز القانون وتمس احترام القضاء، ولا خير في حرية تشيع الفتنة والتعصب وتجلب الفوضى والخراب والدمار».
ولنتذكر أخيرا قول النبي صلى الله عليه وسلم:» أنا زعيم بيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وان كان محقا».