ماذا يجري في الهند هذه الأيام؟

تشهد الهند حاليا اندلاع موجات واسعة للاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لقانون التجنيس الجديد الذي أقرته الحكومة اليمينية قبل أيام، وتريد أن تفرضه بالقوة على الشعب الهندي عامة وعلى المسلمين خاصة، القانون الذي يقوم على العنصرية والطائفية والكراهية، حيث إنه يستثنى المسلمين فقط من منح الجنسية الهندية من بين جميع أصحاب الديانات الأخرى الموجودة في البلد في ظل الحملات القادمة التي ستجبر كل المواطنين على إثبات جنسيتهم وجود آبائهم قبل العام 1972م.
وخلال استمرار الاحتجاجات المناهضة لليوم السادس على التوالي في جميع أنحاء الهند؛ أمس قامت الشرطة الهندية بالاعتداء الغاشم على الجامعتين ، إحداهما الجامعة الملية الإسلامية بعاصمة نيو دلهي والأخرى جامعة عليجره الإسلامية في ولاية أترابراديش، حيث دخلت الشرطة في حرم الجامعتين بدون أي استئذان من المسؤولين أو إشعار مسبق، واستخدمت القوة المفرطة والغاز المسيل للدموع والكلمات البذيئة في حق الطالبات والطلبة الساكنين فيها، وهو الأمر الذي أثار خوفا ودهشة وغضبا شديدا في أوساط الناس، كما أسفر أيضا عن توقيف العشرات وجرح المئات من الطلاب الذين كانوا يتظاهرون ضد هذا القانون بالطرق السلمية والمشروعة.
وهذا الإقدام الغاشم من قبل الحكومة والشرطة لم يسبق له مثيل في التاريخ القريب، وهو وصمة عار في جبين الدولة الهندية التي تدعي بأنها كبرى الديموقراطيات في العالم، لكن المتأمل اليوم في الأوضاع الراهنة يستطيع أن يقول ويعترف بأن جمهورية الهند تغيرت كثيرا، وتغير الكثير من مبادئها وقيهما التي كانت تضمن العيش بكرامة لجميع المواطنين بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو انتماءاتهم، وذلك بعد وصول الأحزاب المتطرفة إلى سدة الحكم وإحكام السيطرة على مفاصل الدولة.
ولا يمكن فهم حقيقة هذه الأحداث الجارية أو استيعاب خطورتها إلا بعد التعرف على منظمة آر أيس أيس القومية وأيديولوجيتها المتطرفة ومخططاتها الخبيثة التي تسعى إلى تنفيذها في البلد منذ الاستقلال.
وتعتبر منظمة آر أيس أيس الهندية من أخطر التنظيمات السرية والعسكرية في العالم، تأسست في الثلاثينات من القرن الماضي على يد المدعو كيثورام بلرام هيد كيوار، ونادت بعودة الشارع الهندوسي إلى القومية والوثنية البحتة، وخالفت نظرية الكونغرس الوطني وقاداته التي دعت إلى التعايش السلمي بين الهندوس والمسلمين، فلم تشارك هذه المنظمة ولا عناصرها في حرب الاستقلال ضد الانجليز، بل قامت بالتحالف والتخابر معهم. وقام أحد أعضائها المدعو ناثو رام باغتيال رمز الاستقلال مهاتما غاندي في عام 1948م.
ثم فُرضت القيود على المنظمة لفترة معينة، لكنها عادت في الثمانينات إلى الظهور من جديد، واشتهرت بمطالبة هدم المسجد البابري، وجعلت هذه القضية قضية دينية للهندوس، وقامت بعدة حملات الواحدة تلو الأخرى لتهييجهم وتعبئتهم ضد المسلمين عموما وضد هذا المسجد خصوصا، واستمرت هذه الحملات التحريضية والفوضوية في سائر أنحاء البلاد، إلى أن تم هدم المسجد البابري بكامله في اليوم السادس من شهر ديسمبر عام 1992م.
وارتكبت هذه المنظمة العديد من المجازر وأعمال القتل في حق المسلمين خلال العقود الماضية والتي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، كما قامت بإجبار العديد من الأفراد والعائلات المسلمة على اعتناق الديانة الهندوسية، ولا زالت تقوم بهذه الأعمال الإرهابية والمضايقات تجاه الأقليات المسلمة وغيرها، فهي لا تؤمن أبدا بالتعايش السلمي مع غير الهندوس.
ويوجد لهذه المنظمة أعضاء وفروع وأزرع سياسية وعسكرية ومناهج ومدارس للأطفال تصل إلى الآلاف في سائر أنحاء البلاد، وأيضا توجد لها فروع دولية في أمريكا وكندا وأوربا، ونشاطات سرية في بعض الدول الإسلامية
كما توجد لهذه المنظمة أيديولوجيات وأجندات خبيثة مثل الصهيونية، ومن أخطر أجنداتها هو تحويل الهند إلى إمبراطورية هندوسية كبرى تكون ملجأ لجميع الهندوس في العالم وتكون خالية من جميع الآثار والثقافات العربية والإسلامية، وكذلك من سائر الأمور التي تعارض التقاليد الهندوسية والوثنية.
وازداد نشاطها وقوي نفوذها في الآونة الأخيرة حتى أصبحت من أقوى الجماعات في الهند من حيث الانتشار والتنظيم والنفوذ، وخاصة بعد فوز ذراعها السياسي (حزب بهارتيا جانتا) في الانتخابات الماضية وقبل الماضية بالأغلبية .
فالآن أصبح للمنظمة تنفيذ مخططاتها الإرهابية سهلا وميسورا، ومن دون أن تظهر نفسها أمام العالم، وذلك من خلال الحكومة وقادتها ونوابها في البرلمان .
فقانون التجنيس الجديد وما سبقه من القوانين الأخرى ضد المسلمين، إنما هو جزء من أجنداتها المسمومة التي تهدف في النهاية إلى إنهاء الوجود الإسلامي أو تهميشه في الهند .أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين في الهند وفي كل مكان.. آمين!
منقول