محمد عبد العزيز يكتب : أين القوة ؟
ما من شك في أن القوة كلمة قليلة المبنى عميقة المعنى ، وهي من أحب الكلمات إلى كل نفس بشرية ، حتى غير البشر من المخلوقات تعشق أن تتسم بها ، لكن أين المكمن الحقيقي للقوة ؟ وبمعنى أكثر قرباً ، أين القوة الحقيقية الباقية ؟
ولأن أصل الأشياء جميعها هو حكمة الله ، فلابد من العودة إلى دساتير خالق الكون لنعرف عن قرب كل الحقائق الثابتة على مر العصور ، ومن القرآن العظيم نبين بعضاً مما تناولته سورة القصص من أن قوة الله والايمان به هي القوة الباقية التي ما ان ملكها أحد إلا وكان النصر حليفه – حتى ولو بعد حين – شريطة أن يتحلى بالصبر واليقين في ذلك النصر ، ومن حاز قوة الله فلا خوف عليه على الإطلاق .
وقد ارتكزت السورة على قصة نبي الله موسي – عليه الصلاة والسلام – مع فرعون وقصة قارون مع قومه . وبين الله – سبحانه وتعالى – كيف أن قوة الحق انتصرت في النهاية على قوة الباطل ، فرغم أن القوة والمنعة التي حيزت لفرعون وجنوده مع بطشه وحكمه الجائر وكفره بالله لم تستطع أن تصمد أمام قوة ايمان موسى الذي ولد في ظروف قاسية جردته من كل أدوات القوة ، فلم يكن يملك القوة الفولاذية لفرعون .
وفي القصة الثانية عرض لقيمة المال والعلم ، وظنون قارون التي خيبها الله – سبحانه وتعالى – أن علمه هو الذي جلب له ذلك المال الوفير ، فكاد للجميع ومنهم أهل العلم الآخرين الذين ابتغوا به ثواب الآخرة فكانت لهم بذلك القوة الحقيقية . لقد بغى فرعون على قومه وحكمهم بالقهر والظلم و التجبر ، وبغى قارون بسلطان العلم والمال لتشكل نهايتهما واحدة من أهم صور القصص لنصرة الحق على الباطل ، فالأول التقمه اليم بجنوده فغرقوا امام قوة ايمان موسى المتحصن بقوة الله وسلاح الحق ، والثاني – قارون – خسف به وبداره الأرض فابتلعته ، فتجلت قوة الله لتضع حداً فاصلاً للفساد في الأرض بعد أن عجز الناس عن مواجهتها بالأسباب الدنيوية .
و من العصر الحديث نذكر أكثر علماء الفيزياء شهرة البرت أينشتاين المولود في المانيا عام 1880م ، حيث كانت له عشرات الأبحاث العلمية التي جعلته أحد من أسهموا في تغيير مجرى التاريخ بنظرياته وأهمها النظرية النسبية ، وقد تم تشريح مخه عقب وفاته فكانت النتيجة أنه يتكون من عدة خلايا عصبية متراصة بشكل يخالف الطبيعي ما ينم عن ذكاء غير مألوف .
وقد كشف العالم الفريد في خطاب تركه لأبناءه بعد وفاته بأن هناك قوة عظيمة للغاية لم يتوصل العلم بعد لحقيقتها، هي قوة تتحكم في المخلوقات جميعها بل وفي أي ظاهرة كونية ، هذه القوة العالمية هي قوة الحب .
وتابع : عندما كان يبحث العلماء عن نظرية موحدة للكون نسوا أعظم قوة غير مرئية ، الحبّ وهو ذلك الضوء الذي ينير لمن يقدمونه ويحصلون عليه. الحبّ هو الجاذبية، لأنه يجعل الناس تنجذب إلى بعضها البعض ، الحبّ هو القوة، التي تحول من دون سقوط الإنسانية في الأنانية العمياء ، من أجل الحبّ نحيا ونموت ، الحبّ هو الله والله هو الحبّ .
انتهت رسالة اينشتاين لتؤكد بعد قرون من مشاهد سورة القصص أن هناك نتيجة رائعة مفادها بأن الأمن في جوار الله والمنعة في كنف الله ، ولو فقد الانسان كل أسباب القوة الظاهرة ، بينما الخوف يكون في البعد عن هذا الجوار ، جوار الله هو القوة ، كنف الله هو القوة ، حب الله هو القوة ، قوة تهب الطمأنينة والأمن والأمان ، من تمسك بها نجا ، ومن استعان بغيرها غرق في بحور من الظلمات .