آراءدولي

محمد عبد العزيز يكتب : ” العربية ” تئن في عيدها

 

يحتفي العالم يوم 18  ديسمبر من كل عام بذكرى إدراج الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية ضمن لغات العمل الدولية الست ، فباتت لغة  رسمية معترف بها دولياً عام 1972 . وثمة أرقام متناقضة تعتري لغة الضاد منها على سبيل المثال أن عدد الناطقين بها يزيد عن  نصف مليار إنسان على وجه البسيطة من إجمالي 7 مليار سكان العالم فيما نسبته 6.6% من سكان الأرض رغم أن أحرفها هي ثاني أكثر الأحرف انتشاراً في العالم بعد اللاتينية – ترتيب متميز – ، وأيضاً رغم أنها الرابعة في ترتيب اللغات العالمية – ترتيب متقدم –  غير أنه لا يقرها  كلغة رسمية سوى  26 دولة حول العالم من أصل 207 دولة . وهي بحسب بعض الأحاديث لغة القرآن ولغة أهل الجنة ، فحري بنا أن نعتني بها ونحتفي بذكرى إقرارها من قبل المنظمات الدولية ، بيد أن الأهم أن نحتفي بذكرى تشريفها من خالق الكون قبل زهاء قرن ونصف باختيارها لتكون لغة لخاتم كتبه السماوية – سبحانه وتعالى –

 

وقصة نشأة اللغة العربية محط تباين في الآراء بين قول يؤكد أنها ابنة اللغة السامية الأولى التي نشأت قبل أربعة آلاف سنة وبذلك يعدها أنصار هذا الرأي أنها  أم اللغات ، حيث ذكرت مراجع قديمة  أن أول من نطق بها هو آدم عليه السلام ثم قيل هود مؤكدين أن تلك هي الجذور الأولى للغة العربية قبل أن ينزل بها القرآن الكريم بكلمات تنم عن العربية ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” ( العلق:1)  ، وهناك آية تؤكد على ذلك  ” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً..” ( يوسف:2)

كما يروج بعض الكتاب إلى أن نبي الله إسماعيل أول من تحدث العربية  وحسنها ونشرها أبناءه من بعده قحطان ويعرب وسميت باسمه  ، وهما من جدود العرب المستعربة في شبه الجزيرة العربية . لكن الرأي الراجح لدى معظم العلماء  أن أدم هو أول من استخدم العربية ويبدو ذلك في تفسير آية  وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ”  (البقرة : 31 )  فالتعلم هنا للأسماء والحروف ،  ويميل أصحاب هذا الرأي إلى أن اللغة فطرة غريزية فطر الله عليها آدم ثم تطورت من خلال المحاكاة فكانت حركات وإشارات وانفعالات ثم أصبحت أصواتا من الهام الله فتطورت بالهام الله أيضا إلى حروفاً وكلمات علمها آدم عليه السلام ، ثم ما لبثت أن انقرضت مع توالي الأزمنة حتى أعادها الله في عهد نبي الله إبراهيم  في شبه جزيرة العرب تمهيداً لنزول القرآن بها  ,ويدعم هذا المنحى العالم اليوناني هرقليطس إذ قال إن اللغة الهام هابط من السماء وعلم الأسماء يؤول إلى علم الأشياء لأننا نعرف الاسم بمسماه  ، وأيضاً ما ورد في سفر التكوين أن الله أحضر الكائنات إلى آدم ليرى ماذا يدعوها وكل ما دعا به آدم نفس حية فهو اسمها فدعا بأسماء جميع الطيور والحيوانات.

ويجيئ اختيار الله – سبحانه وتعالى – للغة العربية  لتكون لغة أخر الكتب السماوية ليشملها بتشريف كبير يدعو كل مسلم على وجه الأرض لتعلمها والعناية بها  ، لذلك باتت العربية لغة عالمية وهو ما دفع المنظمات الأممية إلى الإقرار بذلك ففي عام 1960  قررت منظمة اليونسكو اختيارها لتكون أحد لغات المؤتمرات الإقليمية وفي عام 1966 قررت تعزيز الترجمة الفورية منها وإليها وفي عام 1968 تم اعتمادها لغة للعمل ايضاً في اليونسكو ، وفي عام 1973 كان إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لها كلغة رسمية  ، ثم جاء عام 2012 لتقرر اعتماد 18 ديسمبر يوماً عالمياً للاحتفاء بها  .  ولقد عمرت اللغة العربية بإشادة كثير من علماء الغرب منهم مديرة منظمة اليونسكو سابقا ارينا كوفا التي قالت ادعوكم إلى تعلم اللغة العربية فهي عامرة بالجمال والتسامح والحكمة والسلام ونطقت ذلك بالعربية عام 2014 في افتتاح حفل اليوم العالمي للغة العربية . كذلك أحد علماء اللغة وهو البلجيكي جورج سارتون الذي قال : وهب الله اللغة العربية مرونة جعلتها قادرة على تدوين ما قاله الوحي أحسن تدوين ما يثبت أنها أسهل اللغات وأوضحها . وقول المستشرق الإيطالي كارلو نالينو : اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقاً ويعجز اللسان عن وصف محاسنها . وعالم الاجتماع الفرنسي جاك بيرك الذي قال : إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب اللغة العربية وبالذات الفصحى التي كانت عاملاً رئيساً في بقاء الشعوب العربية . 

وتقول منظمة اليونيسكو أن العالم يضم الآن أكثر من ستة آلاف لغة، لكن معظمها سيختفي  تدريجياً للإهمال وقلة عدد مستخدميها ، وتنشر صحيفة ليموند الفرنسية أن 97% من سكان العالم يتكلمون 4% فقط من هذه اللغات في حين أن 96% من هذه اللغات لا يتكلمها سوى 3%من أهل الأرض . والبعض يقول إن نصف لغات العالم التي كانت موجودة قد اختفت، ورغم تلك الإحصاءات تظل اللغة العربية صامدة منذ آلاف السنين لتشهد على عظمتها وقوتها وتؤكد ضرورة الحفاظ على تراثها الضخم . 

العالم يعترف بلغتنا العربية ويدلل على قوتها  في وقت باتت فيه تئن من خمسمائة مليون يتحدثونها ، كثير منهم تضائل أمام نطاق العولمة ، ومافيا التغريب التي أصابت مجتمعاتنا العربية في السنوات العشر الأخيرة فأضحى كل شيء مباحاً ، وغير شيء أصبح له مبرراته ، فظاهرة تغريب لغتنا العربية والعبث بمقدراتها والانبطاح لأساليب دخيلة  ، منها ما هو مبتدع وفيها ما هو متبع للغرب . وما أدراك ما نوايا الغرب في انكسار الأمة العربية وطمس معالم حضارتها التي تتخذ من اللغة العربية وعاءً حاضنا لفكرها  ومرآة للإنسانية كلغة لآخر لكتب السماوية وأحد مضامين التخاطب بين الناس . 

وقد راجت في الآونة الأخيرة أساليب جديدة للتخاطب بين شبابنا تقزم من آليات اللغة العربية وتعظم من نبرات جديدة دخيلة على مجتمعاتنا من الكلمات التي يحلو للشباب والفتيات أن يسمونها اللغة السريعة للتفاهم ،  أو لغة الفرانكو التي نشأت مع نشأة  الشبكة العنكبوتية فشوهت اللغة العربية  ، ولا يدرك شبابنا أنهم بذلك وقعوا فريسة سهلة لتغريب اللغة الأم التي تعد أحد معاول الحفاظ على كتاب الله . وتأتي مشكلات التعليم في العالم العربي لتكون أحد أهم أسباب اختلال موازين اللغة العربية واستمرار أنينها على أيدي أبنائها، فإشكالية ازدواجية التعليم في الكثير من المجتمعات العربية وكثافة المؤسسات التعليمية الأجنبية أسهم في استفحال الأمر في الآونة الأخيرة فأصبح حتى التاريخ العربي يدرس باللغات غير العربية ، فضلاً عن إهمال مادة اللغة العربية في المدارس العربية والأجنبية على حد سواء . ومن أهم الآثار السلبية للابتعاد عن اللغة العربية  على المجتمعات العربية المسلمة ضياع لغة القران ومن ثم البعد عن تعاليم الدين شيئاً فشيئا وانحدار القيم والمبادي السامية جريرة البعد عن كتاب الله منهاج المسلم. 

وأقول للرد على بعض العلماء الذين يؤكدون أن اللغة العربية مهما لاقت من أمواج للتغريب وعانت منها لن يؤثر ذلك على ثباتها وقوتها واستمرارها لكونها لغة القرآن وبالتالي الله كفيل بحمايتها صونه لكتابه الكريم  ، وأقول لهم ما من شك  في أن البعد القرآني له دلالة كبرى مفادها أن اللغة العربية ستظل محفورة في قلوب وعقول وأرواح الناس ما دام القرآن موجوداً ، لكن لا يجب أن نركن لذلك ولا نأخذ بأسباب تخلصها من انينها ومحاولات تغريبها ، لابد  أن نبذل ما يجب من جهود لا سيما في ظل حرب شرسة تحاكى ضد العرب  لطمس هويتهم واندثار لغتهم العربية  ، ولما لا وقد أمدت العولة اللغات الأجنبية بقوة دفع لا تتوافر للغة العربية . الخطب جلل فبعيد سنوات من استمرار تهميش  ” العربية ” سنصل إلى نتائج كارثية على مجتمعاتنا، فيجب على أرباب اللغة وعلمائها صد هذه الهجمات العنيفة بكل الوسائل  العلمية المشروعة .

 

وفي الختام رغم أن المقال يدق ناقوس خطر ، إلا أنه ينشد الأمل ، ايماناً منا أن  هناك دائما أمل في غد مشرق ويستدل على ذلك في هذا المقام ببعض البشريات الإيجابية المبهجة عبر أمرين  ، الأول ازدياد عدد دور تحفيظ القران الكريم في العالم العربي وأخص دول الخليج الست ، ما يعزز من تثبيت قواعد اللغة العربية فضلا عن إنتاج جيل واع بكتاب الله وتعاليمه السامية ، الأمر الثاني ما أظهره ملف الملعوماتية عن التواصل الثقافي العربي عبر شبكة الإنترنت وكشف أن ثمانية ملايين باحث عربي دخلوا شبكة الإنترنت لكي يبحثوا عن شعر نزار قباني، وكان الرقم الثاني لهم المتنبي، ، ما يدل على أنه لا زال هناك خير في شبابنا وفي رغبتنا دائما في الارتباط باللغة العربية ، ونحن على يقين أن الله سيقيض للغة العربية  من يحافظ عليها لتيقى صحيحة فصيحة خالية من أى شائبة ، لتظل شامخة عصية على كل المتربصين بها ، لا يعيبها الجهل المطبق بأبسط قواعدها من قضاة ومحامون ومعلمون في دول ” عربية ” ، ستبقى العربية رغم أنينها لتعبر عن القران الكريم وتحمي التراث الاسلامي .

فهناك أمل طالما في العمر أنفاس .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى