بقلم محمد عبد العزيز
من أهم المشكلات التي تعد سببا رئيساً في تخلف الركب العربي ، وأوصلت الأمة العربية إلى هذه الهوة السحيقة من التردي والانحدار نحو الهاوية في مختلف المجالات ، مشكلتا غياب القيادات المتخصصة وعدم تمكين الشباب وهم أصحاب العقول الفتية القادرة على العمل والإنجاز وبلوغ الطموحات بالأوطان ، وبالطبع هما مشكلتان ضاربتان في عمق السنوات الماضية لتصلا إلى سبعة عقود من الزمان تقريبا ، بيد أنهما تفاقمتا في العقدين الماضيين بشكل لافت للأنظار مع ثورة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي كشفت كل شيئ أمام الجميع ، وباتت كل الأخطار التي تحيق بعالمنا العربي مبينة عليهما ، فتولد عنها انحرافات في الفكر قادت بعض من شبابنا إلى التطرف . وملف القيادة المتخصصة الواعية من أهم القضايا التي كان يجب على الحكومات الارتكاز عليها في بناء المجتمعات ، على أسس سليمة .
وعلى الرغم من أجراس الإنذار الكثيرة التي تقرع للتنبيه إلى تلك الأخطار المحدقة بالعالم العربي ومنها تقرير التنمية البشرية لعام 2017 الذى يطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفيه أوضح أن المنطقة العربية تعاني خللاً في مجالي الصحة والإسكان فضلاً عن خلل أكبر في مجال التعليم ، فهي تسجل أدنى نسبة التحاق في المدارس بين الأطفال في سن التعليم الابتدائي ، كما تسجل أعلى معدل بطالة بين الشباب ، فيبقى 29 في المائة من الأفراد في الفئة العمرية 15-24 عاما عاطلين عن العمل، بالإضافة إلى أن الشباب وسكان الأرياف ، والنساء، والأشخاص الذين يعيشون في مناطق النزاعات يتعرضون لأوجه حرمان كثيرة، بعضها ظاهر والآخر يبقى مستترا. وذكر التقرير أن المرأة في الدول العربية لا تزال أكثر من يعاني غياب المساواة مقارنة بقريناتها في سائر مناطق العالم، حيث يسجل الفارق في قيمة دليل التنمية البشرية بين الإناث والذكور، قياساً بدليل التنمية بحسب الجنس، ثاني أكبر الفوارق بين جميع المناطق النامية (بعد جنوب آسيا) والسبب الرئيسي الفجوة في الدخل بين الرجل والمرأة. كما لا أن الأنماط الكثيرة من الإقصاء التي تطال النساء والفتيات وغياب الفرص لتمكينهن لا تزال من التحديات الملحة.
ففي وقت خطا فيه العالم من حولنا خطوات مهمة في سبيل الحد من العوز والفقر المدقع، وتحسين فرص الحصول على قدر كاف من التعليم والخدمات الصحية ، ومنح النساء فرصهن في صناعة القرار نجد تراجعا كبيرا في تلك المجالات في المنطقة العربية التي تعاني بشدة من تردٍ عام يطال مختلف الأصعدة التنموية من صحة وتعليم وإسكان وارتفاع نسب البطالة والعنوسة والطلاق ، ما يشير إلى خلل في التكوين المجتمعي الضارب في عمق عادات وأعراف بالية تولدت عنها سلوكيات خاطئة وأنماط تفكير تسوق إلى المربع الصفر وهو التخلف الاجتماعي. ولا شك أن الأسباب متعددة ولا تقتصر على عنصر وحيد بل هي منظومة متكاملة احد أركانها فشل الفكر القيادي وحاجتنا إلى تعلم القيادة السديدة .
وان اردنا التعلم فما غير كتاب الله نجده معلماً ، فقد كشفت لنا القصص القرآنبة عن أسمى معاني القيادة في مواضع عديدة أقتطف منها قصة ذي القرنين ، وهي صفحة وحيدة في سورة الكهف لكنها اشتملت على مضامين عديدة لتعلم فنون القيادة وفيها عشرون صفة من صفات القائد الناجح فقد جمعت جمعاً عجيباً بين الصفات الفنية و الأخلاقية الواجب توافرها في القائد و هي:
1.التمكين: أول ما يستوجب تمام القيادة أن يكون القائد ذا صلاحيات تمكنه من تحقيق الأهداف المطلوبة منه و لهذا كانت بداية القصة (إنا مكنا له في الأرض) الكهف 84
- العلم والأخذ بأسبابه : العلم وسيلة يصل بها الإنسان إلى ما يريد و سبب لتحقيق الأهداف و تحصيل النتائج لذا كان على القادة بذل الجهد في تحصيل العلم الذي يحقق متطلبات العمل الناجح لأن إعمال التخصص أحد معاول النجاح . (و آتيناه من كل شيء سببا) ولم يكتف القرآن بتحديد العلم فقط كصفة قيادة و لكنه أتبعه بضرورة العمل بهذا العلم و الأخذ بأسبابه فقال (فأتبع سببا) الكهف 85
- المرجعية: القيادة وفق منهج ومرجع واضحي المعالم قائمين على نظرية الثواب والعقاب بمعنى ألا يترك الناس على أهوائهم (قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب و إما أن تتخذ فيهم حسنا) الكهف 86 -87
- العدل: الحكم بين الناس بالعدل مبدأ يكفل راحة وطمأنينة الرعية والمرؤوسين ومن شاكلهم فالظالم يؤخذ على يديه لتستقر الحياة و يأمن الناس (حتى إذا بلغ مغرب الشمس … أما من ظلم فسوف نعذبه…) لكهف 86 -87 وفي موضع اخر في سورة الأنعام أيضا يؤكد الله – تعالى – أن من أراد الأمن فعليه بتحري العدل ” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ “ الأنعام 82
- التحفيز لإجادة العمل: شكر من أحسن عمله يكون حافزاً له على الإجادة و الصلاح و قد يكون أيضا بتذكيره بمردود هذا العمل عليه في الدنيا أو الآخرة (فله جزاء الحسنى و سنقول له من أمرنا يسرا) الكهف 88
- ديناميكية الحركة: القائد الناجح هو الذي يجوب نطاق عمله من أوله إلى آخره ولا يجلس في مقر قيادته و ينتظر من ينقل إليه الأخبار و لذا طاف ذو القرنين في أرجاء ملكه شرقاً و غرباً ليحقق ما أراد الله منه باستخلافه على الأرض (حتى إذا بلغ مغرب الشمس…) الكهف 86 (حتى إذا بلغ مطلع الشمس….) الكهف 90
- التواصل و الاستماع للشكوى: لابد للقائد الناجح أن يفتح قنوات اتصال بينه و بين من هو مسؤول عنهم و أن يستمع إليهم بإنصات بإختلاف درجاتهم و طوائفهم و أن يكون الاتصال مباشراً من دون عائق (قالوا يا ذا القرنين..) (قال ما مكني..) الكهف 95
ثم يأتي موقف بديع يرسم مجموعة من الصفات الأخلاقية التي يجب أن تتوافر في القائد عندما تعرض عليه رعيته مكسباً دنيوياً مقابل القيام بعمل لهم فيرفض رفضاً قاطعاً و يفضل ثواب الله عليه (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا و بينهم سدا ( الكهف 94) قال ما مكني فيه ربي خير) الكهف 96 – ويسهم هذا الموقف في غلق باب التكسب غير المشروع الذي يحلو للبعض تقديم المبررات له فيسوقنا إلى الصفة الثامنة من صفات القائد الناجح وهي :-
- لا يحق للقائد أخذ أجر على عمل مكلف به إلا ممن كلفه بالعمل فلا يقبل هدية أو عطية بسبب منصبه أو ما مكنه الله له.
9. الإحساس بالمسؤولية: عندما يشعر القائد بالمسؤولية تجاه من يقودهم فإن هذا يكون دافعاً لتحقيق مصالحهم من دون التكسب من وراء ذلك.
- العفة و طهارة اليد: القائد الحق هو من لا يستغل حاجات رعيته وينهب ثرواتهم بحجة أنه يقوم على رعايتهم و تحقيق مصلحتهم.
- نصرة المظلوم : نصر المظلوم واجب لا يحتاج إلي مقابل، وهذا ماظهر واضحاً لدى ذي القرنين.
- العمل الجماعي: و هذا بين في قوله (فأعينوني ..) الكهف 95
- التوظيف الأمثل للطاقات البشرية: فلقد وظف ذو القرنين طاقات القوم فيما يحسنون و طلب منهم العون بالقوة و ليس بالمال أو العلم.
- وضوح التعليمات والأوامر الصادرة من القيادة: فلقد كان ذو القرنين محدداً فيما يطلبه و واضحاً وضوحاً شديداً كما في قوله (آتوني، انفخوا..) الكهف 96
- استثمار الموارد المتاحة: فلقد استعمل ما لديهم من مواد مثل الحديد و النحاس و غيرهما.
- التعليم و التوجيه: فلقد علمهم ذو القرنين كيفية بناء سد منيع.
- التعليم بالعمل: وأشركهم في العمل ليكون التعليم واقعاً عملياً ملموساً و ليس نظرياً
- استخدام القوة في التعمير والإصلاح
- تحقيق المطلوب بأيسر الطرق و أقل خسارة ممكنة: فلقد كان من المكن لذي القرنين أن يقاتل يأجوج و مأجوج و لكنه فضل عزلهم و دفع شرهم بأبسط الطرق.
20.التواضع و رد الفضل لله: التوفيق من الله و على كل قائد ناجح في مؤسسته أن يعلم أنه لولا توفيق الله له ما كان لينجح و لذلك قال ذو القرنين (قال هذا رحمة من ربي) الكهف 98 .ويبقى كتاب الله مدرسة ربانية لا نظير لها لمن أراد التقدم والعيش الآمن وثواب الدنيا والآخرة معاً .