صورة و خبر

محمد عبد العزيز يكتب / لا تمت قبل أن تحيا

بقلم/ د. محمد عبد العزيز

مستشار الإعلام والاتصال الدولي بالأمم المتحدة

إن البقاء على قيد الحياة ليس فعلًا بيولوجيًا محضاً والموت ليس إلا أجًلُ حقيقةً في الوجود ، والحياة هبة من الله يمنحها لنا مرة واحدة ، فكيف نتعاطى مع هذا الواقع وأين تكمن الحياة الحقيقية ؟ وفي تفاصيل المقال تجد عزيزي القارئ الإجابة عن السؤالين معًا .

نتعاطى مع هذا الواقع بالمنطق السديد للفعل السعيد الذي يستوجب علينا استثمار الحياة للحياة الأبدية هذه لتلك ، استثمار الحياة للنعيم المقيم هذه لتلك ، تعامل مع الحياة من دون ألا تُعرها اهتمامًا ، لكن افعل ذلك وأنت تحتضنها ، كن عليها قاسٍ وأنت تربت على كتفيها ، عاملها بتخلٍ وتجلٍ وتحل ، بقربٍ وابتعاد بقطعٍ ووصال ببقاءٍ وترحال ، عامل الدنيا بشجاعة واقدام ، لا تدع خوفك من نوائبها وقلقك من صدماتها ينال منك، لا تتعلق بها ، اهجرها وأنت تدنو منها ، لا تدع ساعة تمر منها من دون أن تستمتع بها ، لكن وأنت في متعتك اعلم أن أمتع ما فيها ترك أمانيها وطرق مساعيها ، دع الدنيا ، دع حياتك فإن كانت لك ستعود إلى أحضانك وإن تمنَعت فهي لم تكن لك وما كان لك سوف يأتيك شئت أنت أم أبيت ، فرزقك مقسوم موجود كظلك هو الذي يطاردك فاهدأ وابتسم واعمل وارضى واحلم واقنع ، وسافر تجد عوضاً عمن تفارقه واغرب فإن لذيذ العيش في الغُربِ . كن صادقًا مع نفسك فالصدق مُنجٍ وطريقٌ للحياة الأبدية السرمدية ، طريقٌ لجنة عرضها السماوات والأرض ، فالصدق قوة والصادق أقوى من ظلمة حياته ، طارد أحلامك، فالحياة تعطي الفرص لأولئك الذين يحاولون أن يحيوا بتقديم أفضل ما لديهم ، لأولئك الذين لا ييأسون من مداركها ، لأولئك الذين يحاولون دائما تطوير ذواتهم ، فمن مر عليه يوم من حياته من دون أن يسعى فيه لتطوير ذاته فقد جزءًا كبيرًا من حياته فكل يوم يمر خالياً من بصمة يأكل بعضي يورث القلب وجعًا ثم يمضي ، لذا إذا أردت أن تشعر أنك حي عليك لزاماً عليك أن تصنع بحياتك بصمة كل يوم .

إن البقاء على قيد الحياة ليس مجرد فعلاً بيولوجياً فحسب بل هو معركة وعي وإرادة وسباق معرفة ، وإن أردت أن تبقى حياً في حياتك وبعد مماتك يجب أن تعلم أن الحياة ليست ما يحدث لك، بل ما تصنعه منها أنت ، ما تحدثه فيها أنت ، من دُوي من بصمات تبقى لك بعد انتهاء رحلتك ووصول قطارك محطته الأخيرة ، لذا غض الطرف عما يحدث، تغافل تجاهل استمر وابق قوياً فالنجاح الحقيقي ليس بلوغ هدف إنما الاستمرار فيه وتطويره ، لا تفقد نفسك، لا تفقد شغفك ، لا تفقد الأمل ابدًا ، تيقن أن هناك أمل طالما هنا أنفاس ، كن صاحب قرارك وملك أفكارك ، صحح أخطائك سامح وارضى واقنع وصل رحمك وقل للناس حُسنًا ، لتبق حياً.

وكن على يقين أن للآمال في أنفسنا لذة تنعش ما ذبل منها وتجدد بعضها بعضًا كالنسيج الحي والميت ، فالأمل وقود يحيا به الإنسان ويسعد ، إن زال مات وهو على قيد الحياة ، نموت قليلاً كل يوم وإحدى ميتاتنا تحضر بقوة عندما نفقد الأمل ، كافح وناضل من أجل هذه الحياة فما خُلقنا لنحزن لقد أمرنا الله تعالى ألا نحزن ، لم يخلقنا لنيأس بل لنعبد ، لنعمل ، لنسير في ركابها ونخوض معتركاتها بقوة ، لنعش كل التجارب وإن ادلهمت خطوبها في البدايات ففي النهايات يأتي الفرج ، وإن أغلق باب فلديك الكثير من الشُرفات استخدم إحداها لتهبك شمسًا لتعطيك قليلاً من الحرية والسلام النفسي وأقرع الأبواب دائماً واصنع أنت لها المفاتيح كي يأتيك الفرج لا تتوقف عن طرقها ، وفجر بركانك الداخلي كي يشكل لك قوة دفع للأمام فما استحق أن يولد من وقف مكانه متحجرًا ، وفي غمار تقدمك كن باسمًا مشرقاً فلا تجعل الابتسامة تفارق وجهك مهما صعبت تحدياتك الجسام .

ولكي لا تمت قبل أن تحيا ، عليك بالنسيان فهو نعمة ونقمة ، استخدم النعمة منه تبقى على قيد الحياة ، تناسى وتغافل عن كل الأحداث السيئة من ذاكرتك ، حاور نفسك وحاسبها دائمًا وقيم كل علاقاتك كل فترة قريبة ، فتدنو من الأنفس الإيجابية وتنأى بنفسك عن الشخصيات السلبية المزعجة التي تجعل مؤشرك الإيماني والقيمي يتراجع .. وقتها تسلم ، فالحياة يمكن أن تستمر بجسد يتألم بيد أنها تتوقف إذا لبست نفس حطمها الفشل وأثقلتها روح الهزيمة وهدم الحزن أركانها وأنهكتها الصراعات ، لقد خُلقت لنفسك أولاً وليس للعابرين لذلك تلذذ بنفسك دائماً ووقرها وصنها ونقها أولاً بأول لا تهملها ، اجعل يدك اليمنى هي المعينة لليسرى ولا تطلب العون من يدٍ خارجية ودائماً اطلب العون والحفز ممن تراه في مرآتك لا من شخص آخر .

ابق حيًا واحذر أن تموت حياً فالموت في الحياة له الوان عديدة منها أن تفقد الأمل في غدٍ مشرق ، أن تفقد الشغف ، فالنفس تموت عندما يخمد فيها ( الأمل والشغف والحب ) وحب الله أسمى أنواع الحب ، فأنا بالحب قد عرفت نفسي وبالحب قد عرفت الله ، من الله ادنو فبعدك عنه موت وأنت حي ، فعندما عن الله تنأى تذبل روحك فتصبح كزهرة منتعشة تموت إذا غاب ساقيها ، فنفس تُسقى بحب الله لا يتخللها الملل والضجر والحزن واليأس ما عاشت .

قد نبدو أقوياء ولكن من دون معية الله تُضحي قوة فارغة بلا وزن حقيقي كسراب يحسبه الظمآن ماء ، لذلك لا تبعد المسافات معه سبحانه واجعل عودتك إليه سريعة لأنها إن طالت صعبت ، فاحذر أن تموت قبل أن تحيا ، وفي حب الله تكمن الحياة الحقيقية ولن تجد الطمأنينة الحقيقية إن لم تولّ وجهك نحو ربك فكن منه قريبًا تحيا سعيدًا ، وادعو لي ولنفسك وتذكر قوله تعالى ” فإنَّي قريبٌ أجيبُ دعوة الدَّاعٍ إذَا دعانِ” ، وحسبُك أنْ تعلمَ أنّ خزائنَ اللهِ تَسَعُ حوائجَ العالمين، فمن فُتحَ له في الدعاء فقد ظفرَ بالنجاة إلى الحياة الأبدية ، َادعُ الكَريمَ إذا ضَاقَت مَداخلُها ‏إنَّ الدّعاءَ لنا في الضّيقةِ الأملُ .

في النهاية

هناك شيء واحد فقط يجب ألا تفقده في الحياة ، إنه الحياة ذاتها ، فلا تفقدها من دون أن تربح فيها نفسك ، اعمل لدنياك وآخرتك معًا إذا أردت ألا تمت قبل أن تحيا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى