آراءمحلي

محمود صقر: أفيون؟ أم ثورة؟

محمود صقر
محمود صقر

 

محمود صقر:

 العبارة الشهيرة لكارل ماركس: ” الدين أفيون الشعوب ” ليست عبارة من وحي الخيال ولكنها صدى لبعض الواقع.

 عبر التاريخ وظفت السلطة الزمنية الدين لخدمة أغراضها، بل وتحالفت مع المؤسسات الدينية وتقاسمت معها النفوذ.

حدث هذا في الإسلام من خلال ما يُعرف بعلماء السلطان، الذين يصدرون الفتاوى حسب رغبة السلطان، ويحولون المعنى الحقيقي للصبر إلى الصبر على الذل، والإيمان بالقدر إلى رضا بالواقع، وطاعة ولي الأمر إلى عبودية للمستبد….

وحدث في المسيحية لدرجة اعتبر فيها ” ول ديورانت ” في موسوعة ” قصة الحضارة ” أن الدور الذي لعبته الكنيسة في تثبيت دعائم الملكية في العصور الوسطى أقوى من دور الجيش والشرطة.

وكذلك إيران قبل الإسلام استغل حكامها الساسانيون سدنة النار المقدسة ( المجوس ) كجزء من منظومة الحكم.

وذهب كثير من المفسرين إلى تعريف ” هامان ” بأنه كبير كهنة معبد آمون.

ولكن: هل هذا هو الدين ؟

نعم، إنه الدين المزيف الذي يريده الطغاة والمستبدين، وكذلك تريده الحاشية المستفيدة ورجال الدين المزيفين، ويريده أيضاً أصحاب الأهواء، والجهلة، والمتقاعسون عن الدور الرسالي في الحياة.

الدين الحق لم يأت لتبرير الوضع القائم، والرضا به، وتعبيد الناس للسلطة الزمنية.

الدين الحق هو ثورة لتحرير الإنسان وحفظ كرامته وإعلاء قيمته وتخليصه من كل أشكال العبودية والظلم.

هكذا كانت سيرة رسل الله ورسالتهم، والتي تُوجت بالرسالة الخاتمة ” الإسلام “.

دين لا يدعوا أتباعه لعدم الظلم فحسب، بل يدعوهم لمقارعة الظالمين، والأخذ على أيديهم، ويُحَذر من مجرد الركون للظالمين.

دين يكره للإنسان الاستسلام للضعف والخنوع والذلة: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }

دين يكره للإنسان أن يعيش تافهاً منزوياً لا مبالياً: ” من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم “. ” من رأى منكم منكراً فليغيره…..”

دين يعتبر الساكت عن الحق شيطانا أخرس، ويعتبر أعلى درجات الشهادة: ” كلمة حق عند سلطان جائر “

هل رأيتم ديناً ثورياً مثل هذا الدين ؟ !!!

دين يطبع نفوس أتباعه على العزة والكرامة { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }

دين حتى في ضراعته ودعائه: ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل “

هذا الدين لا يتذوقه ويحيا به ويرفع رايته ويؤدي رسالته إلا نفوس ثورية، تعشق الحرية والعزة والكرامة، وتأبى الضيم والذل والضعف واليأس والاستكانة.

لهؤلاء الصفوة المختارة من البشر، القلة المستضعفة القابضة على الجمر، والعاضة بنواجذها على أصول الدين.

تأتي البشارة { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ }.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى