بقلم : مهندس / محمود صقر
لأن الإنسان بحكم خلقه أرض وسماء ، طين وروح
فكل تجارب البشرية في إيجاد مملكة الإنسان على الأرض مقطوعة الصلة بالسماء ، فشلت .
وكل تجارب نزع الإنسان من مملكة الأرض انتظاراً لمملكة السماء ، فشلت .
نحن أمام نظرتين للحياة غير قابلتين للتطبيق : الأولى مثلتها اليهودية التي لم تتحدث توراتها عن السماء ، لا جنة ، ولا نار ، ولا خلود
ومن ورائها جاءت الشيوعية تبشر الناس بجنة الأرض بشرط القطيعة مع السماء .
فحرمت الناس من جنة السماء ولم تحقق لهم جنة الأرض .
في حوار فلسفي عميق صور ” توفيق الحكيم ” هذا الصراع الذي عاشه الغربي المنقطع عن السماء في حوار بين ” محسن ” الشخصية الرئيسية في رواية ” عصفور من الشرق ” مع صديقه الروسي ” إيفان ” ؛ ننقله بمعناه :
( حيث يقول ” إيفان ” لمحسن : محظوظون أنتم أيها الشرقيون بأنبيائكم ، جعلوا أساس التوزيع بين الناس الأرض والسماء معاً ، فمن حُرم الحظ في جنة الأرض ، فحقه محفوظ في جنة السماء . أما في الغرب فنبينا الجديد ” ماركس ” ومعه إنجيله الأرضي ” رأس المال ” أراد أن يقسم الأرض وحدها بين الناس ، وقطع صلتهم بالسماء ، فماذا حدث ؟
أمسك الناس بعضهم برقاب بعض ووقعت المجزرة بين الطبقات تهافتاً على نصيبهم من الأرض .
فخسروا الأرض ولم يربحوا السماء ، وهذا سر البلاء والشقاء ) .
والثانية : مثلتها المسيحية لتبشر الناس بمملكة السماء على حساب مملكة الأرض .
دين يدع ما لقيصر لقيصر ، دين يقدس الفقر ويدعوا إليه ، دين يمنع رد الاعتداء ودفع الظلم …
دين لم يتقبل فكرة أن يظل الإنسان الكامل إنساناً ، فادعوا الألوهية لسيدنا ” عيسى ” ، وهذا الزعم المتعلق بالإنسان الإله – على حد تعبير علي عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب – اعتراف صامت بأن المسحية الخالصة غير ممكنة في حياة الإنسان الواقعية .
وفي هذا السياق أيضاً نفهم قول الفيلسوف الألماني ” نيتشة” : ” آخر مسيحي تم صلبه على الصليب ” !!!
بين هذه الأديان والمذاهب ، ضاع الإنسان بين مملكة الأرض ومملكة السماء .
ثم جاء الإسلام : دين الفطرة ، دين الإنسان – كل الإنسان – ، يجمع بين مملكتي الأرض والسماء .
سَيْر في مناكب الأرض ومسارعة إلى جنة السماء ، زينة للثوب وطهارة للبدن قبل العروج إلى السماء بالصلاة .
دين يظل إنسانه الكامل ( محمد صلى الله عليه وسلم ) إنساناً ، وتظل سيرته وسنته هي التطبيق العملي لرسالته .
دين يجعل أرقى مدارج الكمال الإنساني لأتباعه أن يصير الإنسان : خليفة الله في الأرض .
أي يحقق ثنائية : [ الله – الأرض ] .
هذا الدين العظيم ، إن فصلت أرضه عن سمائه – كما يريد الجهلاء – أفرغته من محتواه ، وأفقدته معناه .
دين لا يمكن فصل : عقيدته عن شريعته ، ورحمته عن عدله ، وعفوه عن قصاصه ، وثقافته عن حضارته ، ومصحفه عن سيفه ، ودعوته عن جهاده ، وحريته عن قيوده ……… ، سمائه عن أرضه .
ابحث أيها الإنسان كما شئت ، فكر كما شئت ، جرب ما شئت ، سر في دروب التيه حيث شئت .. لن تجد أبداً أسمى ولا أعظم ولا أنفع لقيادة البشرية غير دين الإسلام .
{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ }