فقه التربية

كثيرٌ من الناس إذا وكلت إليهم تربيةَ شخص ما تجد هدفَه الذي يرنو إليه، وحُلمه الذي يداعبُ لُبَّه هو أن يكون هذا المربَّى ظلاًّ للمربِّي، فما من رأي يراه إلاَّ ويصبح لزامًا على مريده أن يصيرَ إليه، حتى وإن لاحت لصاحبنا وجهةٌ أخرى أراد أن يشدَّ رِحاله إليها.
وتجد كثيرًا من الأساتذة والمشايخ يعزُّ على قلوبهم أن يَرَوْا تلامذتهم الذين كان لهم فضلٌ بعد الله – تعالى – عليهم في تعليمهم وتربيتهم؛ يعزُّ عليهم أن يروا واحدًا منهم خالفهم في مسألة أو أكثر، حتى وإن كان خلافُهم خلافًا علميًّا مهذَّبًا، ما حاد عن طريق الخُلق قِيدَ أُنملة.
وممَّا يُذكر في هذا الصَّدد أنَّ على الآباء أن يسمحوا لأبنائهم بقدرٍ من المخالفة المهذَّبة؛ حتى تنشأ عندَ الطفل الشخصيةُ الواثقة، بدلاً من تنشئتِهم على التبعيَّة والاضطراب والاهتزاز.
ولقد تنبَّه فقهاؤنا -رحمهم الله تعالى – إلى ذلك:
فها هو إمام المالكيَّة الكبير، وفقيه المغرب سحنون بن سعيد التنُّوخي القيروانيُّ – رحمه الله تعالى – كان يسمح لابنه بأن يناظرَه: فقد ذَكَر الذهبيُّ – رحمه الله تعالى – في السِّير في ترجمة ابن سحنون أنَّه كان يناظر أباه، فكانت النتيجة لذلك – بعد فضل الله تعالى – أن صار ابنه – كما يقول الذهبيُّ – محدِّثًا بصيرًا بالآثار، واسعَ العِلم، متحريًا متقنًا، علاَّمة كبيرَ القدر.