دولي

من تهريب المخدرات إلى السلاح.. ماذا يريد النظام السوري وحليفه الإيراني من الأردن؟

أحمد رياض جاموس|||

يتطور المشهد على الحدود السورية الأردنية بداية من تهريب المخدرات إلى تهريب الأسلحة وصولًا إلى خوض اشتباكات حرب مفتوحة بين عصابات تهريب المخدرات والسلاح المدعومة إيرانيًا من الجهة السورية والجيش الأردني.

اندلعت مواجهات استمرت لأكثر من 10 ساعات، بين الجيش الأردني وعشرات المهربين الذين حاولوا إدخال أسلحة وصواريخ وقذائف ومخدرات بالقوة، قبل أن يعلن الجيش الأردني انتهاءها، وضبط شحنات أسلحة أوتوماتيكية وصاروخية وحبوب كبتاغون وشاحنة محملة بالمتفجرات، عبر بيان نشره منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مشيرًا إلى أنه اعتقل 9 مهربين من الجنسية السورية بحوزتهم مخدرات وأسلحة متنوعة، بعد اشتباكات على الحدود مع سوريا أوقعت إصابات في صفوف حرس الحدود الأردنيين بين خفيفة ومتوسطة.

جاء في البيان أيضًا، أن القوات الأردنية ضبطت مع هؤلاء المهربين 4 صواريخ نوع روكيت لانشر، و4 صواريخ آر بي جي، و10 ألغام ضد الأفراد، وبندقية قنص جي 3، وبندقية إم 16 مجهزة بمنظار قنص، وتدمير سيارة محملة بالمواد المتفجرة.

ردًا على عملية الخرق الأمني من الحدود الجنوبية السورية، شنّ الطيران الحربي الأردني غارات جوية استهدفت مزرعة في بلدة ذيبين بريف السويداء الجنوبي، بالقرب من الحدود السورية الأردنية، ما أدى إلى تدمير المزرعة بشكل كامل، فيما استهدفت إحدى الضربات منطقة صلخد بريف السويداء، أدت إلى مقتل تاجر المخدرات ناصر فيصل السعدي، المقرب من حزب الله اللبناني والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري.

تطور في قواعد الاشتباك

تتزايد حدة المخاوف الأردنية بسبب ارتفاع وتيرة عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، فيما تكثّف عمّان جهودها للتصدي لتلك العمليات، بعد لجوء المهربين لاستخدام أساليب جديدة ومتطورة لم تكن مستخدمة من قبل، كالبالونات الطائرة على اختلاف أحجامها، التي تحمل في جوفها كميات متنوعة من المواد المخدرة، إضافة إلى الطائرات المسيّرة، وتطور آلية التهريب مع محاولات إيصال الشحنات إلى الجانب الأردني عبر الاشتباك العنيف من مجموعات مدعومة من الإيرانيين وإحداث أضرار كبيرة في صفوف القوات المسلحة الأردنية.

منذ عام 2023 ومع تزايد عمليات التهريب، لجأ الأردن إلى تغيير قواعد الاشتباك مع مهربي المخدرات عبر تنفيذ ضربات جوية داخل الشريط الحدودي السوري، إلا أن نتائج تلك الغارات لم تفلح في وقف عمليات التهريب، لسبب أهم وهو أن النظام ومن خلفه الجانب الإيراني يستخدم الكبتاغون وتهريب السلاح كورقة ضغط لتمرير شروطه في التطبيع العربي.

خلال قمة الشرق الأوسط العالمية في مدينة نيويورك، في أيلول/سبتمبر الفائت، شكّك الملك الأردني، عبد الله الثاني، بقدرة النظام السوري على السيطرة على بلاده، وأوضح حينها أنه غير متأكد مما إذا كان الأسد هو المسؤول الكامل عن البلاد، في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة بتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن.

تغيُر نبرة الملك الأردني تبدي خيبة أمل واضحة بوقف تدفق الكبتاغون السوري وضبط الحدود، مع الاعتقاد الجازم بمسؤولية الأذرع الإيرانية جملةً وتفصيلًا عن ملف المخدرات وتهريب الأسلحة وزعزعة أمن الحدود الطويلة الممتدة على طول 375 كيلومترًا لدولة باتت مركزًا عالميًا لتجارة وتهريب الكبتاغون بين لبنان الذي يديره حزب الله، والعراق الواقع تحت سيطرة ميليشيا الحشد الشعبي، ما يعني أن الأردن هو المنفذ الوحيد لمصدر التمويل الأهم لهذه الأطراف.

قلق إسرائيلي

ليس الأردن وحده الذي بات قلقًا من عمليات تهريب السلاح المتصاعدة، فقد قالت صحيفة “يسرائيل هيوم” إن “التحول من حدود السلام إلى الحدود الساخنة كان تحديًا متزايدًا للمملكة الهاشمية من وكلاء إيران في الأشهر الأخيرة، الذين حاولوا التسلل إلى الأردن من العراق وسوريا، ما أدى إلى تقويض سيادة الأردن”.

وأضافت الصحيفة، أن الجيش الإسرائيلي غيّر انتشاره العملياتي بشكل أساسي على الحدود مع الأردن، وهذه الخطوة جاءت في أعقاب الارتفاع الكبير في تهريب الأسلحة من المملكة والمخاوف من هجمات إرهابية ترعاها إيران يمكن أن تحدث على طول الحدود في عام 2024.

ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري قوله: “السيناريو الأساسي الذي تستعد له إسرائيل هو محاولات من حزب الله أو ميليشيات أخرى موالية لإيران، للتسلل من الحدود الأردنية إلى إحدى المجتمعات القريبة من الحدود”، لافتة إلى أنه في العامين الماضيين “كانت هناك زيادة كبيرة في تهريب الأسلحة من الأردن إلى الضفة الغربية وتقف إيران وراء هذه الشحنات”.

وصفت الصحيفة أيضًا المواجهات التي حصلت بين الجيش الأردني والمهربين بـ”الهجوم الخطير”، مضيفة أن الجيش الإسرائيلي يحافظ على اتصالاته مع الجيش الأردني لمكافحة هذه التطورات بشكل مشترك.

يبدو أنه في الوقت الحاليّ لا يقلق الجيش الإسرائيلي من السيناريو الذي يقوم فيه الجيش الأردني بتوجيه أسلحته ضد “إسرائيل”، بل يتركز قلقهم على سيناريو خطير تنجح فيه تلك الميليشيات الإيرانية في التسلل إلى الأردن، ثم مهاجمة “إسرائيل” من هناك، حسب الصحيفة.

خيارات الأردن

قاد الأردن مبادرة “خطوة خطوة” التي قضت بإعادة سوريا إلى الحضن العربي مقابل تعاونها في ملفَّي المخدرات واللاجئين، ظنًّا منه أن الأسد سيتخلى عن اقتصاد الكبتاغون (المقدر بـ57 مليار دولار  سنويًا) وهو الأمر الذي لم يتعاون فيه نظام الأسد البتة ولم يقدم أي خطوة إيجابية في ذلك المضمار، بل على العكس تمامًا تدفق الكبتاغون والسلاح بشكل كبير نحو الأردن، لدرجة استدعت اعتراف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن تهريب الكبتاغون من سوريا إلى الأردن ومن الأخيرة إلى الخليج زاد منذ بدء الحوار مع الحكومة السورية.

الأمر الذي دفع الأردن للانتقال لمرحلة جديدة وهي تبني فكرة أن الحل يبدأ من حليف النظام الأقوى والمهيمن على مفاصل الدولة السورية (طهران)، حيث التقى الصفدي مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مؤكدًا حرص الأردن على تطوير العلاقات مع إيران على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، في ظل حركة الاحتجاجات المندلعة في الداخل الإيراني منذ شهور.

رغم أنه لم يعد خافيًا على أحد أن نظام الأسد يشكّل مع الإيرانيين تحالفًا إقليميًا يرعى اقتصاد الكبتاغون والسلاح، ويؤمّن لها طرقاتها ومعابرها ومصانعها ويساعد في الالتفاف على العقوبات، فإن الأردن بات يستشعر أكثر من أي وقت مضى – بعد جهوده الكبيرة في إنهاء ملف المخدرات والسلاح عبر أراضيه وفشله في ذلك – رغبة إيران في التمدد نحو المجتمع الأردني.

ضمن هذه الفكرة سبق أن سلطت صحيفة “مينا واتش” الألمانية في يوليو/تموز الفائت الضوء على خريطة السيطرة الإيرانية في المنطقة، مشيرة إلى أن “الأردن قد يكون الضحية التالية للإيرانيين بعد اليمن ولبنان وسوريا والعراق، خاصة أنه يشهد اضطرابات وصراعات داخلية قد تستغلها طهران”.

طرح حينها الأكاديمي الأمريكي “كينيث بولاك” تحليلًا ينوّه إلى أن “إيران قادرة – عبر عملائها ووكلائها – على التسلل إلى الأردن من 3 جبهات: سوريا ذات الحدود الطويلة مع المملكة، والضفة الغربية في فلسطين حيث الجهاد الإسلامي وحماس المدعومين إيرانيًا، والجبهة الثالثة العراق حيث الحشد الشعبي”.

بحسب الصحيفة كذلك، فإن ما يقرب من 60% من سكان الأردن هم من الفلسطينيين، كما تزعم أن العديد من منظمات المجتمع المدني لديهم ارتباطات بالجماعات المدعومة من إيران في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومما لا شك فيه أن خطة إيران في التمدد إلى أي دولة تعتمد على 3 مناهج لا محيد عنها هم: المخدرات والسلاح، والأهم والأكثر خطورة المدّ الشيعي، وهو ما يدركه الأردن منذ أكثر من عقدين ويغلق الباب بوجهه بحزم، إذ سبق للملك الأردني في العام 2004 أن أطلق تحذيرًا مما أسماه “الهلال الشيعي” في المنطقة العربية الذي سيساعد إيران على توسيع نفوذها.

الأردن خسر الرهان على تغيير سلوك النظام بعد إعادته إلى الجامعة العربية في موضوع تهريب المخدرات وانتزاعه من الحضن الإيراني

وبما أن الجيش الأردني استخدم كل الوسائل المتاحة، من ضبط واسع للحدود وضرب أوكار المخدرات ومصانعها وعرابيها في الداخل السوري، عبر تنفيذ ضربات جوية لأهداف مرصودة على الرادار الاستخباراتي الدقيق، ثم التوجه سياسيًا والتفاعل مع الفاعلين الحقيقيين في سوريا، لم يبق أمام الطرف الأردني إلا خيار إقامة منطقة عازلة عند الحدود الأردنية السورية، الذي يحتاج لتوافق ودعم عربي ودولي، لا سيما أن الجنوب السوري بات بؤرة للميليشيات العابرة للحدود المدعومة حكوميًا.

وبالتالي التوجه لإعادة دعم بعض فصائل المعارضة وتنشيط دورها في درعا والسويداء اللتان تعيشان حالة انفلات أمني وتجدد الاحتجاجات المناهضة لنظام الحكم، لا سيما أن للأردن تجربة سابقة خلال فترة سيطرة المعارضة على المنطقة، في دعم بعض فصائلها خارج إطار غرفة عمليات “الموك” لحماية الشريط الحدودي.

يؤكد الباحث الإستراتيجي العميد أسعد الزعبي، في حديثه لـ”نون بوست”، أنه رغم أن خيارات الأردن باتت ضيقة، فإن قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع نظام الأسد هي أهم الأدوات بيد الأردن، إضافة إلى قدرة الأردن على دعم فصائل عسكرية معارضة بأسلحة ومعدات تستطيع أن تتحرك بسهولة بمنطقتي حوران والسويداء الخارجتين عن هيمنة النظام فعليًا، الهدف منها ضرب المهربين وتدمير مصانع التهريب ورصد طرقاتها وحرق مزارع الكبتاغون.

يمكن للأردن أن يستفيد من حالة الانتماء والارتباط العشائري في منطقة حوران بعشائر الأردن، خاصة أن المنطقة باتت تعج بشذاذ الآفاق والميليشيات الأجنبية التي ضاق بهم سكان المنطقة ذرعًا، حسب العميد الزعبي.

مضيفًا أن مطالبة الأردن بطرد النظام مرة أخرى من الجامعة العربية يمكن أن يشكل ضغطًا واسعًا على النظام، لأن الأردن هو من سعى لإعادته وقاد مسار التطبيع معه ظنًا منه أن ذلك يمكن أن يغيّر سلوكه، فقضية تهريب الأسلحة والمتفجرات وزرع إرهابيين بالتعاون مع الإيرانيين هو تهديد واضح للأمن القومي الأردني ويجب عدم التهاون فيه.

أخيرًا يمكن القول إن الأردن قد خسر الرهان على تغيير سلوك النظام بعد إعادته إلى الجامعة العربية في موضوع تهريب المخدرات وانتزاعه من الحضن الإيراني، أما قضية اللاجئين التي كان الأردن يعقد عليها الآمال، وهي البند الثاني في مبادرة الخطوة بخطوة التي تبنتها الأردن، فقد فشلت هي الأخرى بعد حديث الأسد لـ”سكاي نيوز” الإماراتية بأن نظامه لا يستطيع تحمل أعباء عودة اللاجئين، فيما وصل الأردن اليوم لمرحلة حساسة بات يقف فيها على مفترق طرق مصيري في دفع المدّ الإيراني عن حدوده الشمالية التي تعيش حالة استنفار أمني عالٍ هو الأول من نوعه في تاريخ البلاد.

نون بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى