من حكم الإمام علي رضي الله عنه

كان الإمام علي رضي الله عنه ينطق بالحكمة، حكيمًا موجزًا، يهتدي إلى الصواب إن تشعبت الطرق بغيره من الناس، ويفهم الأمور على وجهها، ويضعها في نصابها، فقد استشار عمر الناس، فسألهم من أي يوم نكتب؟ فقال علي: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك أرض الشرك.وقد كان ذلك الاختيار إلهامًا من الله، لأن الهجرة من أعظم المناسبات الإسلامية، فهي حد فاصل بين العهدين: المكي بكل ما حوى من تعذيب وإيذاء، واستضعاف، والعهد المدني الذي يصور الحرية والتمكين، والوضع الجديد الذي يعيشه المسلمون آمنين فهو تاريخ يستحق أن يسجل كبداية عصر جديد.كما تألقت الحكمة في شكل كلمات على لسان أمير المؤمنين عليٍّ ، فمن ذلك قوله:
ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدةٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل.
وقد ترك لنا أمير المؤمنين جملة نافعة من كلامه في الزهد والرقائق مما يستحسن الوقوف عندها لأخذ العبرة واستلهام العظة، فيروي مهاجر العامري أن عليًا قال: إنما أخشى عليكم اثنتين: طول الأمل، وإتباع الهوى، فإن طول الأمل ينسي الآخرة، وإن إتباع الهوى يصدّ عن الحقّ.
ويروي ربيعة بن ناجذ أنه سمع عليًا يقول: كونوا في الناس كالنحلة في طيرانها، ليس من الطير شيء إلا وهو يتضعفها، ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم، فإن للمرء ما كسب، وهو يوم القيامة مع من أحب.
ويحدد معالم الخير التي ينبغي لكل مسلم الوصول إليها، والحرص على الاتصاف بها، فيقول عليًّ : أحفظوا عني خمسًا، فلو ركبتم الإبل في طلبهن لأنضيتموهن قبل أن تدركوا مثلهن، لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي جاهل أن يتعلم، ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: اللهم أعلم. واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان، كمنزلة الرأس من الجسد، فإن ذهب الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
ويعلمنا أمير المؤمنين عليّ أن العالِم الحقيقي، هو من لا يقنط الناس من سعة رحمة رب العالمين، وفي نفس الوقت لا يجعلهم يفترون، وبأنفسهم يعجبون، يقول:
ألا إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في المعاصي، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
وكان يوجه رعيته بسهام حكمته، فقد أخرج الخلال بسنده عن أبي سعيد قال: كان عليّ إذا أتى السوق قال: يا أهل السوق، اتقوا الله، وإياكم والحلف، فإن الحلف ينفق السلعة، ويمحق البركة، وإن التاجر فاجر خلا من أخذ الحق، وأعطى الحق والسلام عليكم. ثم ينصرف، ثم يعود إليهم، فيقول لهم مثل مقالته.
وقد حفظ الناس من خطبه في سائر مقالاته أربعمائة خطبة ونيف وثمانين خطبة، منها اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة، اللهم اغفر لي ما وأيت (وعدت) من نفسي، ولم تجد له وفاءً عندي، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني، ثم خالفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات الألفاظ، وسهوات الجنان، وهفوات اللسان.
من روائع حكمته قوله:
أيها الناس، الزهادة قصر الأمل، والشكر عند النعم، والتورع عند المحارم، فإن عزب عنكم فلا يغلب الحرام صبركم، ولا تنسوا عند النعم شكركم، فقد أعذر الله إليكم بحجج مسفرة ظاهرة وكتب بارزة العذر واضحة.
وصف الإمام علي للجنة:
درجات متفاضلات، ومنازل متفاوتات، لا ينقطع نعيمها، ولا يظعن مقيمها، لا يهرم خالدها، ولا ييأس ساكنها.
من أقوال الإمام علي في القرآن الكريم:
اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا ما قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، ونقصان من عمى، واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوا من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فإن فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال، فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله تعالى بمثله، واعلموا أنه شافع ومشفع، وقائل مصدق، وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة صدق عليه.