من عجائب الزمان.. إنسان يشكو ربه !
الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذه غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف رَبَّه لما شكاه، ولو عرف الناسَ لما شكا إليهم.
ورأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجلٍ فاقته وضرورتَه فقال:
يا هذا، والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك
في ذلك مثيل:
وإذا شكوتَ إلى ابن آدمَ إنما تشكو الرحيمَ إلى من لا يرحم
والعارف إنما يشكو إلى الله وحده، وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه.
فهو ناظرٌ إلى قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}
وقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} (النساء: 79)
وقوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران:165)
فالمراتب الثلاثة:
أخسَّها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه عز وجل ، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه.
ابن القيم ـ رحمه الله ـ الفوائد صـ 79