المطوع يرسم صوراً من العدالة المنشودة

قبل سنوات طويلة سطر قلم رئيس التحرير ” مبارك المطوع ” هذا المقال راسماً فيه صورا من العدالة المنشودة فى الكويت ، وكأنه استشرف المستقبل انذاك ، والذى نحن بصدده الأن .
لقد قال المطوع وقتذاك أن أي تقصير في هذا المبدأ ” العدالة ” في الحياة العامة سينشأ عنه ولا ريب خلافات ونزاعات في الحياة الخاصة تتحول بعدها إلى خصومات تظهر بصورة أو بأخرى بشكل نزاع يبحث عن العدالة إما في أروقة المحاكم أو على باب الحاكم .
وأكد فى مقاله القديم أنه بقدر حرص الدول والحكومات على مبادئ العدالة وتطبيقاتها فإنها تتمتع بقدر مساوي من الاستقرار والاطمئنان ، ” وقصد من ذلك أن العدالة تتناسب طردياً مع الاستقرار ” ومهما كان لديها من إمكانيات وثروات لترضية الأطراف المتشابكة والمتنازعة فإنها مهما أرضت طرفاً فإنه لن يرضى جميع الأطراف .
وتمر السنين الطوال ، وإذا بنا نعيش نفس الواقع الذى قرأه المطوع عبر هذا المقال ، فحينما غابت العدالة عن بعض الحكام انقلبت عليهم شعوبهم ، وحينما انحسرت عن بعض الدول حدثت بها القلاقل والمشاحنات التى غيبت معها الاستقرار .
ونترككم مع مقال المطوع
“صور من العدالة المنشودة في الكويت “
العدالة مطلب حكومي كما هي مطلب شعبي .. فطلب الشعب لها وحرصه عليها يكون لحياة آمنة مطمئنة ومستقره .
وهي مطلب للحاكم أيضاً لاستقرار الحكم وأداء مهمته على الوجه الصحيح .
وقد يظهر ابتغاء العدالة والتماسها لدى الحاكم والمحكوم بصور مختلفة ، فليس الفصل في دعاوي القضاء
وخصومات المنازعين هو الصورة الوحيدة لها وإن كانت من أهمها وأبرزها في حياة الناس
لكن الصور الأخرى قد تكون أعم وأشمل وأقرب إلى واقع الناس و حركة المجتمع … وعلى سبيل المثال نجدها في : توزيع الثروة وتقسيم الأعمال .
- إيجاد الحلول للمشاكل الخاصة والعامة .
- تطبيق القوانين .
- توقيع العقوبات .
- توزيع المراكز الاجتماعية والعلمية .
- تطبيق مبدأ المساواة.
- طرق ممارسة العدالة الاجتماعية .
وربما هناك صور كثيرة تستجد من الواقع المعاصر وتأخذ أشكالاً مختلفة لكنها بالنهاية تكون مسألة عدالة .
وإن أي تقصير في هذا المبدأ في الحياة العامة سينشأ عنه ولا ريب خلافات ونزاعات في الحياة الخاصة تتحول بعدها إلى خصومات تظهر بصورة أو بأخرى بشكل نزاع يبحث عن العدالة إما في أروقة المحاكم أو على باب الحاكم .
ولذلك فإنه بقدر حرص الدول والحكومات على مبادئ العدالة وتطبيقاتها فإنها تتمتع بقدر مساوي من الاستقرار والاطمئنان ومهما كان لديها من إمكانيات وثروات لترضية الأطراف المتشابكة والمتنازعة فإنها مهما أرضت طرفاً فإنه لن يرضى جميع الأطراف .
وفي مجتمع كالكويت تظهر العدالة مطلباً ملحاً وضرورياً على رأسها ولا شك مرفق القضاء ، ولو أفردنا حديثاً خاصاً لطال بنا المقام والبحث ، ولعلمي الواثق بأن من هم أكثر منا اختصاصا والتصاقاً لهذا المرفق أقدر على إعطاء التصور وإيضاح نواحي القصور وهم في موقع يوجب عليهم الأمانة والنزاهة ولذا فالأمر لهم وكمساهمة متواضعة ألحقت بهذا البحث عدد من الملاحظات لتكون تحت نظر المسئول للعمل على الاستفادة منها .
لكن نطاق العدالة لا يقف عند مرفق القضاء وحسب كما تقدم إيضاح ذلك بعدد من الأمثلة والتي اكتفيت بسردها دون تفصيل اعتمادا على فطنة المسئول ولعلمي وثقتي في قدرة من أخاطب وفهمه الواسع من موقعه الخاص المتقدم لكل إشارة أو إلماحة تغني عن كثير من الشرح والإطالة .
ولنختصر الوقت الغالي ونوفر الجهد الثمين ….أتقدم مباشرة بعدد من التصورات أو المقترحات في محاولة لتغطية بعض نواحي النقص في العدالة دون خوض في مقدمات مطولة قد يلزم مثلها في دراسات لاحقة ، فمن أبرز ما يحتاجه مجتمعنا في أوضاعه الراهنة ما يلي
أولًا :رد الظالم:
معلوم أن الظلم من طباع البشر فيما بينهم ويستمر حتى قيام الساعة، ( قال اهبطوا منها بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين).
ولذلك كان لابد من السلطان صاحب القوة والنفوذ الذي يحق الحق ويرد المظالم ولا تأخذه لومة لائم،وإذا كان هذا هو ما يتصف به القاضي وسلطة الضبط إلا أن هناك مظالم من نوع خاص لا يطولهم إلا الحاكم ذاته صاحب كلمة الفصل، و لربما وجدوا أنفسهم يوما في قوة ونفوذ يفوق قوة القضاء ذاته.
لذلك كان حريا بالحاكم أن يجعل لديه ملجأ للضعيف وصاحب الحاجة والمظلوم،وعندما يلجأ إليه يكون هو عون له وسند له أمام القضاء دون تدخل أو ممارسة ضغط ما لكنها نصرة للمظلوم فقط قد تتمثل في دفع نفقات التقاضي ومصاريفه أو مساعدته بالرأي والتوجيه فقط،لكنها بالنهاية نصرة لمن يراه مظلوما وكلمة الفصل للقضاء،كما قد يكون بحل الإشكال بالطرق العرفية مثل استعجال الأمر أو وصوله للمحاكم وهكذا أمكن رد المظالم بأسلوب ودي يتفق مع طبيعة هذا الشعب ودور الحاكم فيه مع مقتضيات الدولة الحديثة التي تكاد تقضي على معارفنا وتقاليدنا وعند الموافقة على الرأي والفكرة ودراستها من جميع الجوانب فلن تعجزنا الوسيلة لتطبيق ذلك عمليا يكون فيه قوة للحكم والحاكم..
ثانيا: التوجيه والتصحيح:
سمعنا من ينادي بكل الوسائل بالأمر المعروف والنهي عن المنكر..
كما رأينا وعلمتنا التجارب كيف يتوجب أن يكون للسلطة دور في توجيه المواطن نحو الصواب وإبعاده عن مواطن الخطر وهذا مبدأ يشمل أمور كثيرة قد يجهلها المواطن العادي..
ومن أخطر ما يمكن حدوثه أن يأتي التوجيه والتنبيه بعد وقوع الكارثة أو حلول الخطر وقيام المشاكل ثم تتوالى حتى تخرج عن نطاق السيطرة،ولهذا النوع أمثلة كثيرة في حياتنا المعاصرة،لا حاجة للتذكير بها وهي معروفة..
لهذا كان لابد من إدارة هي أشبه بأجهزة الإنذار المبكر تتبع ولي الأمر مباشرة لتقوم بالدور المشار إليه ولو من باب النصح والتوجيه والإرشاد ولكن من موقع مؤثر ومميز..
وبذلك تحقق المطلوب والذي ينادي به كثير من الناس وهو التوجيه والتصحيح الذي يسبق الخطأ عملاً بمبدأ الوقاية خيرٌ من العلاج ..
وليس أفضل من أن يصدر ذلك من الجهة التي يتطلع إليها الناس في كل أمورهم والتي تتمثل حسب هرم الدولة برئاسة مجلس الوزراء ، وبإسلوب محدث مرن يتناسب مع طبيعة العصر والواقع ويراعي طبائع الناس .
ثالثاً : الصلح والتحكيم الذاتي :
من المعلوم والمقرر قانوناً أن التحكيم مبدأ مقرر في القانون ومنظم بموجبه ، كما أن الصلح مقرر أيضاً كمبدأ ويدعو إليه القانون بل يوجب على القضاء والدعوة إليه أولاً قبل السير في إجراءا ت التقاضي ، لكن الملاحظة أن هذه المبادئ أصبحت تموت في واقعنا العلمي ويغفل الناس عن التعامل بها مما يزيد حياتهم تعقيداً وإشكالاً وينمي العداوة والبغضاء بينهم .
أما لو افترضنا أن الأمور حلت بالصلح أو اللجوء إلى حكم من يرضونه من الناس غير مفروض عليهم فإن ذلك أدعى للتراحم والتواصل وروح الأسرة الواحدة التي نعيش في ظلها وندعو لها حقيقةً لا شعاراً.
فإذا بدرت الدعوة للصلح أو لجأ المتخاصم إلى جهة يفترض فيها الحيدة والورع والقوة والعدل في آنٍ واحد ، فإنه سيقبل ما يفرض عليه من صلح أو حكم ..
وليس أفضل من الجهة الإدارية العليا في البلاد من أن تستعد لمثل هذا الدور وتهيئ نفسها لذلك وليكن بتكليف الثقات من المواطنين للقيام بهذا الدور بإسم هذه الجهة ويكون الرجوع إليها برغبة الأطراف مجتمعة ، وليس بطريق الإدعاء الذي يكون من طرف ضد آخر كما هو الحال أمام القضاء .
وبكل ما تقدم يكون للحاكم متسع من المجال للاحتكاك بشعبه بوسائل مرغوبة لهم مطلوبة منهم تتصل بصميم حياتهم تقيم موازين العدل بينهم ، مما يعطيه قوة ويؤكد على مكانته ويرسخ هيبته بطريق واضح محدد ، يتفق مع طبيعة هذا المجتمع ويحافظ على أصالته وتقاليده ..
وما هذه الاقتراحات إلا نماذج حاضرة لبعض الصور والأمثلة للطرف التي يمكن فيها إقامة العدل بين الناس بوسائل أخرى غير القائمة والموفرة حالياً ،والتي لاحظنا عليها مع الممارسة والاحتكاك بها أنها لا تكفي وحدها وأن الأمر مازال بحاجة إلى مزيد من الجهود التي تتصل بأعلى المسئولين في البلاد ،مما يؤكد على مكانتهم العالية ومحبة شعبهم لهم حين اللجوء إليهم في أمورهم ، فلا يقتصر الأمر على مساعدة مالية أو دعم مادي لينتهي بذلك إشكال مؤقت بل فيما يتعلق بالاستقرار والاطمئنان الذي تنشده المجتمعات .
وأكتفي بهذا القدر راجياً من الله أن تكون هذه الآراء محل قبول وعوناً وعملاً خالصاً متقبلاً .