نعوم تشومسكي: ما بعد كورونا أخطر من الوضع الراهن

تحدث نعوم تشومسكي عما ينتظر البشرية، أثناء وما بعد “الكورونا”، وذلك في إطلالة استثنائية ضمن حلقة خاصة في DiEM25 TV، وحذر من السباق إلى حافة الكارثة المرعبة التي يجري إليها العالم، والمضاعفات الاقتصادية والاجتماعية التي يتسبب بها الوباء، على مستوى البشرية بأكملها. وما يتهدد البشر من خطرين وجوديين وشيكين. فيما يلي، أهم الاستنتاجات التي توقف عندها، وبعض التوصيات المستفادة منها:
اولا: الاستنتاجات
1- انقسام العالم: كتب أول مقالة له عن الحرب الأهلية الإسبانية، بعد سقوط برشلونة عام 1938، وتحدث فيها بشكل خاص، حول ما يشهده الناس من انتشار لا يرحم لـ”الطاعون الفاشي” في جميع أنحاء أوروبا؛ محللاً إلى أين سيفضي هذا الوباء. يقول في معرض حديثه عن هذه المقالة: “اكتشفت لاحقاً، بعدما تم تحرير الوثائق الداخلية، أن محلل حكومة الولايات المتحدة في ذلك الوقت توقع أن تنتهي الحرب بانقسام العالم إلى الفضاء الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والمناطق التي تسيطر عليها، مقابل منطقة أخرى تسيطر عليها ألمانيا في أوروبا”.
2- الرعب الرهيب: يضيف:”هذه الذكريات تعود إليّ الآن. أتذكر خطابات هتلر في الراديو، لم أستطع فهم الكلمات حينها، لكن كان من السهولة أن أفهم المزاج العام وأشعر بالتهديد الذي تحمله صدى الكلمات. وهنا يجب أن أقول: إنني أشعر بالشيء ذاته عندما أستمع إلى خطابات ترمب اليوم، فقط لأنني أرى فيه مجرد “معتل اجتماعي” مهرج لا يهتم سوى بنفسه، لكن المزاج والمخاوف التي تثيرها كلماته متشابهة مع أيام طفولتي. وفكرة أن مصير البلاد والعالم في أيدي مهرج ومعتل اجتماعي مثل دونالد ترمب هو شيء مروع.
3- حافة الكارثة: إن فيروس كورونا التاجي خطير بما فيه الكفاية، لكن من الجدير بالذكر أننا نقترب من الرعب الأعظم، وهو السباق إلى حافة الكارثة، وهو حدث أسوأ بكثير من أي شيء تعرض له الإنسان عبر التاريخ. ترمب وأتباعه هم في صدارة هذا السباق نحو الهاوية. الهاوية التي تتمثل في الواقع بتهديدين هائلين وجوديين. الأول، التهديد المتزايد لاندلاع حرب نووية، والآخر، هو التهديد المتزايد للاحتباس الحراري. في حين أنه يمكن التعامل مع التهديدين، لكن لا يوجد الكثير من الوقت لتداركهما.
4- التهديدات القاتلة: ويقول ايضا: منذ انتخاب ترمب، يمكن رؤية ثلاثة أشياء: تهديد الحرب النووية، وتهديد الاحتباس الحراري، وتدهور الديمقراطية. ومع أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد للتغلب على الأزمة؛ إذا سعى الجمهور إلى السيطرة على مصيره، أما إذا لم يحدث ذلك، وتركنا مصيرنا لهذا “المعتل الاجتماعي” سننتهي. هذا الخطر يقترب، وترمب هو الأسوأ بسبب قوة الولايات المتحدة الساحقة التي يترأسها. فهي الدولة الوحيدة القادرة على فرض عقوبات مدمرة والقتل وعلى الجميع أن يتبعوها. حتى أوروبا. مثلا: قد لا تحب أوروبا فرض العقوبات ضد إيران، لكن عليهم أن يتبعوا “المعلم”، ومن لا يمتثل له، يُطرد من النظام الدولي المالي والاقتصادي.
5- كوبا تساعد أوروبا: إن “بلاداً مثل كوبا تعاني من العقوبات، منذ اللحظة التي اكتسبت فيها الاستقلال، من المذهل أنها نجت واستطاع الكوبيون البقاء أحياء. لكن واحداً من أكثر الأمور سخرية الآن هو أن كوبا عرضت المساعدة على أوروبا. هذا شيء صادم ومثير للدهشة. ففي حين أن ألمانيا تتمنع عن مساعدة اليونان، نجد كوبا تقدم المساعدة إلى أوروبا في محنتها لمواجهة الفيروس التاجي كورونا. ماذا يعني ذلك؟ لا توجد كلمات تصف ذلك.
6- تدهور الديموقراطية: في نظر تشومسكي، أن الإجراءات الاستثنائية التي تطبقها الحكومات من إغلاق للحدود الداخلية والخارجية، وحظر التجوال في بعضها، واستخدام الجيش في تطبيق إجراءات العزل، كما حدث أو يحدث في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ودول أخرى عديدة، قد تتسبب بتدهور الديمقراطية والنزوع إلى الاستبداد في كثير من مناطق العالم. يضاف إلى ذلك، انهيار الأسواق والنظام الاقتصادي العالمي، واستخدام ترمب خطاب “الحرب” وماكرون والعديد من السياسيين الأوروبيين والدول والتحدث عن الأطباء بوصفهم جنود الجبهة الأمامية بمواجهة “العدو” غير المرئي “الفيروس”. هذا الخطاب ذاته يجري استخدامه في وسائل الإعلام كافة حول العالم، مما يطرح تساؤلاً عن أثر هذا الخطاب في فرض حالة من الاستبداد، على عالم ما بعد كورونا.
7- تعبئة حربية: يعتبر تشومسكي “أن التعامل مع أزمة الفيروس يتطلب التحرك بما يشبه التعبئة العامة في زمن الحرب. وهذا أمر غير مبالغ فيه. ففي بلد غني كالولايات المتحدة لديه الموارد للتغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الفورية؛ التي يتسبب بها التعامل مع الفيروس، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، حين أعلنت الولايات المتحدة التعبئة العامة وقادت البلاد إلى دَين كبير، وأكبر مما هو متصور اليوم، لكنها كانت تعبئة ناجحة للغاية، عملياً تضاعف حينها التصنيع أربع مرات وتم إنهاض الكساد واستعادت البلاد القدرة على النمو، وهو الامر غير المتوفر في هذه المرحلة.
8- فشل النيوليبرالية: اليوم نحتاج إلى أقل من ذلك للتعامل مع الوباء، نحتاج إلى عقلية الحركة الاجتماعية؛ عقلية الحركة الاجتماعية من أجل التغلب، وعلى المدى القصير، على أزمة شديدة؛ تعّبر عن فشل ذريع للنيوليبرالية، بينما اقتصاد السوق لا يكف عن التزايد. ويمكن هنا أن نتذكر كيف تم التعامل مع إنفلونزا الخنازير عام 2009، وتعافى مئات الآلاف من الناس من الأسوأ، وتم إيجاد لقاح للقضاء على الوباء حين تحركنا بسرعة”.
9- الانانية الرأسمالية: ويضيف: “هذا لم يحدث اليوم، على الرغم من توفر المعلومات منذ ديسمبر / كانون الأول 2019، عن أعراض وباء فتاك غير معروف مسبباته، والتي قدمتها الصين إلى منظمة الصحة العالمية حين تفشى الوباء في “ووهان” وتم تعميمها في العالم أجمع. كان تحرك ترمب وقادة أوروبا بطيئاً وغير مسؤول. ذلك لحسابات تجارية واقتصادية للنيوليبرالية، التي تحكم العالم خشية الخسائر التي سيتسبب بها العزل الاجتماعي، وإغلاق المؤسسات والشركات وتعطيل الحياة العامة ولمنفعة هؤلاء الأثرياء.
10- السوق قبل الانسان: وبسبب عقلية اقتصاد السوق، فضلت شركات الأدوية تصنيع كريمات البشرة، على إيجاد لقاح أو علاجات للأوبئة المحتملة، لأنها أكثر ربحاً. هم كانوا يعرفون منذ تفشي فيروس السارس بوباء كورونا المحتمل. فقد تم القيام بأبحاث منذ فيروس السارس، وتم تحديد التسلسل الجيني لسلالة سارس والتي ينتمي إليها فيروس كورونا؛ كتطور جيني محتمل للسلالة تم التأكد منه. ماذا حدث؟ لم تعمد الحكومات وشركات الأدوية العملاقة على الانكباب لتصنيع العلاجات أو اللقاحات لحماية الناس”.
11- جشع شركات الادوية: “حين سلمنا مصيرنا للاستبداد الخاص لشركات الأدوية، التي لا تخضع لمساءلة الجمهور، يقول تشومسكي، ولمصلحة نفعية للنيوليبرالية المتوحشة التي تتحكم باقتصاد السوق وفلسفة العرض والطلب؛ على مستوى العالم، وليس في الولايات المتحدة فقط، حيث الطاعون الجديد المتمثل في النيوليبرالية يقودنا إلى الهلاك. لقد تمت خيانتنا من النظم السياسية التي تتحكم بها النيوليبرالية، ويديرها الأغنياء، ولا خيار لنا سوى “الخروج من الطاعون النيوليبرالي”؛ للتعامل مع الأخطار المقبلة التي تلوح في الأفق في العالم. فالهند مثلاً حيث يقبع أكثر من مليار في العزلة الاجتماعية، ماذا سيحدث للذين يعيشون كل يوم بيومه “من اليد إلى الفم”؟ سيتضورون جوعاً ويموت المعزول وحيداً”.
12- مضاعفات الاحتباس الحراري: ويضيف: “ماذا عن الاحتباس الحراري في جنوب آسيا، حين تواصل حرارة المناخ بالارتفاع، ومع ازدياد مخاطر الجفاف وشُحّ المياه ونشوء نزاعات متعددة في العالم حول المياه، هناك بلدان مثل جنوب آسيا قد تصبح مناطق غير قابلة للعيش لعقود”.
13- كورونا انذار مبكر: وإذ يتساءل حول مصير البشرية بعد كورونا، يعتبر تشومسكي أن الفيروس التاجي حمل معه أشياء إيجابية، هي: إشارات تحذيرية لنا من الخطر الداهم الذي يلوح في المستقبل القريب، ليحثنا على التحرك والاستعداد. بخاصة أن الديمقراطية في خطر بسبب حالة الاستثناء التي يتحكم فيها “قلة قليلة هم أسياد النيوليبرالية”. وسيواصلون التحكم برأيه إن لم تتم الإجابة عن سؤال وجودي يطرحه تشومسكي بإلحاح، الآن تحت السحابة السوداء لهذه الأزمة، وهو: أي عالم نريد أن نعيش فيه؟
14- سباق الانسنة والمصلحة: يرى تشومسكي “أن أمامنا خيارات عديدة تتراوح “بين تركيب استبدادي للغاية” في العالم، تتحول فيه الدول إلى أكثر وحشية، أو خيار الراديكالية وإعادة إعمار المجتمع، أو خيارات أخرى؛ كالعودة إلى المصطلحات الإنسانية المعنية بالاحتياجات البشرية، وعدم تغليب الصوت الاقتصادي لمنفعة النيوليبرالية، التي سيسعدها التضخم الهائل لعنف الدولة، الذي بدأت ربما تجلياته تظهر تحت ذريعة التعامل مع أزمة فيروس كورونا، لا سيما إن طالت الأزمة.
15- همجية النيوليبرالية: “إن الاستماع إلى ما سمّوه “الصوت الاقتصادي لليبرالية الجديدة في عشرينيات القرن الماضي، يقول تشومسكي، أسعد الفاشية البدائية في فيينا وقامت الدولة النمساوية بتحطيم النقابات العمالية وحطمت الديمقراطية. وهو ما حدث في تشيلي على يد بينوشيه الذي قام بتركيب قاتل لديكتاتورية وحشية بحجة حماية الاقتصاد”. لذا من المتوقع – باعتقاده – أن يتصرف النظام النيوليبرالي العالمي بهمجية مفرطة عبر دول قوية عنيفة استبدادية.
16- كابوس التلهي عن الاستعدادات: أزمة كورونا، باعتقاد تشومسكي، هي مجرد جزء واحد من كابوس رهيب مقبل، وإن لم يشرع الناس، على الفور، في تنظيم أنفسهم ويتضامنوا في ما بينهم، لتحقيق عالم أفضل بكثير من العالم الذي يعيشون فيه، فهم سيواجهون مصاعب هائلة لطالما أعاقت طريق الحق والعدالة، كما الاستعداد للتعامل مع الخطرين الوجوديين: للحرب النووية، والتغيرات المناخية؛ والكوارث التي سيتسبب بها الاحتباس الحراري، والتي “لن نتعافى منها ما لم نكن حازمين في مواجهتها حين نصل إلى تلك المرحلة، وهي باتت وشيكة الحدوث”.
17- الانظمة العالمية معيوبة: يشدد تشومسكي على لحظة تاريخية حاسمة للإنسان. ليس فقط بسبب فيروس كورونا، بل لأن الفيروس يحضرنا للوعي بالعيوب العميقة التي تواجهها البشرية. “فالعالم معيب وليس قوياً بما فيه الكفاية للتخلص من الخصائص العميقة المختلّة في النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي كله، واستبداله بنظام عالمي إنساني، كي يكون هناك مستقبل للبشرية قابل للبقاء”. ويعتقد تشومسكي أن فيروس كورونا “علامة تحذير ودرس للبشرية، وعلينا أن نبحث في الجذور التي تؤدي إلى الأزمات، التي ربما تكون أسوأ مما نواجهه اليوم، والتحضير لكيفية “التعامل معها ومنعها من الانفجار”!
18- خطر التسليم للعزلة الجسدية: ويسأل تشومسكي: “في الوقت الذي تزداد فيه المسافة الاجتماعية في إجراءات العزل المنزلي والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي بين ملايين البشر في البلد الواحد، أو بين مليارات الأشخاص عبر العالم، كيف يمكن الحديث عن تأسيس حركة اجتماعية نشطة لتواجه ما نعيشه اليوم أو ما هو مقبل وقريب جداً من تهديدات وجودية؟ قد يبدو هذا الحديث غير واقعي، وقد يتصور البعض أن عصر الإنترنت كفيل بتسهيل الأمور، بل قد يرى أن العزلة الاجتماعية بدأت قبل كورونا بكثير وقد تسبب بها الاستخدام المفرط للهواتف الذكية المرتبطة بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وكل تكنولوجيا المعلومات لا سيما بين أوساط الشباب. لكنها قد تكون هي المخرج والوسيلة، إذا أُحسن استخدامها؛ لتنظيم الصفوف والتضامن الاجتماعي لخلق حركة اجتماعية واسعة النطاق.
19- المطلوب تجاوز العوائق: إن تمكن الناس من استخدام هذه التقنيات استخداماً جيداً في زمن العزل المنزلي والتباعد الاجتماعي، للانضمام والاستقطاب والتعاون والتنسيق والتشاور المتعمد، على الرغم من العوائق التي سيتسبب بها توقف الإنترنت لفترة من الوقت. تشومسكي يؤمن أن الناس سيجدون طريقهم وسيعثرون على وسائل أخرى للاستمرار وتوسيع الأنشطة وتعميقها وترميم انكساراتها ولملمة جروحها، ليبنوا عالماً جديداً قابلاً للعيش فيه. يكفي أن نمتلك الإرادة والعزم والتصميم! يكفي ألا نفقد الأمل”.
ثانيا: التوصيات
1- إن ما يجري حاليا، في ظل التطورات المباشرة و غير المباشرة لوباء كوفيد 19، من حيث الضخامة والشمولية، يشبه ما كان يجري ابان الحرب العالمية الثانية. وهذا يقتضي ضمنا، ان يشهد العالم، بعد كورونا، تغييرات كبيرة، تشمل مختلف جوانب حياة الانسان والدولة.
2- دول العالم، معرّضة لاعادة التموضع الجيو سياسي، كما أنها معرضة لاجراء تغييرات جوهرية في انظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بصورة مختلفة عمّا هي عليه حال ما قبل كورونا، أو بالاحرى في ظل القطبية الاحادية للولايات المتحدة الامريكية.
3- قد لا تكون مفهومة، جميع الكلمات او العبارات، التي يطلق قادة الدول العظمة (امريكا، روسيا، الصين)، ولكن النّبرة التي يتحدثون بها، تُفهم كل من يسمعها، أن الواقع مليئ بالمخاطر والتحديات. وأن التطورات المتوقعة، قد تحمل معها مخاطر اقسى واشد.
4- لعل من أبرز المخاطر وأظهرها، التي تهدد العالم، هي: الحرب النووية المدمرة والاحتباس الحراري، الذي يهدد الانسان والبيئة؛ وكلا الخطرين سيتركا آثارا مدمرة لعقود قادمة، ولن تبقيا العالم كما هو عليه الان.
5- من المتوقع ان يشهد المسرح الدولي مزيدا من الاجراءات العقابية، او المواقف المتطرفة، التي تنذر العالم بمزيد من التوتر والاحتقان؛ خصوصا، أن العالم، بحسب تشومسكي، محكوم بشخص معتل اجتماعي، مثل ترمب: يتمادى في التسلط فيما يسيطر على مقدرات اكبر قوة في العالم.
6- نجاح الدول الشرقية المسيطرة، في التعامل مع كورونا، وجهوزيتها لتقديم يد العون والمساعدة للدول الغربية، في اوروبا، في حين عجزت دول الغرب الرأسمالي، عن مساعدة نفسها وعجز الاتحاد الاوروبي عن مساعدة اعضائه؛ الامر الذي يثير علامات سؤال كبيرة حول مستقبل الاتحادات، والاوروبي منها، وعن نجاعة الانظمة؛ هل الديموقراطية ام المسيطرة؟
7- إن خطاب الحرب الذي تستخدمه، الدول الديموقراطية، مثل: امريكا، بريطانية، فرنسا، وغيرها، يؤكد بشكل او بآخر، أن الدولة، وخصوصا في الانظمة الغربية، ما بعد كورونا، سوف تنزع نحو مزيد من الاستبداد والسيطرة، وعدم الاكتفاء بترك الميدان للشركات الخاصة واقتصاد السوق.
8- يعني تخلف الانظمة الراسمالية عن مواكبة تحديات كورونا، بأن النيوليبرالية فشلت في التعامل مع هذه المستجدات الكبيرة، في حين أن العالم يحتاج الى عقلية الحركية الاجتماعية؛ أي انه يحتاج الى تقديم الانسان على السوق، وهذا الامر الذي لم تفهمة الدول الرأسمالية ولا الشركات الخاصة. وبحجم هذا الفرق، يمكن ان نجد التغيير المتوقع في انظمة الحكم الغربية.
9- في احد جوانبه، يمكن النظر الى كورونا، باعتباره انذار مبكر، يعلن فشل النظالم النيوليبرالي. ويدعو شعوب العالم أن تقدم جوابا واضحا لسؤال ملح، هو: في اي عالم نريد ان نعيش؟ هل نريد عالما أكثر انسانية؟ أم الاستمرار في عالم السوق والمصلحة؟
10- ينبغي الحذر، من ردة فعل همجية، من المتوقع ان ينفذها اقطاب النظام الرأسمالي، دفاعا من مكتسبات النيوليبرالية. وهي ردة فعل، ان سمح لها بأن تأخذ مداها، يتوقع ان تؤدي الى عواقب كراثية، لحقبة زمنية ليست قصيرة، يتوقع ان تصيب بالضرر الكرة الارضية وتؤثر في حياة الابناء والاحفاد.
11- ان نظام السوق، جعل الشركات، منشغلة في منتجات التجميل والموضة، على حساب منتجات الوقاية والعلاج المتوجبة لمواجهة فايروس كورونا، حتى أجل متأخر. وهو الامر الذي أدى، بشكل او بآخر، إلى وقوع خسائر بشرية اكبر. هذا الوجه البشع لهذه الشركات، وهذا الطبع الجشع لها، ينبغي ان ينبه الشعوب، الى ضرورة الاصرار على نظام يقدم الانسان على اي شيء آخر، ويمنع بقاء المقدرات ورأس المال مواكبة تطورات المشهد، الاستعداد لليوم التالي، سواء على مستوى تحديد ملامح الانظمة المناسبة للعيش فيها، او على بيد قلة قليلة، وترك الكثرة الكاثرة فقيرة بلا موارد ولا امكانيات.
12- إن الاكتفاء في مواكبة تطورات جائحة كورونا، وتداعياتها الراهنة وما يمكن ان ترتبه على العالم في المرحلة القادمة، يخفي واءه كابوس انقضاض جملة مخاطر؛ وهو الامر الذي يوجب على المهتمين والمتضررين والناس اجمعين، ان ينشغلوا، اضافة الى مستوى التعامل مع التحديات القادمة والمخاطر المتربصة.
13- اثبت الواقع، بأن الانظمة العالمية السائدة؛ في مجال الاجتماع والاقتصاد والسياسة، هي انظمة معيوبة، ظهر فشلها في حماية الانسان وتوفير الكرامة له والرفاهية لمعيشته؛ بالرغم من المقدرات الهائلة، التي تتوفر لها. وهذا يوجب اجراء عمليات تطوير او تغيير لهذه الانظمة بحيث تكون غير سابقتها الفاشلة، وتتناسب مع طموحات ا لانسان واحتياجاتة الضرورية والحضارية.
14- ينبغي عدم التسليم، للعزلة الجسدية والتباعد الاجتماعي؛ والتوقف عن التفكير الجماعي، والتدبير لمرحلة ما بعد كورونا. فإن عالم النت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والاحتياجات الاساسية المشتركة، كلها تشكل ظروفا مناسبة لاستئناف حوال منهجي وبناء، يتم تحويله الى برامج عمل ومشاريع قابلة للتنفيذ؛ بمجرد انقشاع غمامة كورونا وعودة الحياة الى طبيعتها.