آراءمحلي

المسفر: غرباء في أوطاننا

عبد الرحمن المسفر
عبد الرحمن المسفر

عبد الرحمن المسفر – الوطن:

«يعيش المرء مغتربا في وطنه، حينما يشعر ان مستقبله بات مجهولا» – من مشاهد الحالة الكويتية.

«اغتراب الذات» هو ان تسكن بروحك وجسدك في وطنك، ولكنك تشعر بأنك غريب، لا فرق يذكر في الأيام والليالي التي تمرُّ من عمرك، تتكسر طموحاتك على عتبات مستنقعات الفساد، وتذهب أحلامك الجميلة سدى بين موازين متهشمة، ترفع مقام أقوام تافهين وساقطين، وتخفض أقدار كرام باعوا الدنيا ولم يبالوا، ما أقسى ان ترى وطنك يباع ويشترى بأبخس الأثمان وأنت مغلول اليدين، تنتظر رحمات السماء واستجابة دعاء الصالحين.
قبل أعوام سافرت سائحا الى «فيينا»، وتعرفت على سائق تاكسي من احدى الجاليات العربية، ونشأت بيننا حميمية، والتقت أرواحنا بعيدا عن «أمة العرب»، وفتحنا صفحات قلوبنا لبعضنا، وسألته: هل تشتاق الى وطنك؟! ألا يأخذك الحنين الى مرابع الصبا؟! ألا تسكب دموعك على شريط الذكريات؟! ألا تتمنى ان تعود في يوم ما لتكون في أحضان بلدك وأهلك؟!، أجابني الصديق وقد تفجرت عيناه براكين من الدموع: «وجدت العدل والأمان ولقمة العيش والكرامة الانسانية وتقدير الكيان البشري واحترام القوانين هنا، أتريدني ان أعود لأواجه مستقبلا مخيفا»…. لم يغب عن مخيلتي ذلك المشهد الحواري، وأنا أراقب ما يحدث في وطني من صراع ونهب للثروات وضياع للأولويات وتراجع على مختلف الأصعدة، وخشيت ان نفقد – لا سمح الله – ما حبانا الله به من نعم ظاهرة وباطنة، بسبب «شلة» من الفاسدين والطامعين.
هناك من شد الرحال مهاجرا من وطنه «الكويت» الى أرض الله الواسعة، باحثا عن تحقيق ذاته علميا وفكريا وتجاريا، وثمة من هرب على استحياء في «هجرة متقطعة» مبتعدا عن أسواق الشعارات والصراخ والجدل والفضائح، وعلى هذه البقعة الطيبة يعيش ألوف من المواطنين، تلفهم غربة الذات، وتتلاطم في أنفسهم أمواج اليأس والرجاء، فقدوا – أو أوشكوا – الثقة في كل الأطراف المتحكمة بالمشهد السياسي، سواء أكانوا معارضة أم نوابا أم أعضاء من الحكومة أم رجال دين، وما أشد على المرء بلاءً من ان يكون غريبا في داره وبين أهله.
يغترب الانسان في وطنه عندما يصبح المتنفذون أقوى من القوانين، ويصبح المرء منعزلا عن مجتمعه حينما تتكسر قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، ويهيم الناس على وجوههم حائرين لحظة سيادة المحسوبيات والواسطات والمصالح البشعة، وتختل معادلة الانتماء والولاء والمواطنة اذا أسند الأمر الى غير أهله، وأفسحت المجالس والمناصب لأسخف خلق الله وأغباهم، ويجتاح اليأس عقول البشر فور غياب الأخلاق والفضائل.
أخيرا: عش غريبا في موطنك، فحياة الشرفاء خير من لهو الفاسدين وضجيجهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى