
بقلم د / محمد بن إبراهيم الشيباني

في الماضي كانت إرادة أغلب الدول المتحضرة الابتعاد عن الشحن والصراعات المؤدية إلى الاقتتال، فكانت هذه الدول تسعى جاهدة في بذل الإمكانات كافة لعدم التصادم الذي ليس وراءه إلا الدمار وضياع الدول وتدمير كل شيء فيها، ولكن كانت هناك نية أخرى عند دول كبرى وهي استخدام الجانب السياسي للعبور به إلى الجانب الآخر، وهو الحرب، فهذا قد كان واردا عند هذه الدول في فترة من الفترات، مثاله ما كان بين أميركا وروسيا في أفغانستان حتى هزمت روسيا هناك بمساعدة أميركا للثوار الأفغان، وكان لهزيمتها تلك فضل في انهيار الاتحاد السوفيتي,نرجع إلى عنوان المقالة، حيث كان بالإمكان لدول الربيع العربي، وتحديدا سوريا واليمن وليبيا وغيرها، ألا تحدث فيها صراعات واقتتال لو غلب الجانب السياسي على الجانب القتالي المسلح، وتجنيب دولها الويلات والدمار والهرب الكبير والتشتت لشعوبها بهذه الصور المأساوية المحزنة، ولسلمت أوروبا الخائفة اليوم من كثرة المهاجرين، ولكنها النية الأخرى عند الدول الغربية المستفيدة من هذه الحروب وإشعال الفتن هنا وهناك، وتقريب هذا وإبعاد ذاك، وتصفية هذه العرقية أو الطائفة وإبقاء الأخرى التي تحقق لها مرادها,ومثال هذا كثير في إسقاط الدول وإضعافها والسيطرة عليها بعد ذلك، والعراق واحد من هذه الدول (كما قال سعد البزاز) الإيهام الذي أوحت به وسائل الإعلام في أميركا وأوروبا حول تمتع العراق بخامس قوة عسكرية في العالم، وهي مسألة مبالغ فيها إلى حد كبير، وقد استخدمت لهدفين: استدراج العراق إلى تشغيل ذراعه العسكرية، والثاني تبرير سحقه عسكريا باعتباره قوة عسكرية خطيرة,قوله «الجيش الخامس» لتبرير ظهور مشاهد الكارثة التي توالت في إيقاع منظم لتهديم العراق وتهشيم قدراته المادية,وهذا ما حصل بالفعل، كما ذكر البزاز في «رماد الحروب» فأين العراق اليوم بل سوريا واليمن وليبيا وغيرها التي كانت نوعا ما مستقرة؟ فالتغيير صار عندهم ليس إلى الأفضل بل إلى الهدم والكوارث وإذكاء الصراعات الداخلية والقتال المسلح حتى تنفيذ نهاية المخطط,السياسة كان من الممكن لها أن تغير واقعاً في الدول بل تزيل حكومات وتأتي بغيرها من غير قتال أو تحطيم البلدان وتهجير أهلها قسراً,إنه الإنسان الذي قلب الدبلوماسية إلى عقيدة دينية عنصرية طائفية يقاتل بها تحت ستار الإرهاب والإصلاح والتغيير إلى الأفضل، ولكنه إلى الدمار ليس فقط للمغدور به بل إلى الغادر بعد حين، حيث ستأتيه نار الحرب في مكانه. والله المستعان.