آراء

هدنة أم وقف إطلاق النار؟

المحامي عبد الناصر حوشان
دخلت حيز التنفيذ صباح اليوم الجمعة الهدنة ’’الإنسانيّة‘‘ بين الفصائل الفلسطينيّة في غزّة وبين الكيان الصهيوني التي تضمّنت عدّة بنود ومنها : أن تطلق المقاومة عن خمسين من المستوطنين المدنيين مقابل إطلاق إسرائيل سراح مئة وخمسين من المعتقلين الفلسطينيين من النساء والأطفال المعتقلين في إسرائيل ، على أن يتم زيادة أعداد المفرج عنهم في مراحل لاحقة من تطبيق الاتفاق”، والسماح بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية”.
تُعتبر هذه الهدنة المؤقّتة وفقاً للموازين والمعايير العسكريّة والسياسيّة انتصاراً ثانياً للمقاومة الفلسطينيّة بعد يوم الطوفان، للتفاوت الكبير في الامكانيّات العسكريّة والماديّة بين المقاومة وبين العدو الصهيوني ، وكذلك الامكانيّات السياسيّة التي كانت الى جانب العدو في عدوانه حيث اصطفت أغلب دول العالم الى جانبه في مواجهة المقاومة التي تخلّى عنها الحليف ’’المحورجيّ‘‘ قبل الشقيق ’’المُتصهين ‘‘ والصديق الجبان الذي ارتأى بالنأي بنفسه السلامة من تبعات الوقوف مع الحقّ في وجه الباطل
رغم التخاذل الدولّي الذي يرفى الى شراكة تامّة في العدوان على غزّة الذي كان من المفترض به التدخّل الإنساني على الأقل للحفاظ على ماء وجهه والحفاظ على الحد الأدنى من مصداقيّته واحترامه للقانون الدوليّ والقانون الدوليّ الإنساني والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان في رفع الحصار الذي ضربه الكيان منذ سبعة عشر سنة على غزّة ووقف العدوان الأخير الذي أتى على حياة البشر والشجر وتدمير كل مقومات الحيا ة أو تدمير كل عوامل البقاء . الأمر الذي يوجب على المجتمع الدولي التدخّل لمنع هذه الجرائم ووقفها وحماية السكّان ، وتوفير الغوث الإنساني سواءً للجرحى أو المرضى أو للمدنيين وباقي الفئات المحميّة بموجب القانون الدوليّ الإنساني .
وحيث أنّ القانون الدوليّ حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، واعتبر أنّ تقديم الغوث الإنساني للسكان المدنيين المحرومين من الإمدادات الأساسية لبقائهم كالأغذية والموادّ الطبية من الواجبات الاساسيّة على الأطراف المتحاربة . وعدم جواز تدمير السلع الأساسية أو تمنع المدنيين من الحصول على مثل هذه السلع وخاصّة عندما يقع المدنيون أنفسهم في قبضة الطرف الخصم، والذي قد ينشأ عن احتلال الأراضي، أو كون المنطقة محاصرة، أو كون الأفراد معتقلين أو محتجزين.
وحيث أنّه لا يجوز عرقلة أو منع جميع إرساليات وتجهيزات الغوث والعاملين عليها حتى ولو كانت هذه المساعدة معدة للسكان المدنيين التابعين للخصم.
بناءًا عليه ولتوضيح اللبس الذي وقع به الكثير نتيجة الخلط بيم مفهوم الهدنة وبين مفهوم وقف إطلاق النار ، وبين مفهم الهدنّة الإنسانيّة وبين الهدنة ’’الحربيّة ‘‘ وبين مفهوم ’’الأسرى ‘‘ ومفهوم ’’ الرهائن‘‘ الذي يُصرُّ الكيان الصهيون على وصف اسراه لدى فصائل المقاومة به بهدف تجرمها بجريمة حرب الأمر الذي يقتضي منا تحديد المصطلحات وبيان مدلولاتها وأبعادها :
أسرى وليس رهائن:
الأسير : وسّع البرتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 تعريف أسير الحرب الذي حددّته اتفاقيّات جنيف لسنة 1949 حيث أخذ بعين الاعتبار مفهوم “المقاتل” الآخذ في التطور والمرتبط بالأساليب العسكرية الجديدة. وبموجب التعريف الجديد، لم يعد وضع أسير الحرب يقتصر على المقاتلين من أفراد في القوات المسلحة، إذ قد يمنح للمدنيين المشاركين في الأعمال العدائية والأفراد في حركات المقاومة والمشاركين في الانتفاضات الشعبية. وبالتالي ليس لفئة “مقاتل غير مشروع”، التي يتذرّع بها بعض البلدان لحرمان بعض المقاتلين من وضع أسير الحرب، أي أساس قانوني في القانون الإنساني. حتى في حال ارتكاب مقاتل ما انتهاكات صارخة للقانون الإنساني، لا يجوز أن يحرم من وضع أسير الحرب والحماية الممنوحة بموجب هذا الوضع.
من المعروف بأنّ الكيان الصهيوني يقوم على تشكيلات ’’عسكريّة نظاميّة ‘‘ وتشكيلات ’’شبه عسكريّة ‘‘ وتضم كل المستوطنون القادرون على حمل السلاح من غير العسكريين نساءً ورجالاً وهم قوام قوّات الاحتياط الاستيطانيّة . وبالتالي كل من يقع منهم بيد المقاومة يجري عليه حكم ’’المقاتل ‘‘ ولا يُعتبر ’’رهينة ‘‘ وإنّ توصيفهم بالرهائن له مدلول قانونيّ يجرّم المقاومة بارتكاب جريمة حرب وهي جريمة ’’أخذ الرهائن‘‘ المنصوص عنها بالمادّة ’’3‘‘ المشتركة في اتفاقيّات جنيف الأربع لسنة 1949 والمادتين ’’34 و147‘‘ من اتفاقيّة جنيف الرابعة والمادّة ’’75‘‘ من البروتوكول الأوّل الملحق بها لسنة 1977.
الرهائن : عرّفت الاتّفاقيّة الدولية لمناهضة أخذ الرهائن لسنة 1979 التي دخلت حيّز التنفيذ سنة 1983ا ’’آخذ الرهينة‘‘ بأنّه :أي شخص يلقي القبض أو يحتجز أو يهدّد بقتل أو إيقاع الأذى أو مواصلة احتجاز شخص آخر ’’رهينة‘‘ من أجل إجبار طرف ثالث، أي دولة، أو منظمة دولية أو حكومية دولية، أو شخص طبيعي أو اعتباري، بصفته القانونية، أو مجموعة أشخاص، على القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام به كشرط صريح أو ضمني لإطلاق سراح الرهينة، فإنه بذلك يرتكب جريمة احتجاز الرهائن.
الهدنة الحربيّة : لقد نظّمت اتفاقيّة لاهاي لسنة 1907 احكام ’’الهدنة‘‘ اتفاقيات الهدنة في المواد من ’’36 الى 41‘‘ :
تعريف الهدنة: اتفاق متبادل بين الأطراف المتحاربة على تعليق عمليات الحرب ، ويجوز لأطراف النزاع، في حالة عدم تحديد مدة الهدنة، استئناف العمليات في أي وقت، شريطة أن يتم إنذار العدو في الأجل المتفق عليه وفقاً لشروط الهدنة.
يمكن أن تكون الهدنة شاملة أو محلية: وبموجب الهدنة الشاملة تعلق عمليات الحرب في كل مكان بين الدول المتحاربة، بينما تقتصر الهدنة المحلية على بعض أجزاء الجيوش المتحاربة وضمن نطاق معين.
الإخطار الفوري بالاتفاق :ينبغي إخطار السلطات المختصة والجيوش رسمياً وفي الوقت المناسب باتفاقية الهدنة. وتتوقف العمليات العدائية بعد استلام الإخطار فوراً، أو في الأجل المحدد.
الأطراف المتعاقدة هي التي تبت وفقاً لشروط الهدنة في تحديد العلاقات التي قد تنشأ في مسرح الحرب والعلاقات مع السكان والعلاقات فيما بينها.
انتهاك اتفاق الهدنة : كل انتهاك جسيم لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الأطراف يعطي للطرف الآخر الحق في اعتبارها منتهية بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة.
خرق اتفاق الهدنة : إن خرق شروط الهدنة من طرف أشخاص بحكم إرادتهم ، يعطي الحق في المطالبة بمعاقبة المخالفين فقط ودفع تعويض عن الأضرار الحاصلة إن وجدت.
وقف إطلاق النار : هو اتفاق ينظِّم وقف جميع النشاطات العسكرية لمدة معيَّنة في منطقة معيَّنة. ويجوز الإعلان عنه من جانب واحد أو التفاوض عليه بين أطراف النزاع ، أو فرضه ضمن الإجراءات القسريّة من قبل مجلس الأمن الدوليّ تحت الفصل السابع ، باعتبار أنّ وقف إطلاق النار واجب في النزاعات المسلّحة لتمكين الأطراف من جمع وتبادل ونقل الجرحى والمرضى المتروكين في ميدان القتال.
وينصّ القانون الإنساني على أنه ’’ كلما سمحت الظروف، يتفق على تدبير عقد هدنة أو وقف إطلاق النيران أو ترتيبات محلية لإمكان جمع وتبادل ونقل الجرحى والمرضى المتروكين في ميدان القتال” وفقاً للمادة ’’15‘‘ من اتفاقيّة جنيف الأولى لسنة 1949 .
وفي أغلب الأحيان لا يكون هدف إتاحة المجال للقيام بالأعمال الإنسانية هو الهدف الرئيسي لوقف إطلاق النار ، إذ أنّه قرار عسكري يستجيب لأهداف عسكريّة استراتيجية مثل تجميع القوات تقييم قدرات الخصم وسلسلة القيادة أو إجراء مفاوضات.
الهدنة الإنسانيّة : غالباً ما يتم استخدام الغوث الإنساني في النزاعات المسلّحة والحروب كأوراق تفاوضيّة في سياق وقف إطلاق النار حيث يتمّ استخدامها كورقة مساومة بين أطراف النزاع، للحصول على تسويات سياسية أو عسكرية أو لاختبار حسن نيات الخصم أو قدرته على السيطرة على قواته أو على منطقة معينة.
وهو ما قام به الكيان والدول الداعمة له من حرمان المدنيين والجرحى والمرض و منظّمات الغوث الإنساني و المنظومات الطبيّة والإنقاذ و الدفاع المدني وتهديد حياتهم ، أو حرمانهم من حقوقهم التي أقرّتها القواعد المذكورة ، تعطيل عمل المنظمات الدولية أو المنظمات غير الحكومية من أداء دورها في أعمال الإغاثة الأمر على الرغم من أنّ الأمم المتحدة مُلزمة بالتدخّل إمّا عن طريق الجمعيّة العامة تحت الفصل السادس أو عن طريق مجلس الامن الدولي تحت الفصل السابع لفرض ممرات آمنة لدخول ومرور ووصول وتوزيع الإغاثة الانسانيّة على مستحقّيها دون أي معوقات من قبل الأطراف المتحاربة و هو ما سبق و أن قام به مجلس الأمن الدولي في البوسنة والهرسك بموجب قراره رقم ’’ 770 ‘‘ لسنة 1992 . وقراره رقم ’’ 688‘‘ لسنة 1991
وحيث أنّ’’ الغوث الإنسانيّ‘‘ لا يخضع للمساومة ولا المقايضة ولا الابتزاز وإنّما هو واجب قانوني ملزم بموجب المادتين’’ 70 و71 ‘‘ من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والسارية على النزاعات المسلحة الدولية، وفي المادة ’’18 ‘‘ من البروتوكول الإضافي الثاني السارية في النزاعات المسلحة غير الدولية وقواعد القانون العرفي’’ 32 و53-56‘‘ وهذه القواعد، ملزمة لجميع الأطراف في النزاع، حتى لو لم تكن موقعة على الاتفاقيات، والتي تتضمن جماعات مسلحة من غير الدول ، لضمان حقّ المدنيين بالحياة و حق الجرحى والمرضى و البقاء على قيد الحياة ، وبالتالي فإنّ فرض أيّ شروط على جانب المقاومة يفقد ’’ الغوث الإنساني‘‘ معناه ويحوّله من واجب قانوني و إنساني مُلزم إلى ملف تفاوضي عنوانه ’’ الاسرى مقابل الغذاء ‘‘ ، وللأسف هذا ما حذّرنا منه في مقال سابق وقد وقع .
بناءًا على ما سبق نستخلص النتائج التالية :
بما أنّ الهدنة هي وقف العمليـات الحربيـة مـع الإبقاء على حالة الحرب وهو ’’عمل حربي وسياسي‘‘ ومن مقتضياته عودة الحال الى ما كان قبل العمليّات الحربيّة ، ولا تتأثّر الحدود السياسية والجغرافيّة بخطوط الهدنة، وفي معرض الحديث عن هدنة ’’غزّة ‘‘ فإنّ الخطر الكبير على اشقائنا هناك هو تكريس الحدود التي وصل إليها العدوّ بعد إفراغها من سكّانها قسراً عبر القتل و التدمير و الإبادة الممنهجة لقتل ما يمكن قتله و إصابة ما يمكن اصابته و عطبه عبر الحاق الأذى الجسدي الجسيم به ، و القضاء على كل مقوِّمات الحياة لدفع من تبقّى للبحث عن ملاذ آمن و عن المأوى و المأكل و المشرب.

  • وبما أنّ الاتفاق الجاري لا يعني وقف إطلاق النار فهو غير ملزم للطرفين بالامتناع عن القيام بعمليات عسكريّة بعد انقضاء الأيام الأربع التي تضمّنها الاتفاق وبالتالي سيكون مدخل الغدر الإسرائيلي الذي سيدخل منه المجرم نتنياهو وعصابته لاستئناف العدوان على غزّة.
    وبما أنّ المقاومة ومنذ اليوم الأوّل لعمليّة طوفان الأقصى قامت بحماية ’’الاسرى‘‘ وقامت بجمعهم من أيدي المواطنين الذي أسروهم اثناء عمليّة الطوفان ، ولم تُهدّد بقتلهم أو إيذائهم بل على العكس عرضت على الكيان الإسرائيلي استلامهم مقابل إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيّين لديه ولكنّه رفض وقام باستهداف أي موقع يمكن تواجدهم فيه وقتل عدداً منهم نتيجة ذلك فإنّه فمن الخطأ والمغالطات القانونيّة توصيف هؤلاء بـ ’’الرهائن‘‘ لأنّه يعني تجريم الفصائل بجريمة حرب وأنّ الصواب توصيف اعتقال ’’الكيان‘‘ للأطفال والنساء الفلسطينيّين على أنّه أخذ رهائن وتجريم سلطات الكيان وفقاً للنصوص المذكورة أعلاه.
    يُمكن تطوير هذا الاتفاق إذا وجِدت الإرادة الصادقة والحقيّقيّة لدى المجتمع الدوليّ لحماية سكّان غزّة من جريمة الإبادة ووقف العدوان الإسرائيلي وفرض ممرّات آمنة لدخول ومرور وتوزيع ووصول الغوث الإنساني في غزّة ، عبر عقد جلسة لمجلس الأمن الدوليّ وفي حال استخدام الفيتو اللجوء الى الجمعيّة العامة للأمم المتحدة استناداً لقرار متحدّون من أجل السلام رقم ’’377‘‘ لسنة 1950 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى