آراء

وضع غزة تحت الوصاية الدولية في القانون الدولي

الدكتور/ السيد مصطفى أحمد أبو الخير
خبير أكاديمي فى القانون الدولي

بعد أن أثبتت عملية طوفان الأقصى فى السابع من شهر أكتوبر هذا العام هشاشة الكيان الصهيونى المحتل، وتكبده من قبل أفراد المقاومة خسائر فادحة لم يعتد عليها هذا الكيان الهش منذ نشأته حتى الآن، سارعت الولايات الأمريكية ومعها أوربا العجوز الغادرة بطرح مسألة حل الدولتين كما ورد فى توصية التقسسيم رقم (181) الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكل مرة يطرح هذا الحل سيئ السمعة مع بداية أية قتال ينشب بين الكيان والمقاومة الفلسطينية، للتخدير والتضليل، وما ضاعت القدس إلا بفعل التوصية سالفة الذكر حينما نصت على تدويلها.وحاليًا تتردد تصريحات صريحة وغير صريحة بضرورة تدول قطاع غزة، وهو ما يخالف القانون الدولي، وبخاصة وأن فصائل المقاومة الفلسطينية تعتبر في القانون الدولي حركة تحرر وطني، لا يجوز نزع سلاحها بل بالعكس المجتمع الدولي بأشخاصه وآلياته مطالبات بمساعدتها عسكريًا حتى تنال استقلالها.
والكيان الصهيوني الهش ومعه الولايات الأمريكية قد أرتكبوا كافة الجرائم المنصوص عليها بالمادة الخامسة من ميثاق روما والسادسة والسابعة والثامنة والثامنة مكرر، بل اضافوا إليهم جرائم لم ترتكب من قبل، وخالفوا وانتهكوا كافة القواعد والأحكام الواردة فى القانون الإنساني الدول وبخاصة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م ولاسيما الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين فى النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م، وارتكب الكيان الصهيوني – الذى ظهرت هشاشته بشكل واضح بعد عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر فى هذا العام – والولايات المجرمة الأمريكية التى تعد فاصلًا أصليًا فى كافة الجرائم المرتكبة ضد المدنيين والمستشفيات والأطقم الطبية والمدارس والمصالح الحكومية فى غزة.
لم تترك القوى الكبرى في المجتمع الدولي وسيلة من الوسائل المشروعة وغير المشروعة إلا واستخدمها لبسط هيمنها وسيطرتها علي أشخاص وآليات المجتمع الدولي، فالصراع بين الخير والشر موجود على مرّ العصور وكر الدهور، بل أن المجتمع الدولي لم ينعم طيلة حياته بالأمن والسلام سوى سنوات معدودات، وهذا الصراع أخذ عدة أشكال ومراحل، أشد هذه الصراعات فتكا وإجراما وخطورة تتمثل في الصراعات الدينية أو العقدية، فهي أشد أنواع الصراعات ضرواة. لم تترك هذه القوى الكبرى وسيلة من وسائل الحرب المشروعة وغير المشروعة وحتى غير الإنسانية إلا واستخدمها بضراوة وإجرام غير مسبوقين وبلا قيود أو ضوابط أو رحمة أو إنسانية.
وهذه الوسائل والحروب تتلون فى كل عصر بلونه ،وتستخدم آلياته السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، بل نستطيع القول وبدون مغالاة، أن أشد الأسلحة فتكا وخطورة وآثارًا أنتجت لذلك.
ومن الوسائل المستحدثة التي تستخدمها القوى الكبرى في عصرنا الحالي، وسيلة تدويل الأزمات الداخلية الوطنية المفتعلة داخل الدول وبخاصة في منطقتنا العربية والإسلامية، وقد بدأت هذه الحيلة في الأيام الأخيرة من الخلافة الإسلامية العثمانية، تحت مزاعم باطلة تتمثل في الدفاع عن الأقليات وخاصة الدينية في ولايات الخلافة العثمانية، وتحت هذا الزعم الباطل تم الحديث عن حقوق هذه الأقليات والتباكي المصطنع علي أهدار هذه الحقوق، وضرورة رفع الظلم عن هذه الأقليات والسماح لها بممارسة شعائرها وطقوسها الدينية بحرية، وحقها في أن يكون لها قضاء مستقل وقانون خاص ينظم مسائل تخص العقيدة وخاصة مسائل الزواج والطلاق، التي أطلق عليها زورا وبهتانا (بالأحوال الشخصية).
وبعد الدفاع المزعوم عن الأقليات الدينية بات يطالب بحق هذه الأقليات في تقرير مصيرها وهو المبدأ السياسي الذي دخل القانون الدولي لتحقيق أغراض سياسية والدفاع عن مصالح مزعومة غير مشروعه وليس عن حقوق ثابتة، وتقدمت المؤامرة خطوة أخري بضرورة تقرير حق المصير لهذه الأقليات حتي تتمكن من ممارسة حريتها الدينية والوطنية، من أجل ذلك نشأت دويلات ودول دون أن يكون لها أو تمتلك آليات وإمكانات الدولة سواء السياسية أو الاقتصادية و غيرها، وفي عصرنا الحاضر يتم تدويل قضايا وطنية داخلية تخضع بالكامل لسلطة الدولة وسيادتها، وتعتبر من صميم الشؤون الداخلية للدولة، ومنها تدويل قضية الحرب حاليًا على غزة ومحاولة وضع غزة تحت الوصاية الدولية كما كانت فلسطين منقبل تحت الانتداب فى عهد العصبة ثم الوصاية الدولية فى ميثاق الأمم المتحدة، وأبرز ما جاء فى ذلك ما ورد فى توصية التقسيم من مدينة القدس الشريف التى سلمتها الأمم للصهاينة كمدخل لاقتطاع جزء مهم من فلسطين المحتلة.
1 – تدويل غزة بداية لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية عن طريق الهيئة الدولية والمجتمع الدولى، حتي يستريح الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة من السلاح الوحيد الذي استطاع أن يهزم كل من الولايات المجرمة الأمريكية والكيان الإسرائيلي لأول مرة في تاريخ الصراع.
2- للتخلص من سلاح المقاومة بإظهاره للعالم والمجتمع الدولي ونعته بالإرهاب وليس لتحرير الأرض من المحتل.
3 – تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وخاصة بأنها إسلامية مما يجعل منهج المقاومة والجهاد يعود بقوة إلي الصراع العربي الغربي، وليس فقط الصراع العربي الصهيوني، مما يفسد كافة مؤامرات القوى الكبرى وبخاصة الولايات الأمريكية في المنطقة.
4 – المقاومة وسلاحها أفشلت المهمة التي من أجلها تم زرع الكيان الصهيوني في المنطقة والمتمثلة في إضعاف الدول العربية والإسلامية في المنطقة ومنع أي محاولة لوحدة دول هذه المنطقة، واستنزاف مواردها المالية والبشرية في الصراع.
تدويل القضايا الوطنية يعتبر انتهاكًا صريحًا لمبدأ السيادة والمساواة فيها في القانون الدولي والمنصوص عليه في المادة الثانية الفقرة الأولي من ميثاق الأمم المتحدة التي نصّت على ( تقوم الهيئة علي مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها) وكذلك مبدأ تنفيذ الألتزامات الدولية بحسن نية الوارد في ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية الفقرة الثانية التي نصت علي ( لكي يكفل جميع أعضاء الهيئة لأنفسهم الحقوق والمزايا المترتبة علي صفة العضوية يقومون بحسن نية بالالتزامات التي أخذوها علي أنفسهم بهذا الميثاق ) تدويل غزة يتم بسوء نية من قبل الدول الكبرى وبخاصة الولايات الأمريكية، لتحقيق أهداف غير مشروعة ومخالفة تمامًا للقانون الدولي، وخاصة القواعد العامة الآمرة فيه، والتي لا يجوز حتي الاتفاق علي مخالفتها من قبل الأطراف المعنية، ويقع أي مخالفة لذلك باطلة بطلانًا مطلقًا، أي لا يرتب عليها القانون الدولي أي آثار قانونية، ولا يعتبرها القانون الدولى تصرفا قانونيا بل عمل مادي يقف عند حده، وكذلك مبدأ حق تقرير المصير الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة الأولي الفقرة الثانية والمادة الخامسة الخمسين من الميثاق.
وأيضًا مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الوارد في المادة الثانية الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت علي ( ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحكم بحكم هذا الميثاق، علي أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع) تطبيقا لهذه الفقرة يتبين عدم أحقية الأمم المتحدة في التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة في المجتمع الدولي، كما حظرت هذه الفقرة علي الدول عرض ما يعتبر من صميم السلطان الداخلي للحل بناء علي ميثاق الأمم المتحدة، أي أن الأمم المتحدة ليس مختصة بالنظر في المسائل الداخلية للدول الأعضاء.
ختامًا: نقرر أن تدويل غزة مخالف للقواعد العامة/ الآمرة في القانون الدولي العام، مخالفة صريحة وكبيرة، مما يجعله عملاً ماديًا وليس تصرفًا قانونيًا، أي أن التدويل باطل بطلانا مطلقًا في القانون الدولي العام، ولا يجوز الاتفاق علي مخالفته من قبل الأطراف المعنية، ويقع كل اتفاق علي مخالفته من قبل المجتمع الدولي أشخاص وآليات باطل بطلانا مطلقا ولا يجوز تصحيحه بقبوله أو الرضا به من قبل الأطراف.
لذلك ينبغى العمل على أحالة مرتكبى الجرائم الدولية ضد غزة للمحكمة الجنائية الدولية أو تشكيل محكمة دولية خاصة مثل رواندا ويوغسلافيا أو طلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول التكييف القانونى لتلك الجرائم والتى منها جريمة الابادة الجماعية طبقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الإبادة لعام 1968م.
والعمل بجد على عدم وضع غزة تحت الوصاية الدولية حتى لا تضيع كما ضاعت مدينة القدس الشريف بشرقها وغربها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى