كيف نربي أولادنا ؟

أولا : يجب أن ننتبه إلى أن الأخلاق السيئة في الغالب توافق شهوات النفس وهواها ؛ لذلك يتخلق بها الطفل بأدنى مؤثر وبأضعف سبب ، وفي المقابل الأخلاق الحسنة : هي تهذيب للنفس وكفها عن شهواتها التي تفسدها وتفوّت عليها مصالحها ؛ فالأخلاق الحسنة هي السير في الطريق المعاكس لهوى النفس ؛ فهي عملية بناء تحتاج إلى جهد واجتهاد , والتربية الصحيحة هي أن نثبّت الأخلاق الحسنة في نفس الطفل تثبيتا قويا يمكنّها من مغالبة الشهوات الفاسدة، ويجعل النفس لا تشعر براحتها إلا مع الأشياء التي تصلحها، وتمقت كل ما يعارض هذه الأخلاق الحسنة وحتى يتقبل الطفل هذا الأخلاق الحسنة لا بد من تحبيبها له ، والحبّ لا يمكن أن يأتي بالقهر والشدة وإنما يحتاج إلى ما يلي:
1- الرفق واللين.
وقد وردت عدة أحاديث نبوية ترشد إلى استعمال الرفق واللين في التعامل ، منها :
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ) رواه البخاري , ومن طبع الأولاد أنهم يحبون الوالد الرفيق بهم ، المعين لهم ، الذي يهتم بهم ، لكن من غير صراخ وغضب ، قدر الطاقة ، بل بحكمة وصبر .
فالطفل في سن يحتاج فيها إلى الترفيه واللعب ، كما أنه في السن المناسبة للتأديب والتدريس ، فلهذا يجب إعطاء كلّ شيء حقه باعتدال وتوسط , والأولاد إذا أحبوا الوالد الرفيق كان هذا الحب دافعا قويا لهم لطاعة الوالد ، وبالعكس فغياب الرفق ، وحضور العنف والشدة ، يسبب النفور ، وبالتالي التمرد والعصيان ، أو سيطرة الخوف الذي يولد في الطفل الكذب والخداع .
2- التعامل بالرفق لا ينافي استعمال العقوبة عند الحاجة إليها ، لكن يجب أن ننتبه إلى أنّ العقوبة في عملية التربية يجب أن تستعمل بحكمة ؛ فلا يصح أن نعاقب الولد على كل مخالفة يقوم بها ، بل تكون العقوبة ، حيث لا ينفع الرفق ، ولم يؤدبه النصح والأمر والنهي .
كما أن العقوبة يجب أن تكون مفيدة ، فمثلا عند المعاناة من قضاء الأولاد لوقت طويل أمام التلفاز ، فيمكن أن نحدد لهم برامج لمشاهدتها ، تنفعهم ولا تضرهم غالبا ، وتخلو من المنكرات قدر الطاقة ؛ فإن تجاوزوا الوقت المحدد ، فيمكن أن تعاقبيهم بحزم بحرمانهم من التلفاز ليوم كامل ، وإن خالفوا مرة أخرى فيمكن أن تحرميهم منه لمدة أكثر من ذلك ، بحسب ما يحقق الغرض ، وينفع في الأدب .
3- القدوة الحسنة .
على الوالدين أن يلزموا أنفسهم أولا بالأخلاق التي يسعون إلى تأديب الأولاد عليها ، فلا يليق مثلا أن ينهى الوالد ولده عن التدخين وهو نفسه يدخن , ولهذا قال أحد السلف لمعلم أولاده : ” لِيَكُنْ أولَّ إصلاحكَ لِبَنِيَّ إصلاحُك لنفسِك ، فإن عيوبهم معقودةٌ بعيبك ، فالحَسَنُ عندهم ما فَعلت َ، والقبيحُ ما تركتَ “
4- البيئة الصالحة :
وهي البيئة التي تمدح الفعل الحسن وتحترم فاعله ، وتذم القبيح وفاعله . وفي عصرنا الحاضر كثيرا ما نفقد هذه البيئة الصالحة ، لكن نستطيع بالجهد والبذل البدني والنفسي والمالي أن نصنعها إن شاء الله تعالى .
ثانيا : عليك بملازمة الدعاء خاصة في أوقات الإجابة كثلث الليل الأخير ، وأثناء السجود ، ويوم الجمعة ؛ فنكثر من دعاء الله تعالى بأن يصلح أولادنا،وأن يهديهم إلى الطريق المستقيم؛ فالدعاء للأولاد من صفات عباد الله الصالحين ،قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ).” ( قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) أي: تقر بهم أعيننا.
وإذا استقرأنا حال عباد الرحمن وصفاتهم ، عرفنا أنهم من هممهم وعلو مرتبتهم ،لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم ، عالمين عاملين ، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم ، فإنه دعاء لأنفسهم ، لأن نفعه يعود عليهم ، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم ، فقالوا: (هَبْ لَنَا ) بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين ، لأن بصلاح من ذكر ، يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم ، وينتفع بهم .