

• بدلاً من أن نستفيد من الاتفاقيات الثنائية، يستفيد منها الطرف الآخر فقط.
أصبحت العلاقات الاقتصادية في عصرنا الحديث هي المتحكم الأول في سياسات الدول وتحالفاتها وعلاقاتها الخارجية، وربما هذا ما يفسر حرص كثير من زعماء دول العالم على اصطحاب وفود كبيرة من رجال الأعمال والاقتصاديين خلال زياراتهم الرسمية الخارجية، تطلعاً إلى فتح آفاق جديدة من التعاون واستشراف مجالات استثمارية وتجارية متنوعة تعود بالنفع على شعوبهم، وتعزز مشاريعهم التنموية.
وفي كل زيارة رسمية لكبار المسؤولين نرى عبر الإعلام المرئي والمسموع والمقروء توقيع اتفاقيات متعددة في مجالات حيوية كالطاقة والغاز والتكنولوجيا والمياه والبحث العلمي والإعفاء الضريبي وغيرها. وأغلب ما أراه يتكرر في مثل هذه المناسبات توقيع اتفاقيات في المجال السياحي، إلا أنني في كل مرة أشاهد أو أسمع عن هذه الاتفاقية السياحية، أبتسم ابتسامة صفراء وأحياناً أقهقه من الدهشة والاستغراب!
فمنذ تأسيس قطاع السياحة المسكين في عام 2002، وحتى الآن وقّعنا أكثر من 20 اتفاقية مع دول سياحية مختلفة من شرق العالم إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. ومن ضمن بنود هذه الاتفاقية التبادل الخبراتي في مجال السياحة وتعزيز التعاون الاستثماري في هذا المجال وغيرها من الأمور المتعلّقة بالسياحة، ولكن للأسف إذا كانت كل الاتفاقيات من نوعية اتفاقياتنا السياحية، فإنها لا تتعدى أن تكون حبراً على ورق، أو لنقل من قبيل المجاملات والشو الإعلامي.
لنتحدث هنا عن الاتفاقية الأخيرة مع إيران، حيث قام وزير التجارة بتوقيع هذه الاتفاقية، ثم صرّح بأن إيران دولة تتميز بطقسها الجميل، وغناها بالمواقع السياحية الكثيرة التي يرتادها الكويتيون، بالإضافة إلى توافر السياحة الدينية.
وبالطبع هذا الكلام صحيح %100، لذا فإن إيران ستقوم كغيرها من الدول بتطبيق اتفاقية معنا بكامل بنودها لتسهيل مهمة دخول وخروج السياح الكويتيين إلى أراضيها، وفتح آفاق جديدة أمام رجال الأعمال الكويتيين للاستثمار في المجالات السياحية على أراضيها. أما من الجانب الكويتي وكما تردد اعلاميا، فيقوم بمنع دخول الزوار الإيرانيين إلى البلاد مهما علا شأنهم، أو ارتفع قدرهم، بل ويقوم الأمن الكويتي بإيقاف الكثير من الإيرانيين في المطار، حتى لو كان ذلك الموقوف سيدة من أعضاء البرلمان الإيراني، ولا عجب في ذلك، فجميع القادمين إلينا متهمون حتى تثبت براءتهم.. ولن تثبت!
ويتكرر هذا الأمر كثيراً مع الاقتصاديين ورجال الأعمال، وقد اصطدمنا بذلك خلال تنظيم معارض العقار والسياحة والسفر وغيرها من المعارض المتخصصة، فحينما ندعو شركات إيرانية وأجنبية للمشاركة في تلك المعارض عبر التنسيق مع سفارات بلادهم، يكون الرد بأن دخولهم يواجه بعوائق كثيرة. وبالتالي، نخسر فتح مجالات للتعاون والاستثمار المتبادل مع هذه الدول، وبدلاً من أن نستفيد من الاتفاقيات الثنائية، يستفيد منها الطرف الآخر فقط.. بينما تبقى الكويت تراوح مكانها، وتصدر خبراتها للآخرين من دون أي عوائق.
لا نطلب التهاون في الجوانب الأمنية، ولكننا نطلب الجدية في الاستفادة من الاتفاقيات السياحية على أرض الواقع، وعلينا أن نوازن جيداً بين الهواجس الأمنية والنظرة المستقبلية لأهمية الجانب الاقتصادي في علاقات ومستقبل الشعوب.
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
نقلا عن “القبس”.