Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
آراءمحلي

الفليج: اقبل ابنك كما هو

عصام الفليج
عصام الفليج

د. عصام الفليج – الوطن:

خلال هذه الأيام ظهرت نتائج امتحانات المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وبعد يومين المرحلة الثانوية، وتختلف ردود الأفعال من أسرة الى أخرى تجاه أبنائها الناجحين او الراسبين، والمتفوقين او المتوسطين، ما بين مكافأة المتفوق وتناسيه، وما بين معاقبة الراسب والتغافل عنه، وما بينهما من كلام كثير، يبدأ بالتهنئة والمباركة والتحفيز للمستقبل، وانتهاء بالتوبيخ والسخرية.. والعقاب!
وقد يسأل ولي أمر: هل يعقل ان يسخر أب من ابنه، او توبخ ام ابنتها.في مثل هذه الأمور؟!! هذا التساؤل من حيث المبدأ مستغرب، فما بالك بأمور ترتبط بالقدرات والامكانات، مثل التعلم والرياضة والفنون.. وغير ذلك؟!!
انظروا الى تجربة قرأتها لأحد الآباء مع ابنه، حيث يقول:
المستوى الدراسي لابني خالد منذ نعومة أظفاره بين الستين والسبعين بالمائة، وفي الصف الرابع ابتدائي كنت «اضغط» عليه كثيرا ليتفوق، وفي كثير من الأوقات كانت أمه «تقارنه» بزملائه واخوته وأقاربه المتفوقين، لدرجة أنه تأزم نفسيا، وبدأ يكلم نفسه كثيرا، ويبكي وهو نائم. (لاحظوا الكلمتين: أضغط، ومقارنة).
ومر المسكين بحالة اكتئاب شديدة، وذهبنا لطبيب نفسي، واشتكت أمه للطبيب قلة حفظ خالد، فأعطانا الطبيب دواء لتقوية الذاكرة، تسبب لاحقا في تكوين ماء على المخ، وذات يوم أحسست أننا نقود خالد نحو الجنون، نريد ان نحقق فيه حلم التفوق الدراسي فقط، كأننا نطلب من حصان ان يمشي بسرعة القطار، أحسست ان ابني بدأ يضيع مني، فقررت تغيير طريقتي القاتلة معه، وفعلت الآتي: ذهبت لزيارته في المدرسة، واستأذنت مدرس الفصل بأنني أريد ان أقول كلمة لابني أمام زملائه، ووقفت أمام التلاميذ وناديت على خالد ليقف بجواري، وأحطته بذراعي، وقلت لزملائه: اسمعوا يا شباب.. خالد هذا ابني، وأنا أحبه كثيرا، وهو يجتهد كثيرا ويذاكر، ومهما كانت درجاته قليلة فحبه في قلبي كبير، ومهما فعل فهو ابني وحبيبي، ومن اليوم سأطبق عليه القاعدة التي تقول «على المرء ان يعمل، وليس عليه ادراك النجاح»، ومن اليوم ان ذاكر وكان الأول فهو ابني وحبيبي، وان ذاكر ورسب فهو ابني وحبيبي، أريد أمامكم ان أتأسف لخالد عما فعلته معه فيما مضى.وقبلت رأس خالد أمامهم، وانهمرت الدموع من عيني ومن عين خالد، وأخذته في حضني وصفق جميع تلامذة الصف، وعدت يومها الى البيت مرتاحا، وعاد خالد سعيدا، وقال لي: لقد رفعت رأسي اليوم يا أبي، لقد قال لي زميلي الأول على الفصل: ليت لي أبا مثل أبيك.
ومرت الأيام وانا أطبق قاعدة «على المرء ان يعمل، وليس عليه ادراك النجاح»، وجاءت امتحانات الفترة الأولى، والتزمت بالقاعدة مع ابني، وبمرور الوقت بدأ خالد يطمئن في نومه، وتوقف عن الكلام مع نفسه، واختفى عنه التبول اللاارادي الذي كان عنده. قد تحسن خالد نفسيا ومعنويا، وهدأت نفوسنا من حوله، ولكن مستواه الدراسي لم يتحسن، ونحن نقبله اليوم كما هو، لأن هذه هي قدراته.
ويختم أبو خالد تجربته قائلا: ونصيحتي لكل أب بعد تلك التجربة.. ألا تضغط على ابنك كثيرا، فربما يتعب نفسيا، فتنفق في علاجه كل ما تملك ليعود طبيعيا كما كان وقد لا تنجح، فاستمتع بابنك كما هو. انتهى.
واعتقد انه لا يوجد منا من لم تمر عليه مثل هذه المواقف، كبرت او صغرت، معه او مع غيره، فلننتبه لأسلوب تعاملنا مع أبنائنا، فالقسوة والسخرية والتوبيخ لن تصنع نجاحا، والحب والتعويض وتوفير البدائل تحقق ما لا نتوقع من ايجابيات، فلعل مستقبل هذا الابن او البنت في غير التعليم الجامعي، فكم من ناجح بلا شهادة، كما كان آباؤنا الأوائل، وكم من متميز بلا تفوق، فاملأوا بيوتكم بالحب، والدعاء لأبنائكم بالصلاح والثبات على الدين، فكم من منزلق في طريق البشر.
٭٭٭
لاتنزعج من تقلبات الحياة، لأن حياتك مثل رسم القلب، اذا كان على خط واحد، فهذا يعني أنك ميت!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى