د. عبدالمحسن يوسف جمال:
حين طرح العلماء والفلاسفة الغربيون نظريتهم السياسية في الحكم من خلال فصل السلطات، ركزوا على اهمية استقلالها، وعدم تنازل احداها عن سلطتها للاخرى. وهكذا جاء مونتسكيو، وجان جاك روسو، وجون لوك بهذا النظام السياسي الجديد، وفي ذهنهم ابعاد الحكم عن التسلط من اية جهة، كي لا تتكرر مأساة اوروبا في حكم الاستبداد مرة اخرى.
ونجح هذا النظام لينقله الناس الى دولهم، فأصبح النظام السياسي المعتمد على فصل السلطات احدى سمات العصر الحديث.
وجاء المشرع الكويتي ليأخذ به ويجعله نظامه السياسي المعتمد في دستور الدولة، مع مراعاة بعض الخصوصيات الكويتية التاريخية المتوافق عليها بين ابناء الكويت.
وفي رأيي، بالغ الدستور الكويتي في حصانة النائب لدرجة كبيرة، تعدى بها حقوق المواطن العادي، واهمية العلاقات السياسية للدول.
فكان ان اعلن بان النائب يمثل الامة باسرها (حتى الذي لم ينتخبه)، وانه «لا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس او لجانه».
ومع ان هذه العبارة فيها من المبالغة في الحماية النيابية الشيء الكثير فإن الدستور واصل حماية النائب اكثر، حين بين ان «عضو مجلس الامة حر فيما يبديه من الآراء والافكار بالمجلس، او لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الاحوال».
واذا بررنا للمشرع الاول اخذه بهذا الحزم المتشدد في حماية النائب، كونه في بداية التجربة الديموقراطية، وكي يمارس النائب دوره بقوة واطمئنان، وان اضطر لمهاجمة الآخرين.
الا اننا، وبعد مرور نصف قرن، وبعد التجارب المريرة التي مررنا بها، وبعد استخدام بعض النواب هذه الصلاحيات في غير محلها، وبعد دراسة صلاحيات النائب في البرلمانات العالمية الاخرى، وبعد انتشار مفاهيم حقوق الانسان التي تحمي كل انسان، مهما كان مستضعفا، فان الوقت قد حان للتخلي عن هذه الحماية البرلمانية غير المبررة للنائب.
فالاصل في حقوق الانسان هو حق التقاضي للجميع، فكيف يمنع الدستور العادي مواطنا او جهة هاجمها نائب بغير حق من تحت قبة البرلمان، ولا يسمح له او لها بمقاضاته؟!
خاصة ان النائب كونه جاء عن طريق الديموقراطية التي يجب ان يحميها تلزمه بان يكون طرحه راقيا، واسلوبه مهذبا، وتصرفاته قدوة.
وفضلا عن اي واقع آخر، فان الوقت حان كي يعامل النائب بالمستوى القانوني نفسه الذي يعامل به المواطن العادي، كي تعم العدالة على الجميع، وكي لا يستغل احد صلاحيات عمله، خاصة اذا كان مستأجرا من الامة لتمثيلها التمثيل الصحيح
