شـؤون خارجية

تعرف على السر وراء زيارة أردوغان لـ “سواكن” السودانية

IMG_8626

جزيرة صغيرة بيضاوية الشكل فيها ميناء صغير للركاب والبضائع، ضاع صيتها بعد أن افتتح الإنجليز ميناء بورسودان في حقبة احتلاله للسودان بعد أن ثار أهل سواكن ضدهم واستطاع أمير الشرق عثمان دقنة أن يكسر المربع العسكري الإنجليزي الشهير.
كانت سواكن ميناء عظيماً يصل شرق البحر الأحمر بغربه، وكانت ميناء للحجاج القادمين من وسط إفريقيا وغربها بعد رحلة طويلة تستمر شهوراً وربما سنين حتى يضعوا أقدامهم على مياه سواكن، ويرتحلوا منها إلى أداء فريضة الحج.
عندما دخلتُ الجزيرة هالني سقوط المدينة القديمة وانهدام جميع بيوتها وتحوُّلِها إلى أطلال كاسفة أكلتها الرطوبة وأسنان الغبار، ولم تشفع لها حجارتها المرجانية في أن تبقى قائمة شاهدة على تراثها العريق القديم .
وبين هذا الركام يخرج لنا مبنى أبيض عظيم بسور عالٍ يخفق فيه العلم التركي، إنه مبنى الجمارك حيث كانت تضع السفن بضائعها أو تشحنها، تحملها أشواك الرافعات وتنقلها إلى المخازن، وتخصم أجور الدولة من البضاعة الصادرة والواردة، ويظهر من اتساعه وكثرة غرفة ما كانت عليه المدينة من ثروة وجاه ونفوذ تجاري، وقريب منها المسجد الشافعي الذي بُني زمان المماليك، وعلى بعد خطوات منه المسجد الحنفي الذي يتقلده العثمانيون في قضائهم الرسمي، وقد عادا بحلّة بيضاء بهية كما كانا في السابق.
ولا يخفى على المؤرخين أن تجارة سواكن وما تحمله من مواشٍ وسمن وعاج وحبوب وريش وحجارة كريمة وعسل وذهب … كانت تنعش أسواق الحجاز كلها؛
عام 1516 كان البرتغاليون يجوب أعالي البحار والمحيطات يحملون بيدهم رسالة تبشيرية تنصيرية، وبيدهم الأخرى عصا غليظة استعمارية، ووصلوا إلى سواكن وأصبحوا على الضفة المقابلة لميناء جدة وينبع حيث يصل حجاج الشرق !
كان الهدف البرتغالي واضحاً ! إن عيونهم تتجه إلى مكة قلب الإسلام، وهم ينوون ضرب النفوذ العثماني في أعز ما يملك هناك !
توجه السلطان العثماني الغازي سليم الأول ووصل هناك عام 1517 بعد إسقاط حكم المماليك في مصر لمنع البرتغاليين من تهديد الحرمين، وأعلن سيطرته على شرق إفريقيا حتى مصوع في إريتريا من خلال قائده أزدومير باشا، وحرم البرتغاليين من هدفهم الاستعماري، وجعل العثمانيون مدينة سواكن عاصمة لإيالة الحبشة التي تضم أنحاء من شرق السودان وإريتريا وإثيوبيا الحالية.
البحر الأحمر اليوم رغم كونه بحيرة إسلامية إلا أن السيادة الإسرائيلية فيه قوية جداً ومتمكِّنة، وقلّما أشار إليها أحد ، فسفنهم وزوراقهم الحربية وطائراتهم وعيونهم تعبر البحر دائماً بلا اعتراض، وتعرف “إسرائيل” مداخله وتتعامل مع جزره المعزولة النائية، وتسهّل للمهربين والمجرمين والعملاء فرصاً للتواصل معها في قلبه عبر مراكب الصيد والسفر أو محطات الجزر الصغيرة، تضع لهم ما تريد ويضعون لها ما تريد أيضاً .
وكان غريباً أن القرصنة البحرية في باب المندب والمحيط الهندي لم تمسّ سفينة إسرائيلية واحدة ولا أمريكية رغم كثرة تحركها مما يعني ارتباط القرصنة بالنشاط الإسرائيلي الفاعل، والذي أسفر عن اختراقات إسرائيلية مؤلمة للمجال الجوي السوداني مراراً .
إن سواكن هي مثال لتحريك التاريخ باتجاهات إيجابية وتحويل حكاياته إلى مسارات حيوية تنعكس بالخير والبركة والنماء على الناس، وكان واضحاً أن القيادة التركية تريد البناء على التاريخ لتنطلق به نحو تفتيح علاقاتها في المنطقة العربية وشرق إفريقيا ومساعدة الدول فيها على حماية أنفسهم وتقوية سيطرتهم على حدودهم المفتوحة وتحسين ظروف حياتهم .
وليس هذا فحسب فإن السودان تعتمد عليه دول داخلية عديدة محرومة من الإطلالة البحرية مثل إثيوبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان، ومن شأن تطوير البنية التحتية لميناء سواكن أن يعود بمنافع اقتصادية هائلة على السودان وهذه الدول وعلى تركيا أيضاً، وهو أمر لا يغيب عن الاستراتيجيين الأذكياء الذي ينظرون إلى حجم التأثير الكبير على مستقبل المنطقة إذا تجهّزت لمرحلة التغيير الاقتصادي القادم إليها لاستثمار مواردها الهائلة ، لاسيما أنها متخمة بالخامات وجاذبة للمشروعات الصغيرة والكبيرة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى