آراءصورة و خبرمحلي

عبد الله سهر يكتب: التصويت وفقا للبطاقة المدنية… رأي فني

اتمنى ان تصل رسالتي هذه الاخوة أعضاء مجلس الوزراء الموقر وعلى رأسهم سمو الشيخ احمد النواف وفقه الله لما فيه الخير والصلاح. فيما يخص موضوع التصويت وفقا للعنوان المدون في البطاقة المدنية، اكتب هذه المقالة باعتباري مديرا عاماً سابقا للادارة المركزية للاحصاء، وبالتالي فهو رأي فني ليس له علاقة بالسجال السياسي الدائر بين فريقي المعارضين او المؤيدين. وحتى اكون اكثر توضيحاً لموقفي السياسي من هذه القضية فهو ثابت على مبدأ القوامة والاستقامة في الانتخابات العامة وفقاً لما يقرره القانون وصحة الضمير الوطني. وبناء عليه، فأنا كسائر الاغلبية من المواطنين ضد اي عملية لنقل الاصوات من منطقة الى اخرى بغرض التأثير على نتائج الانتخابات. ولكن يجب ان نفهم جيدا بأنه وكما أن هناك نقل متعمد للعنوان بغرض التصويت بمقابل او دونه، فأن هناك عدد كبير من المواطنين يقومون بالتصويت بخلاف عناوينهم المسجلة في المعلومات المدنية لاسباب عديدة لا تتعلق بالتصويت ولا بالانتخابات. فعندما قمنا باجراء التعداد السكاني في عام ٢٠١١ وهو آخر تعداد ميداني للكويت، فقد تم الاستعانة بالبيانات المدونة في المعلومات المدنية وهذا الامر يعتبر سابقة في تاريخ التعداد السكاني. وليكن واضحاً، بأن غرض الاستعانة ببيانات المعلومات المدنية ليس للاستدلال على العناوين اكثر منه محاولة لتحقيق دقة الحصر الديمغرافي. وعلى الرغم من ذلك، فقد تبينت لنا الكثير من المعلومات غير المطلوبة وغير المقصودة ومنها مدى مطابقة عنوانين الافراد بين ما هو مدون في السجل المدني وبين الواقع الحقيقي. كانت تلك المعلومة غير مطلوبة في سلة البيانات التي يستهدفها التعداد السكاني ولكنها كانت ملفتة للنظر جداً لكثرة الملاحظات التي كانت تصل لنا من المساحين في الميدان. وعليه لم تكن لدينا، او بالاحري ليس لنا الحق في تدوين هذا الموضوع او اثارته لانه يتصل بالمعلومات الفردية التي يمنع قانون الاحصاء من التجاوز عليها. ولكن من واقع تلك التجربة تبين لنا ان نسبة كبيرة جدا من السكان وخاصة الكويتيين لا تتطابق عناوينهم السجلية مع الميدانية. وهذا الفارق لا يعود لنقل الاصوات فحسب، وانما لاسباب اخرى كثيرة. من تلك الاسباب ما يلي:
١- الوجاهة المناطقية، حيث يعتبر بعض المواطنين بأن بعض المناطق التي كان يسكن فيها مع اهله تمثل وجاهه او تركة اجتماعية لا يود الاستغناء عنها.
٢- الخدمات الصحية، مجاميع من المواطنين يعتقدون بأن بعض المراكز الصحية والمستشفيات افضل مما هو مطابق لعناوينهم الواقعية فيلجأون الى عنوان في منطقة اخرى او انهم كانوا يسكنون بها من قبل.
٣- الخدمات التعليمية، البعض من المواطنين سواء ممن يعمل في سلك التدريس او غيره ينقلون او يستبقون على عناوين في مناطق مغايرة لسكنهم الواقعي.
٤- ازدواجية السكن، بعض المواطنين لهم اكثر من سكن، فمنهم من لديه اكثر من عقارين وآخرين لا يزالون محتفظين بجزء من سكنهم مع الاهل، ومنهم من لديه ورث ولا يزال يحتفظ به ويعتبره سكن ثاني، وهكذا اسباب اخرى.
٥- السكن الاستثماري، لاسباب اقتصادية تبين بأن العديد من المستثمرين في العقار يتوجهون لشراء عقارات في مناطق سكنية ويقيمون عليها بيوت سكنية باسمائهم وقد يقيدونها كعناوين لهم في حين إنها مؤجرة بالكامل. ومن واقع مراجعتي لسوق العقار تتبين هذه الحقيقة بجلاء والتي ليس لها علاقة بالحافز السياسي. وقد اثار ذلك عدد من اعضاء مجلس الامة لاقتراح تشريع يحد من هذه الظاهرة ولكنهم بكل اسف لم يصلوا الى نتيجة. كما وجه عضو مجلس الامة سيد عدنان عبدالصمد سؤال برلماني لوزير العدل السيد عبدالله الرومي بخصوص عدد المواطنين الذين يمتلكون اكثر من عقار سكني، ولكن يبدو انه لم يحصل على اجابة او انها اعتبرت سرية حيث لم اجدها في الموقع الالكتروني في مجلس الامة.
كما ان هناك اسباب اخرى لا مجال لذكرها لازدواجية العناوين، ولكن من نتاج ذلك تتبين لنا حقيقتين لابد من وضعهما في الاعتبار.
الحقيقة الاولى: ان ليس كل من لديه عنوان مغاير لسكنه هو مخالف بقصد او انه قد قام بذلك لاسباب تتصل بالفساد الانتخابي.
الحقيقة الثانية: ان هناك نسبة كبيرة من المواطنين في المجتمع الانتخابي عناوينهم الواقعية او السكنية تختلف عن عناوينهم في القيود الانتخابية وقد تفوق عددا عن الناقلين للعناوين بغرض التصويت.
ومن حصيلة ما سبق، يمكن القول بأنه اذا كان القصد من الاعتماد على العناوين في السجل المدني لكونه يحقق اصلاح انتخابي فهو امر غير دقيق ولا يستقيم مع اسبابه، مع تأكيدي على ضرورة مكافحة نقل الاصوات بغرض التأثير على نتائج الانتخابات لكونها تشكل صورة من صور الفساد.
اما الحل فهو يكمن في استصدار تشريع او قرار ، وفقا للحاجة، يمكن من خلاله اغلاق الفجوة بين السكن الحقيقي او السكن الانتخابي الاول وبين ما هو مقيد في السجل المدني، لان ذلك هو السبيل لتحقيق هدف الاصلاح الصحيح البعيد عن المزايدات الانتخابية او الضجيج السياسي. ومع فائق احترامي للآراء الاخرى، لا اجد سبيلاً الا ان اقول الحق والذي يميله عليّ ضميري اسداءً لما في رقبتي من فضل لهذا الوطن المعطاء.

بقلم: د. عبدالله يوسف سهر عضو الهيئة التدريسية في جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى