حوادث وقضاياشؤون عربيةصورة و خبر
أخر الأخبار

عجز دولي عن إنهاء النزاع في السودان ومواجهات متجددة!

فريق التحرير – حماك

لايزال السودان يعيش على صفيح ساخن منذ بدء المواجهات العسكرية إبريل الفائت، بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقيادة الجيش المتمثلة بعبد الفتاح برهان.
خلافات ارتبطت باختلاف رؤية الطرفين للانتقال السياسي، إذ حاول البرهان البدء بعملية الانتقال وتنفيذ خطة إصلاح عسكري وأمني، إلا أن الخطة اصطدمت برفض الدعم السريع واشتعال الجغرافية السودانية بأعمال عنف متسارعة خلفت ضحايا ما تزال إحصائياتها الدقيقة غائبة عن المنظمات الحقوقية.

جذور الحرب
في كانون الأول/ ديسمبر 2022تم توقيع الاتفاق الإطاري بين قوات الدعم السريع والجيش ومن أهم بنوده خطة للإصلاح الأمني والعسكري بما فيها الدمج بني الجيش وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة، دون تحديد آليات واضحة لهذا الدمج، ومن سيقود هذه العملية، ليتجه بعدها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لتشكيل المجلس الأعلى للجيش والقوات المسلحة برئاسته، على أن يضم المجلس قائد قوات الدعم السريع والمدير العام للشرطة والمدير العام لجهاز المخابرات، ويكون رئيس أركان الجيش هو رئيس المجلس، ويستمر المجلس إلى الاتفاق على رئيس للوزراء بحسب ما نص عليه الاتفاق الإطاري.
ويبدو أن حميـدتي قائد قوات الدعم السريع والذي يعد جيشاً ثانياً غير خاضع لقيادة القوات المسلحة، رأى أن هذه الخطوات مـن طرف قائد الجيش تعني تقليـص نفـوذه، وفقدانه المكتسبات التي استطاع جمعها منذ أواخر عهد الرئيس المعزول عمر البشير، إذ اسـتطاع قائد الدعم السريع تكوين إمبراطورية اقتصادية مــن خلال الاتجار بالذهب والسيطرة على مناجم جبل عامر وسنقو ونهر النيل والنيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن الشركات المرتبطة بالإنشاءات والمقاولات.
من جهة أخرى فإنه يلاحظ خوف حميدتي من الاتجاه نحو محاكمته بتهم تتعلق بالجرائم والانتهاكات في دارفو والنيل الأزرق وفض اعتصام القيادة العامة 2019، ومما زاد الطين بلة هو إيقاف الاستخبارات السودانية إرسال التقارير الأمنية والميدانية إلى حميدتي وهو ما أكد توقعات حميدتي.

نزاع عنيف ودعوات انفصالية
تعقدت مواجهات الطرفين الدموية وامتدت لمساحات واسعة من السودان، أهمها العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، واتخذت طابعاً إثنيًا بعد الاشتباكات بين القبائل العربية وعرقية المساليت في مدينة الجنينة والتي تتهم القبائل العربية بأنها منحازة ومتعاونة مع قوات الدعم السريع، فيما ترى القبائل بأن الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني ترسل السلاح إلى المساليت.
وتشير الإحصائيات إلى مقتل أكثر من 1000 شخص على مدار شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو الفائتين، ونزوح مليون تقريباً من ولاية غرب دارفور، وهو ما دعا سلطان دار مساليت سعد عبد الرحمن بحر الدين بعد خروجه من الجنين للتلويح بالانفصال عن السـودان، حيـث أصدر بياناً أكد فيه أنهم بصدد مراجعة اتفاقية “قلاني” التي انضمت فيها دار مساليت إلى السودان، ما ينذر بتكرار نموذج مشابه لجنوب السودان، خاصة أن بذرة الانفصال جاهزة للنمو، إذ تحتضن المنطقة هناك إثنيات وعرقيات كثيرة، مرتبطة مع الجارة تشاد التي تستقبل النازحين من الجنينة كونها تضم قبائل من نفس العرق والإثنية، هذا غير فضلاً تغذية الصراع خارجياً.
من جهته لا يرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الحرب في السودان حرب أهلية بعد، ولكنها قد تصبح كذلك بتواتر التصعيد العرقي.

تقاسم السيطرة وعمليات نهب ممنهج
تتمركز قوات الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، فيما تحاول قوات الدعم السريع التركيز على المناطق الحدودية المحاذية لتشاد وليبيا، محاولة تأمين خطوط الدعم والإمداد الخارجي لإطالة أمد الحرب وضمان عدم حسم الجيش لها لوقت التوصل إلى زمان يكون فيه الدعم السريع طرفا رئيسًا للحل السياسي، بالمقابل فإنه لا يخفى التجاوزات الكبيرة التي تسجلها عناصر الدعم السريع من طرد المدنيين من دورهم ونهبها واحتلالها لأغراض قنص العدو، أو تحويلها لثكنات أو إدارات للاعتقال والتخزين، إلى جانب مقار الخدمات الطبية والتعليمية والتي لم تنج أيضاً من انتهاكات الدعم السريع.
وبالنظر إلى شدة العنف القائم فأن الأوضاع المعيشية في السودان قد ألقت بظلالها على المدنيين، وباتت في حالة تدهور يومًا بعد يوم وسط نقص حاد في السلع الاستهلاكية والخدمات الأساسية من كهرباء وماء، وبدء نفاد المواد الغذائية، فضلاً عن تدهور الأوضاع الصحية نظراً لعدم توفر الخدمات في غالبية المستشفيات، إذ خرجت على إثر ذلك 70 في المئة من مستشفيات العاصمة الخرطوم من الخدمة بحسب نقابة الأطباء.
وكانت منظمة الصحة الدولية، قد أشارت إلى أن “أكثر من 40 في المئة من السكان يعانون الجوع، هذا فضلاً عن “نقص الأدوية والتجهيزات الصحية والكهرباء والماء”، كما حذرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة الإنسانية في السودان كليمانتين نكوتا سلامي من مصير ملايين اللاجئين في السودان، وقالت “ينبغي أن يتمكنوا من الهرب من المعارك في أمان”، وبحسب المنظمة السودانية للاجئين فإن 600 لاجئ من إريتريا و300 من إثيوبيا و200 من جمهورية الكونغو الديموقراطية رحلوا بشاحنات من الخرطوم إلى الجنوب مع ملاحظة أن هناك ما يزيد عن 3 ملايين مشرد داخل البلاد وخارجها.

أطراف الصراع الرئيسة
خلال الحرب الدائرة ظهر الاهتمام الروسي بدعم قوات الدعم السريع، لحماية المصالح الروسية هناك لا سيما جهة بورتسودان، حيث القاعدة البحرية الروسية التي طالما تطلعت إليها موسكو لتكون نقطة ارتكاز على البحر الأحمر، إضافة لمطامع روسيا بالذهب السوداني، إذ أعلـن وزير الخارجيـة الروسي سريجي لافروف في نيسان/ إبريل 2023، حق السودان بالاستفادة من خدمات شركة فاغـنر الأمنيـة الخاصـة، فيما خرجت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، بحقائق جديدة عن الوثائق الاستخباراتية التي تسربت أخيراً عن وزارة الدفاع الأميركية.
حيث تقول بعض من تلك الوثائق، إن مجموعة “فاغنر” الروسية التي تمثل قوات مرتزقة شديدة القرب من الرئيس بوتين، تعمل جاهدة وفي الخفاء، من أجل إنشاء كونفيدرالية تضم البلاد المعادية للولايات المتحدة الأميركية، فيما يقوم هؤلاء المرتزقة بإذكاء الصراعات باستخدام إمكاناتهم شبه العسكرية وقدراتهم في نشر معلومات غير صحيحة، لتقوية شوكة حلفاء موسكو في القارة السمراء.
أما الولايات المتحدة الأميركية، فقد حضرت بشكل لافت بعد أن أعلـن البيـت الأبيـض الأمريـكي في 4 أيـار/ مايو 2023 أن الرئيس جو بايدن أصدر أمراً تنفيذياً يسمح بفرض عقوبات على شخصيات “تزعزع استقرار السودان ومتورطين بالعنف، وقال بايدن حينها: إن الصراع في السودان يهدد الأمن الدولي.
كما شاركت الولايات المتحدة السعودية لإطلاق مبادرة لحل النزاع في السودان ووقف القتال مطلع أيار/ مايو الفائت، عبر استضافتها طرفي النزاع في مدينة جدة بهدف إيجاد حل يوقف نزيف الدماء السودانية.
ولا يخفى سعي الإمارات لدعم حميدتي والتي تربطها معه علاقة خاصة، إذ تبلغ قيمة صادرات الذهب التـي يصدرها الدعم السريـع إلى الإمارات سنويا 16ً مليار دولار أمريكي باعتبار أن حميدتي وأسرته يسيطر على مناجم الذهب في دارفور عبر شركة الجنيد. هذا غير الدعم الذي يتلقاه من إسرائيل، إذ تشير تقارير دولية إلى أن قوات الدعم السريع حصلت على أنظمة وتقنيات تجسس حديثة من إسرائيل، كما أكدت أن قوات الدعم السريع من أهم الداعمين لمسار التطبيع والتوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية بين السودان وإسرائيل.

ويبدو أن النزاع الدائر في السودان مستمر في إنهاك السودانيين, وخاصة بعد فشل الهدنة بين الطرفين والتي لم تستمر أكثر من شهر واحد برعاية السعودية، مع تجاهل الأطراف تلويح الأمريكان بعقوبات صارمة، فضلاً عن توجه البلاد لصراع إثني وعنصري وقبلي قد ينقل البلاد لتنشيط وجود ميليشيات وتنظيمات متعددة الولاءات والأهداف، وهو ما يغذي بوادر انفصال أقاليم بحد ذاتها في واقع معقد يشابه تعقيدات المشهد السوري، وإطالة عمر النزاع لسنوات عديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى