شؤون عربيةصورة و خبر
أخر الأخبار

إعصار “دانيال”.. الانقسام السياسي يزيد أعداد الأموات ويفاقم معاناة الأحياء

باسل المحمد *

في الوقت الذي تعاني منه ليبيا من إعصار سياسي منذ 12 عاما عقب سقوط نظام القذافي، وتنازع العديد من القوى المدعومة دولياً للسيطرة على الحكم، وسيطرة حكومتين على البلاد (الدبيبة المعترف بها دولياً، وحكومة باشاغا في الشرق)، في هذا التوقيت ضرب إعصار “دانيال” مناطق متعددة من ليبيا، خلَّف آلاف الضحايا وآلاف المفقودين إضافة إلى اختفاء أحياء بأكملها في مدينة درنة الساحلية في كارثة غير مسبوقة في البلاد منذ 4 قرون.

كيف حصلت الكارثة؟
بعد ظهر الأحد الماضي توجهت العاصفة إلى السواحل الأفريقية للبحر الأبيض المتوسط، وكانت ليبيا محطتها الأولى حيث اجتاحت في البداية المناطق الشرقية لمدينة بنغازي، قبل أن تتحرك شرقا إلى منطقة الجبل الأخضر.
ويقول مرصد الأرصاد الجوية إن العاصفة العاتية كانت مصحوبة بأمطار غزيرة تجاوزت 400 مليمتر؛ وهي كمية لم تسجل منذ 40 عاما، فاجتاحت سيول العاصفة كامل منطقة الجبل الأخضر وكبرى مدنه مثل درنة والبيضاء والمرج وشحات وسوسة بالإضافة إلى بلدات وقرى بالمنطقة
لكن الكارثة الحقيقية كانت بمدينة درنة؛ حيث يوجد سد وادي درنة الكبير بارتفاع 40 مترا ويليه سد درنة الثاني، وقد تسبب الضغط الهائل للمياه ولأسباب فنية في بنية السد بانهيار سد وادي درنة الكبير وسرعان ما لحق به السد الثاني.

درنة مدينة منكوبة
وخصوصية درنة كانت سببا في فاجعتها؛ فهي تتكئ على الجبل الأخضر وتقابل البحر المتوسط فمن الجبل تدفقت أمواج المياه العاتية فجرفت أحياء بكاملها بسكانها.
وتقول السلطات في منطقة الجبل الأخضر إن السيول غمرت نحو 20 ألف كيلومتر مربع في المنطقة، وآلاف السكان لا يزالوا في عداد المفقودين أما الضحايا فلا حصيلة دقيقة لهم.
ووثق الهلال الأحمر الليبي في بنغازي نزوح 20 ألف عائلة من درنة وآلاف المفقودين.
وبذلك تحولت درنة إلى مدينة منكوبة في أكبر كارثة طبيعية تحل على ليبيا منذ زلزال المرج عام 1963.

مصدر طبي ليبي أكد ارتفاع عدد القتلى إلى نحو 5300 قتيل، بينهم ما لا يقل عن 1800- 1900 قتيل في “منطقة درنة”، نتيجة انهيار سدين بها، وهو الانهيار المؤدي لاندفاع سيول جارفة، دمرت المنطقة بشكل شبه كامل، مع تعذر إجراء حصر دقيق للخسائر، مع فقدان أثر 7000 عائلة، لا يزال مصيرها غامضا، وخسائر كبيرة في الممتلكات والطرق وشبكات الاتصالات، بفعل الفيضانات والسيول الناجمة عن العاصفة التي أغرقت مئات البنايات السكنية، وهدمتها على قاطنيها، في العديد من المدن المنكوبة.

كان وزير الصحة في الحكومة الليبية المكلفة، عثمان عبد الجليل، قال مساء الاثنين إن “الأوضاع في دُرنة تزداد مأساوية ولا توجد إحصاءات نهائية لأعداد الضحايا.. هناك كثير من الأحياء لم نتمكن من الوصول إليها وأتوقع ارتفاع عدد الوفيات إلى 10 آلاف”.
وأضاف “نطالب الدول الصديقة بالمساعدة في إنقاذ ما تبقى في مدينة دُرنة ومناطق الجبل”.
وتم تداول صور نشرها سكان على الشبكات الاجتماعية يبدو فيها عناصر الإنقاذ مذهولين من حجم الكارثة وتظهر مشاهد مروعة.
وحالت طرق مقطوعة وانهيارات أرضية وفيضانات دون وصول المساعدة إلى السكان الذين اضطروا لاستخدام وسائل بدائية لانتشال الجثث والناجين الذين كانوا على وشك الغرق.
ولا تزال دُرنة ومدن أخرى مقطوعة عن بقية العالم رغم الجهود التي تبذلها السلطات لاستعادة شبكات الاتصالات والإنترنت.

نقلت وكالة الأنباء الليبية في موقعها الرسمي، الثلاثاء، عن المسؤول الإعلامي بوزارة الداخلية محمد أبولموشه، إن “عدد الوفيات بدرنة جراء العاصفة المتوسطية المدمرة تجاوز 5300 قتيل وهناك آلاف المفقودين جراء الكارثة”.

تصارع فرق الإنقاذ في ليبيا من أجل استعادة الجثث التي جرفتها السيول إلى البحر بعد الفيضانات العاتية التي ضربت الساحل الشمالي.
وانهار سدّان و4 جسور في درنة، ما أدى لغرق جزء كبير من المدينة، بعدما ضربها الإعصار دانيال، الأحد.
وأكد خبراء الهندسة المائية لبي بي سي أنه من المحتمل أن يكون السد الأعلى الذي يبعد عن المدينة نحو 12 كيلومترا، قد فشل أولا وانهار مرسلاً المياه خلفه إلى الأسفل نحو المدينة، التي تقع في قلب الوادي، باتجاه السد الثاني الذي يقع قرب درنة.

انقسام سياسي يعيق عمليات الإنقاذ
تكتنف عمليات الإنقاذ صعوبة بالغة على خلفية غياب حكومة موحدة في البلاد، وحالة السيولة والفوضى الشائعة بفعل الصراعات السياسية المشتعلة منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
مسؤولون بحكومتي أسامة حماد، والوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة (قبل إقصائها بواسطة مجلس النواب)، والجيش الوطني الليبي، تناوبوا الظهور الإعلامي، والإعلان فقط (دون وجود واقعي) عن العاصفة وما أحدثته من قتل وتشريد ودمار، مع الإشارة إلى إجراءات كل منهم لمداواة تداعيات العاصفة، ومتابعة عمليات الإنقاذ، وتقديم المعونات للمنكوبين
ووفقاً للصحفي الليبي عبد القادرأسعد، فإن هذا الأمر يُعيق جهود الإنقاذ لأن السلطات المختلفة غير قادرة على الاستجابة بسرعة لكارثة طبيعية.
وقال لبي بي سي: “لا توجد فرق إنقاذ، ولا يوجد رجال إنقاذ مدربين في ليبيا. كل شيء على مدى السنوات الـ 12 الماضية كان يتعلق بالحرب”.
“هناك حكومتان في ليبيا.. وهذا، في الواقع، يؤدي إلى إبطاء وصول المساعدات التي تأتي إليها لأن الوضع مُربك بعض الشيء. هناك أشخاص يتعهدون بتقديم المساعدات ولكن المساعدات لا تصل”.
وقال الجنرال القوي إن المسؤولين في شرق البلاد يقيمون حاليا الأضرار الناجمة عن الفيضانات، حتى يتم التمكن من إعادة بناء الطرق واستعادة الكهرباء للمساعدة في جهود الإنقاذ.
ونقلت رويترزعنه قوله في خطاب مُتلفز: “يتعين على جميع الجهات الرسمية، وخاصة البنك المركزي الليبي، تقديم الدعم المالي اللازم العاجل، حتى يتمكن القائمون، على تنفيذ إعادة الأعمار، من القيام بمهامهم والمضي قدما فيه”.

وفي حديثه لقناة “المسار” التلفزيونية الليبية، أكد رئيس حكومة شرق البلاد أسامة حماد أن هناك “أكثر من ألفي قتيل وآلاف المفقودين” في مدينة دُرنة وحدها.
يأتي هذا في وقت قال المسؤول في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، طارق رمضان، للصحفيين في جنيف “لا نملك أرقاما نهائية” لعدد القتلى حاليا لكنه أوضح أن “حصيلة القتلى ضخمة وقد تصل إلى الآلاف”، فيما أكد أن “عدد المفقودين وصل إلى نحو 10 آلاف شخص”.

كوارث سابقة ضربت ليبيا
شهدت ليبيا العديد من العواصف التي ضربتها.. مثلما حدث في 1945، و1973، فهطلت أمطار غزيرة في المرة الأولى على مدينة طرابلس، نتج عنها تهدم بعض مبانيها القديمة، والمنطقة الشرقية (المنكوبة حاليا)، وانهارت بها جسور، وسدود، وأصابتها خسائر بشرية، ومادية جسيمة. كما اجتاحها إعصار “كلاودس”، في 1995، وهو الأسوأ، إذ بلغت سرعة الرياح 185 كم/ ساعة، مما أوقع خسائر هائلة ودمارا شديدا بمنشآت النفط، والمناطق السكنية والزراعية، وتكرر الأمر ذاته في منطقة درنة في 2018.. إلا أنه لا تتوفر بيانات موثقة عن القتلى والجرحى الذين سقطوا في هذه الكوارث السابقة.

صجفي سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى