منوعات

القيادي والمبدع.. كلاهما يؤثر في الجموع ويجذبها

صافي أحمد مظهر – كاتبة وأديبة سورية

قبل أن نتحدث عن الشخصية القيادية وصفاتها علينا أن نعرّف القيادة وما دوافعها؟.
القيادة بشكل مبسط هي القدرة على التأثير في جماعات وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف لمصلحة القائد أو المجموعة. وعلى هذا فإن للقيادة عناصر لا تتأتى لفرد إلا بتوفرها ألا وهي: القدرة، الأتباع، الهدف.
وللقيادة أهمية كبرى بكونها صلة الوصل بين الخطط المستقبلية والعاملين على تنفيذها ولا تتأتى القيادة السليمة والناجحة والحكيمة إلا بتوليها للفرد المناسب الذي تتوفر فيه صفات بعينها فطرية، ومؤهلات ومهارات مكتسبة، ومن الجدير بالإشارة إليه أن الشخصية القيادية وامتلاك الصفات القيادية شيء وممارسة القيادة شيء آخر… كثيرون ممن يمتلكون الصفات القيادية لم تتسنَّ لهم ممارسة القيادة.
ومن المهم أيضا أن نفرّق بين الشخصية القيادية والشخصية الإدارية فالمدير هو الذي يقوم بتنفيذ ما يقره القائد ويقوم بتوزيع المهام على العاملين بها، ويفصل بين القائد والمدير صفاتٌ أهمّها هذه الست التي إن وجدت في فرد ما فهو قائد وليس مديرا:

  • التخطيط، فالقائد هو الذي يقوم بوضع الخطط والإشراف عليها بعد أن يوكل مهمة تنفيذها للإداريين.
  • فتح آفاق جديدة للعمل.
  • بناء علاقات رئيسة بنفسه مع الجهات الرسمية أو العملاء المهمين.
  • حل المشكلات المزمنة بعد أن يعجز الإداريون عن حلها.
  • تطوير الذات المستمر وكذلك تطوير قدرات الإداريين الذين يتبعون له من خلال اكتساب معلومات جديدة.
  • دورات تطوير المهارات.
  • متابعة آخر ما وصل إليه العلماء لتثبيت أو تغيير قناعات.
  • تطوير السلوك من خلال سلك سبل مبتكرة في المسيرة العملية.
  • تقدير وتكريم المتميزين بنفسه في المواقف التي تحتاج الحضور بين الناس من حين لآخر لترسيخ وجوده.

أما ما دون تلك الست فهي تندرج تحت الأعمال الإدارية.
وقد أثبتت دراسات أن ثمة صفات وملامح مشتركة بين القيادي والمبدع فكلاهما يؤثر في الجموع ويجذبهم، وليس بالضرورة أن يكون الهدف الذي يطمح القائد لتحقيقه هدفا ساميا بل قد يكون هدفا مدمرا أو مبنيا على شرور فعلى سبيل المثال فرعون كان قائدا ولكن لم يكن قائدا إيجابيا وقد تبعه الكثيرون وورد في القرآن الكريم عن فرعون وسوئه في الدنيا: (استخف قومه فأطاعوه)، وكذلك كان هو قائد هؤلاء التابعين له في الآخرة حيث قال تعالى: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) فقد قادهم حتى إلى جهنم وكذلك من أمثلة القادة السلبيين هتلر وموسيليني وغيرهم من تاركي البصمات السوداء في التاريخ.. أما من القادة الإيجابيين فأولهم نبي الأمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي شهد بعبقريته القيادية الغربيون قبل المسلمين وكذلك على سبيل المثال لا الحصر خالد بن الوليد من القادة الذين ذاع خبر خططه العسكرية وقدراته القيادية وعمرو بن العاص الذي قاد سرية “ذات السلاسل”، وكان تحت امرته أبو بكر وعمر، والذي قال فيه عمر بن الخطاب لاحقا: “لا ينبغي لعمرو أن يسير على الأرض إلا أميرا”.
وللقيادي رؤية منظورة وأفق واسع ورؤى مستقبلية واضحة وجلية في فكره فإن كان الهدف قريب المدى عمل على تحقيقه في المنظور القريب؛ وأما إن كان الهدف بعيدا فخطط وجهز وهيأ وأسس من يكمل المسيرة باتجاه الهدف حتى لو بعد رحيله فهو يحسن انتقاء الخلف الذي تسند إليه الشعلة لإكمال ما قد بدأه ونجد ذلك في المثل الذي ترك أثرا بارزا وعلامة فارقة في تاريخ الأمة نور الدين زنكي الذي أسس لصلاح الدين وعبد له طريق الوصول للقدس حيث أن نور الدين كان قد أدرك قدرات صلاح الدين العسكرية، والإدارية، فقد ذكر أبو شامة: أنَّ صلاح الدين تقدَّم بين يدي نور الدين فقبَّله، وأقطعه إقطاعاً حسناً، وعوَّل عليه، ونظر إليه، وقرَّبه، وخصَّصه، ولم يزل يتقدَّم تقدُّما تبدو منه أسباب تقضي تقديمه إلى ما هو أعلى… وكان نور الدين يكلِّفه بالذهاب إلى عمِّه لاستشارته في قضايا تخصُّ الدولة، والمكوس، والضَّمانات، فقد كان نور الدين يهتمُّ بمشاورة كبار قواده.. وتسمى هذه الوظيفة لصلاح الدين في العصر الحديث: كاتم الأسرار وضابط الرُّكن الشخصي لنور الدين ومن هنا بدأ تأهيل صلاح الدين الأيوبي للخطوة الأولى بطريق تحرير القدس بعد أن دامت سيطرة الصليبيين عليها قرابة تسعين عاما.
القيادة ليست بالعمل اليسير ولو عدنا ونظرنا في النظريات التي تحدثت عن القيادة أهي فطرية أم مكتسبة وأهمها برأيي نظرية الجرس فإن هذه النظرية تقول إن الناس يتوزعون حسب صفاتهم إلى 2 ٪ قيادي بالفطرة وكذلك 2 ٪ لا يصلحون للقيادة البتة وما بينهما 96 ٪ يقعون في الوسط بين الصنفين بنسب متفاوتة شأنها كشأن الذكاء مثلا أو كل الصفات الإنسانية وهؤلاء يمكن تدريبهم وتطوير مهاراتهم في القيادة وقد ينجحون إلى حد ما إلا أنهم لن يصلوا إلى منزلة القيادي بالفطرة ولذلك نجد أن القياديين الفطريين إن صحت الصفة يشار لهم بالبنان وقد ألمح النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء بقوله: (كإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة).
وللتربية والأهل دور كبير في اكتشاف مقدرات أبنائهم القيادية وشحذها وتطويرها ومن مثال ذلك ما قاله المدائني عن صالح بن كيسان حيث قال: رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صبي صغير، فقال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه.
فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه.
وما نزال بانتظار هذا القائد العبقري الذي يخلف العمريْن وصلاح الدين ويكون الفتح واستعادة القدس على يده إن شاء الله.

صافي محمد مظهر أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى