دولي

الجوانب القانونية والسياسية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين (ج7)

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير- خبير أكاديمي في القانون الدولي||

مشاريع التوطين الداخلية

بعد أن استعرضنا مشاريع التوطين الدولية/ الخارجية خارج فلسطين نتناول هنا بالدراسة التوطين داخل فلسطين المحتلة إلي حين، ويطلق عليهم بعض الفقهاء مصطلح النازحون، ونحن نري أنه توطين داخلي تمهيدا للتوطين الخارجي وهو خطوة سابقة تليها الخطوة الأخيرة وهي التوطين خارج الحدود الدولية لفلسطين في أي دولة يوجد فيها اللاجئ، ويمكن تقسيم التوطين الداخلي لأربع مجموعات رئيسة هي([1]):

1. مجموعة فلسطينيي 1948م: وهم الجزء الأكبر من الفلسطينيين المهجرين في الداخل ويقيمون في إسرائيل، وكانوا بالأصل قد هجروا وجردوا من بيوتهم وأراضيهم في حرب عام 1948م، وتطلق إسرائيل عليهم الغائبون / الحاضرون، أي أنهم حاضرون جسمياً ولكنهم غائبون عن ببيوتهم وأراضيهم.

2. مجموعة فلسطينيي ما بعد 1948م: وهي مجموعة ثانية أصغر من السابقة تتكون من الفلسطينيين داخل إسرائيل الذين هجروا بعد عام 1948، بسبب الترانسفير (النقل) الداخلي، ومصادرة الأرض، وهدم البيوت. ويتكون قطاع واسع من هذه المجموعة من البدو.

3. مجموعة فلسطينيي 1967م: وهم الأشخاص الذين هجروا في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وفي قطاع غزة في حرب 1967م، ولا يشمل ذلك لاجئي 1967 الفلسطينيين الذين يشار إليهم غالباً على أنهم نازحو 1967 بسبب وجود الضفة الغربية عند نزوحهم تحت الحكم الأردني, فهم لم يعبروا حدوداً دولية في بحثهم عن ملجأ لهم في الأردن.

4. مجموعة فلسطينيي ما بعد 1967م: تشمل الفلسطينيين الذين هجروا داخل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة بعد عام 1967، بسبب مصادرة أراضيهم وهدم بيوتهم، وإلغاء حق إقامتهم في القدس، وأشكال أخرى من الترانسفير (النقل) الداخلي وتشمل هذه المجموعة عدداً كبيراً من المقدسين والبدو.

الجوانب القانونية والسياسية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين (ج6)

وقد اتخذت إسرائيل لتوطين فلسطينيو الداخل عدة إجراءات قانونية وأخري عملية والإجراءات القانونية تضمنت إصدار عدة قوانين هي([2])

  أ) أنظمة الطوارئ (استعمال الأراضي البور) في 15/10/1948م.

ب) أنظمة الطوارئ بشأن أملاك الغائبين لسنة 1948م: حيث تم وضع كل ما يملكه اللاجئون والمهجرون من أملاك تحت تصرف القيّم على أملاك الغائبين

ج) قانون أملاك الغائبين لسنة 1950م: تم تشريع هذا القانون في 14/3/1950م يهدف أساسا لتركيز إدارة أراضي ممن وصفوا كغائبين في نظر القانون.       

د) قانون استملاك الأراضي (تعويضات) لسنة 1953: بموجب هذا القانون عرضت إسرائيل تعويضات مالية على الغائبين الذين نقلت أملاكهم للقيّم على أملاك الغائبين لأنه بموجب هذا القانون أصبح بالإمكان النظر لكل أملاك الغائبين وكأنه تم الاستيلاء عليها بموجب قانون استملاك الأراضي المذكورة.

أما الإجراءات العملية التي قامت بها السلطات الإسرائيلية تتمثل في الآتي:

أولا: السماح لعدد قليل جدا منهم بالعودة إلى مكان سكناهم الأصلي: تم توجيه أولئك اللاجئين بموجب توصيات اللجنة الوزارية بتاريخ 4/3/49 ( ملف رقم ج/ 302 من أرشيف الدولة/ إسرائيل ).

ثانيا: نقل المهجرين لمواقع سكنية أخرى: تم نقلهم من مكان لآخر بهدف تسهيل الاستيطان اليهودي على أراضيهم ( ج/302 من أرشيف الدولة ) والملف رقم 19/2444 من أرشيف الدولة).

ثالثا: إغلاق القرى المهجرة عسكريا: تطبيقا المادة 125 لأنظمة الطوارئ.

رابعا: هدم القرى المهجرة: تم تدمير معظم القرى العربية المهجرة وذلك لإسكان وتوطين المهاجرين اليهود الجدد.

خامسا:  توطين المهاجرين اليهود وإقامة المستوطنات:

وهذا الجزء من اللاجئين الفلسطينيين/ الموطنون بالداخل الفلسطيني لا يكاد يذكرهم أحد إلا القليل ويعود ذلك إلي كون الكثير من وسائل الإعلام والكتاب والفقهاء يعتبرون مسألة طرد وتوطين الفلسطينيون داخل فلسطين المحتلة إلي حين يعتبر من الشئون الداخلية لإسرائيل ويتعلق بسيادتها لذلك فهو خارج نطاق القانون الدولي، علما بأنهم يعتبرون من اللاجئين لأنهم أبعدوا عن أماكن أقامتهم فلا يعتد بطول أو قصر المسافة التي يقطن فيها اللاجئ مؤقتا بعيدا عن أرضه ومسكنه، ولا بعبور حدود دولية من عدمه، العبرة هنا بكون الفرد أبعد عن مكان إقامته سواء كان هذا الإبعاد داخل الوطن أم خارجه، لذلك يعد محاولة تغيير محل إقامتهم داخل الوطن الواحد توطينا ولكنه داخليا وليس خارجيا،

     شهد مسلسل التهجير الفلسطيني الداخلي برامج الترحيل في ثلاث مناطق هي القرى الحدودية في الشمال ومنطقة المثلث الصغير في الوسط ومنطقة النقب في الجنوب، واعتمدت إسرائيل من أجل ذلك سياسة الإخلاء الكامل لبعض القرى مثل (كراد البقارة وكراد الغنامة في سهل الحولة) الذي هجر القسم الأكبر منها إلى سوريا لهذا الغرض تم تأسيس سلطة تأهيل اللاجئين عملت لمدة أربع أعوام 1949/1953م لتكون مسئولة عن المهجرين في الداخل، ووضع الاستراتيجيات اللازمة التي تلخصت ببندين أساسين إجبار السكان الفلسطينيين على الانتقال إلى الأماكن التي تراها إسرائيل وتوطين اللاجئين.

     وقد نجحت هذه السلطة في توطين مئات المهجرين الفلسطينيين ضمن قرى لجوء رسمية وشبه رسمية كانت قد حددتها لهذا الغرض وطردت إسرائيل أكبر عدد من الفلسطينيين إلى ما وراء الحدود ورفضت إسرائيل بكل شدة إعادة التوطين في القرى الفلسطينية المهجرة تحت حجج الأمن والاستيطان الصهيوني، لم يكن أسلوب التوطين كسياسة ترحيل مقتصر على خطوط الهدنة، فقد أدي احتلال غزة عام 1956م لظهور جمله مشاريع التوطين إلى العلن تهدف لضم غزة لإسرائيل وتوطين اللاجئين فيها ضمن ثلاث مجموعات توطن الأولى في غزة والثانية في إسرائيل والثالثة في سيناء.

      وتم استغلال الحجج الأمنية أيضا ذريعة لإعادة التوطين كسياسة الترحيل عندما كانت إسرائيل تستعد للانسحاب من غزة وقتها وهذا ما عبر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية في آذار عام 1957م حيث قال ( سيبقى قطاع غزة مصدرا للمشاكل ما لم يوطن اللاجئون في مكان آخر) وأيده في ذلك شارون وسار علي نهجه ديان في إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وقد أسس من أجل ذلك فكرة (الضم الزاحف) وشمل ذلك ترحيل اللاجئين من الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة توطينهم في الدول العربية ويعتبر مشروع إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة في السبعينات والثمانينات عبر مشاريع سكنية جديدة داخل قطاع غزة والضفة الغربية من أبرز مشاريع التوطين الداخلية التي اعتمدتها الحكومة الإسرائيلية فقد نجحت في إعادة توطين عشرات الآلاف من اللاجئين في أحياء الشيخ رضوان بالقرب من مخيم الشاطئ ومشروع حي الأمل بجانب مخيم خان يونس ومشروعي البرازيل وتل السلطان بجانب مخيم رفح، ومشروع النزلة بالقرب من مخيم البريج.

     ويعد التوطين في الداخل أقدم زمانيا من التوطين في الخارج فالمهجرين في مناطق عام 1948م والذين يطلق عليهم لاجئو الداخل، يشكلون حوالي 25% من مجموع السكان العرب في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 و 50 % من مجموع اللاجئين الفلسطينيين ككل، وقد بدأت مشكلتهم قبل النكبة بسنوات، فبعض الشهادات والتقارير تؤكد أن عملية تهجيرهم من مدنهم وقراهم وبيوتهم بدأت منذ عام 1936م بتواطؤ بريطاني مع العصابات الصهيونية التي شنت هجمات على القرى الفلسطينية قبل النكبة، وقبل إعلان دولة إسرائيل في 15/5/1948م.

     ويختلف لاجئو الداخل عن اللاجئين الفلسطينيين الآخرين في الضفة وغزة وفي العالم لأنهم هجّروا من بيوتهم وقراهم ومدنهم، لكنهم ظلوا يسكنون في الأراضي المحتلة عام 1948 ويحملون الجنسية الإسرائيلية التي فرضت عليهم قسراً، بينما يحظر عليهم العودة للمناطق التي هُجّروا منها بحجة قانون إسرائيلي يسمى قانون (الحاضر الغائب) وهو مجموعة أنظمة وقوانين أصدرتها إسرائيل تهدف لإنكار حضورأي فلسطيني واعتباره غائباً لسلب أرضه وبيته وأمواله في المصارف، ولم يشفع له حضوره الجسدي ومستنداته التي يرجع بعضها إلي العصر العثماني.

     ويعتبر قانون (الحاضر غائب) غير منطقي ففي أثناء بحثه عام 1948 من قبل اللجنة الخاصة التي أقامتها الحكومة المؤقتة، اعترض بعض أعضاء اللجنة علي اعتبار مواطن يقيم في إسرائيل تحت الحكم الإسرائيلي غائباً، واقترح أن لا يسري هذا القانون على من هو مواطن أو موجود تحت الحكم الإسرائيلي وقد صادقت اللجنة الخاصة على ذلك لكونه منطقيا، وعندما تحول هذا القرار إلى الحكومة، اعترض عليه وزير الخارجية في حينه وبرر اعتراضه بأنه(عندما قمنا باحتلال الناصرة وجدنا فيها أهالي معلول والمجيدل، فهل يعني ذلك أن لا نعتبرهم غائبين، ويتوجب علينا أن نعيد لهم أراضيهم؟) وأضاف (مثلاً غداً ستقوم إسرائيل باحتلال مدينة نابلس وبها اللاجئين الفلسطينيين من سائر القرى والمدن الفلسطينية فهل سنعتبرهم حاضرين أيضاً ونعيد لهم أراضيهم؟).

     أن المجتمع الفلسطيني داخل الحدود الإسرائيلية أثبت مناعة كلية على الهضم من قبل الدولة اليهودية، وأصبح مصدر قلق عميق لإسرائيل ويظهر ذلك جليا في الخطاب حول الديموغرافيا والسكان في إسرائيل من قبل المسئولين الإسرائيليين، وينظر إلى المواطنين الفلسطينيين بوصفهم قنبلة سكانية موقوتة أو تهديداً ديموغرافياً، وليس على أنهم بشراً، وقد تم عرض هذه المخاوف كاملة في مؤتمر هرزليا الذي انعقد في كانون الأول من العام 2003م عندها قال رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها(إن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمثلون التهديد الديموغرافي الحقيقي للدولة اليهودية، فإذا تنامي عددهم من نسبة 20% الحالية إلى “ما بين 35-40%”، فإن إسرائيل ستصبح- مصيبة المصائب-“بلداً ثنائي القومية..!) وذهب أحد الباحثين إلى أبعد من ذلك فطالب إسرائيل في هذا المؤتمر بأن (تنفذ سياسة صارمة في مجال تخطيط العائلة فيما يتعلق بسكانها من المسلمين) ونبه إلى أن (غرف التوليد في مشفى سوروكا بمدينة بئر السبع تحولت إلى معمل لإنتاج سكان متخلفين). 

     ففي تموز من عام 2003م اصدر الكنيست قانون القومية والدخول إلى إسرائيل، مانعاً المواطنين الإسرائيليين المتزوجين من قاطني الأراضي المحتلة من العيش في إسرائيل مع أزواجهم. وقد صمم القانون خصوصاً لمنع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من توسيع نطاق منفعة وضعهم كمواطنين ليشمل فلسطينيين من الأراضي المحتلة عبر وسيلة الزواج، وما يكمن في قلب هذه المشاغل ليس الخوف من أن يقوض المواطنون الفلسطينيون في المستقبل مكانة الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين وحسب، بل والشك في أنهم سيشكلون طابوراً خامساً غير موالٍ لدولة إسرائيل فوجودهم تذكير دائم بالفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين فقد كُثفت الجهود لقمع تعبيراتهم عن الذات وهذا الموقف العدائي الأساسي لسياسة إسرائيل تجاه مواطنيها العرب.


[1] – مركز بديل لمصادرة حقوق المواطنة، المُهجرون الفلسطينيون في الداخل الحماية الدولية والحلول الدائمة علي الرابط التالي: http://www.group194.net/?page=ShowDetails&Id=74&table=studies

[2]الأستاذ/واكيم واكيم، الخطوات القانونية والميدانية الإسرائيلية تجاه المُهجرين الفلسطينيين في الداخل علي الرابط: http://www.group194.net/?page=ShowDetails&Id=70&table=studies  http://www.group194.net/?page=ShowDetails&Id=74&table=studies

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى