بحوث ودراسات

الجوانب القانونية والسياسية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين (ج8)

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير- خبير أكاديمي في القانون الدولي||

ولا يتفوق على عداء الدولة الإسرائيلية لأقليتها العربية، إلا عداء الشعب اليهودي فقد أظهر استطلاع للرأي جرى في حزيران من عام 2004 أن 64% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يعتقدون أن على الحكومة أن تشجع المواطنين الفلسطينيين على الرحيل عن البلاد، وقال 55.3% من اليهود إن المواطنين الفلسطينيين يشكلون خطراً على الأمن القومي، وقال 45.3% أنه يتوجب منعهم من التصويت أو من الوصول إلى المناصب السياسية فالمؤشرات الحالية تشير إلى أن إسرائيل تصبح أقل يهودية، بالمعنى الديموغرافي.

     وقد اعتبر كيسنجر الأقلية الفلسطينية داخل الدول اليهودية من ضمن الأخطار التي تهدد ليس مستقبل الدولة اليهودية بل يهدد وجودها كدولة، وأيده في ذلك المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص في الشئون الصهيونية من ضمن عشر أسباب سوف تؤدي إلي زوال الدولة اليهودية([1]). 

     وتهدف إسرائيل بالتوطين الداخلي لتحقيق ما يأتي([2]):

أولاً: الخلاص نهائياً من اللاجئين وينتهي الصراع العربي الإسرائيلي.

ثانياً: تحصل على صك الملكية الخالصة لأرض فلسطين موقع عليه من أهلها أمام شهود مجاناً أو بمبالغ تافهة يدفعها الآخرون.

ثالثا: تحقيق الأمن والاستقرار لليهود في فلسطين وهذا ما يحلمون به منذ عقود.

رابعا: خدمة مصالح إسرائيل بالتخلص من اللاجئين أصحاب الأرض واستيلاء إسرائيل على أراضيهم وممتلكاتهم بصورة شرعية ويعد ذلك تكريسًا لعملية التنظيف العرقي الذي يعتبر جريمة حرب. كما إن التوطين القسري أو عن طريق الترغيب والترهيب يكون جريمة حرب.

خامسا: الحفاظ علي يهودية الدولة عن طريق إخلائها من الأغيار وهم غير اليهود الذين يقيمون داخل حدود الدولة اليهودية.

المبحث الثالث

 الجوانب السياسية لمشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين

     عملت الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة ومن قبل بريطانيا على تصفية القضية الفلسطينية باختزالها في قضية لاجئين، تحل بتوفير أراضٍ وظروف معيشية أفضل لهم لطمس الهوية الفلسطينية، مما دعا دول كثيرة لطرح مشاريع لحل مشكلة اللاجئين عن طريق التوطين باستيعابهم في المجتمعات العربية المحيطة، بإقامة مشاريع اقتصادية تساعد على تنمية تلك البلدان، واستغلال اللاجئين كطاقات بشرية، يمكنها المساهمة بفعالية في تنمية تلك المجتمعات، أو بإعادة توطينهم داخل فلسطين المحتلة بنقلهم من مدينة إلي أخري داخل فلسطين المحتلة وهو التوطين بالداخل للحفاظ علي يهودية الدولة.

     وقد تميزت الفترة من عام 1948م حتى1952م بمحاولات دءوبة لاحتواء اللاجئين الفلسطينيين بصفة إنسانية من خلال الأمم المتحدة، ممثلة في لجنة التوفيق الدولية، فطرحت خلالها عدة مشاريع لتحسين وتطوير ظروف هؤلاء اللاجئين، وكانت تلك المشاريع غير مكتملة، حيث اقتصرت على اقتراحات لم تدخل إلى حيز التنفيذ العملي غالباً، وبعد عام 1955م توقفت مشاريع التوطين، نسبياً ولكنها طرحت ضمناً في مشاريع التسوية التي انهالت على المنطقة ([3]).

     قاوم اللاجئون الفلسطينيون كافة مشاريع التوطين واعتبروها مدخل لتصفية القضية الفلسطينية وتجاوزاً لحق اللاجئين في العودة. وبالرغم من كل الإجراءات الإسرائيلية التي اتخذت للقضاء على ظاهرة المخيمات وتصفيتها وكسر شوكة المقاومة، وبالرغم من قسوة الظروف المادية والنفسية التي يعيشها لاجئو المخيمات حيث بلغت الكثافة السكانية أعلى المعدلات في العالم، فإن اللاجئين رفضوا ذلك وصبروا، مع العلم بأن كل الحكومات الإسرائيلية أولت مسألة توطين اللاجئين أهمية كبيرة للقضاء على المقاومة المسلحة ولكنها فشلت جميعا، ومع ذلك فإن المحاولات الإسرائيلية للتوطين لم تتوقف وتحاول فرض رؤيتها بأن التوطين هو الخيار الأكثر واقعية مستغلة بذلك الواقع الفلسطيني المتأزم وتراجع الخطاب الرسمي و الوضع العربي الراهن الذي يتسم بالضعف والهوان،  لفرض رؤيتها فقد قاوم الشعب الفلسطيني التوطين وهو موحد في مواقفه وأهدافه.

     الاستيطان والتوطين كلاهما وجهان لعملة وعملية واحدة هي سرقة الصهاينة لفلسطين الدولة والشعب والإقليم من أصحابها الحقيقيين أبناء فلسطين، فكلاهما نابع من جوهر الصهيونية الهادفة لتشجيع الاستيطان اليهودي في فلسطين، بتجميع أكبر عدد من يهود العالم في فلسطين، ويعبر مفهوم الاستيطان عن الرغبة في اتخاذ أرضٍ ما وطناً، أما التوطين فهو الوجه المقابل للفكرة الصهيونية يرتكز اتخاذ أرض ما وطناً في مكان آخر بعيدا عن فلسطين لأبناء فلسطين.

      لأن اللاجئين هم الخطر الأكبر على المشروع الصهيوني لأنهم عاشوا الجريمة وهم ضحاياها وسجلوا أحداثها في ذاكرتهم، واعتقد الصهاينة أن الذاكرة الفلسطينية وحق العودة سيسقطان بالتقادم، ولكن حدث خلاف ذلك تماماً وعما كان متوقعاً، حيث شكل اللاجئون نواة لكل مقاومة ضد الاحتلال رغم أحوالهم الاقتصادية والمعيشية السيئة فكانوا ولازالوا هم وقود المقاومة المسلحة.

      وشكل سكان المخيمات الغالبية الساحقة في كافة حركات المقاومة الفلسطينية وأكبر عدد في قافلة الشهداء، فاستمرار اللاجئين يعني عدم الاعتراف بوجود الكيان الصهيوني التاريخي في المنطقة، مما يسبب التوتر وعدم الاستقرار لهذا الكيان، فقد شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين لب القضية الفلسطينية ومحل العديد من القرارات الدولية، ولذلك بقيت قضية اللاجئين قضية حية في الواقع وفي القرارات الدولية ([4]) وتم رفض كافة مشاريع التوطين من كافة اللاجئين.

     وقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن مشاريع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية، ورغم الرفض العربي المصرح به رسمياً لهذه المشاريع، في قمة بيروت 2002، فإن أقلام وأصوات عربية وأجنبية كثيرة نادت بالتوطين كحل لمشكلة ما يربو على خمسة ملايين لاجئ، بما يمثله ذلك من إلغاء حق العودة والكف عن المطالبة بالأراضي التي احتلتها العصابات الصهيونية، عامي 1948 و1967م وما قبلهما وما بعدهما.

     حالياً يتمسك الخطاب الرسمي للحكومات العربية الموجه لشعوبها بقرار الأمم المتحدة رقم 194لسنة 1948م والذي ينص على أن (تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي) ورغم ذلك توافق الحكومات العربية علي التوطين سرا خوفًا من شعوبها ورد فعلها كما حدث في مشروع التوطين في سيناء.

      ظلت مواجهة الخطر السوفييتي في المنطقة، هاجس الولايات المتحدة خاصة مع تزايد التغلغل السوفيتي منذ أواسط الخمسينات، من هنا جاء اهتمام الإدارة الأمريكية باللاجئين، وعبر عن ذلك ماك جي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي في 16/2/1950م حين قال (ما دامت مشكلة اللاجئين غير محلولة فإنهم سيستمرون في لعب بؤرة طبيعية للاستغلال من قبل العناصر الشيوعية والمخربِّة، التي لا نستطيع نحن، ولا تستطيع حكومات الشرق الأدنى تجاهلها)([5]).

     وبالرغم من أن قرار قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة اشترط تطبيق إسرائيل لقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة (181) الخاص بالتقسيم والقرار (194) الخاص باللاجئين، ورغم ذلك فأنها لم تطبق إي منهما وأبدت تشدداً وتصلباً ورفضت رفضا باتا عودة اللاجئين الفلسطينيين، ينبع ذلك الموقف من الفكر الصهيوني وإستراتيجيته الداعية لتهجير الفلسطينيين من ديارهم وإحلال يهود مهاجرين مكانهم في فلسطين، والحفاظ على الطابع العنصري اليهودي للدولة وقد عملت إسرائيل منذ قيامها على تهجير الفلسطينيين من ديارهم، وتوطينهم بعيداً عن أرض فلسطين ومحاولة دمجهم في البلدان التي هجّروا إليها، ولذلك بقيت قضية اللاجئين قضية حية سواء على الواقع المعاش أو على صعيد القرارات الدولية، ومحور العديد من المشاريع التي قدمت في محاولة لإيجاد حل لهذه القضية بعضها قدم من قبل إسرائيل ودار في فلك رؤيتها، والبعض الآخر طرح من قبل آخرين وعبر عن رؤى ليست مختلفة عن الرؤية الإسرائيلية.


[1] – راجع موقع حزب العمل المصري علي الإنترنت.

[2]  – الدكتور / سليمان أبو ستة، التوطين الوصفة المزمنة لنهاية الشعب الفلسطيني، مقال علي شبكة الإنترنت.

[3]منير الهور- طار الموسى. “مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية (1947-1982)”، عمان، دار الجليل للنشر، 1983، ص 34.

[4] – الدكتور/ خالد محمد صافي،  مشاريع التوطين للاجئين الفلسطينيين علي الرابط التالي بالانترنيت

http://www.group194.net/?page=ShowDetails&Id=54&table=studies

[5]  – عبد الأسدي. “المشاريع الأمريكية حول القضية الفلسطينية”، صامد الاقتصادي، عمان، ع 151، 7/8/9/ 1995، ص 62-88.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى