دولي

لماذا تسكت تركيا عن جرائم الأسد المكثفة في إدلب شمال سوريا؟

أحمد عبد الحميد||

منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 5 آذار 2020 ، لم تتوقف الاستهدافات العنيفة على محافظة إدلب وما حولها شمال غرب سوريا، من قبل ميليشيا أسد والميليشيات الإيرانية الموالية والاحتلال الروسي، مسجلة عشرات القتلى والجرحى المدنيين، ومنذ بداية تشرين أول الفائت كثّفت روسيا وميليشيا أسد من استهدافاتها الممنهجة عبر قذائف المدفعية والطيران الحربي  والصواريخ الموجهة التي حققت إصابات مباشرة في صفوف المدنيين ولا سيما بالقرب من خطوط التماس، متذرعةً بأن حملاتها هي نوع من الرد على المزاعم  القائلة بأن المعارضة وراء تفجير كلية المدفعية في حمص.

 مكثفة ومجازر مروعة

حسب الدفاع المدني، فإنه منذ بداية العام الحالي 2023 حتى يوم الإثنين 27 تشرين الثاني، استجابت فرق الدفاع المدني السوري لـ 1129 هجوماً على مناطق شمال غربي سوريا، من قبل قوات النظام وروسيا وقوات موالية لهم، وانتشلت الفرق خلال هذه الهجمات جثامين 134 مدنياً بينهم 35 طفلاً و 20 امرأة، وأنقذت وأسعفت الفرق 595 مدنياً بينهم 188 طفلاً و 90 امرأة. 

فيما عدّ شهر تشرين الأول الماضي أكثر شهر شهد تصعيداً عنيفاً جداً من قوات النظام وروسيا والميليشيات الموالية لهم على المدنيين، حيث استجابت الفرق لقرابة 300 هجومٍ جويٍ ومدفعي وصاروخي وبالصواريخ الموجهة والأسلحة الحارقة والقنابل العنقودية، وأدت لمقتل 67 مدنياً وإصابة 270 آخرين، في ظل استمرار للأزمة الإنسانية التي تعصف بشمال غربي سوريا بعد كارثة الزلزال المدمر وتفاقم الأوضاع الإنسانية في شمال غربي سوريا على أعتاب السنة الثالثة عشرة لاندلاع الحرب.

 في حديثه لأورينت يرى “علي أسمر”، صحفي ومحلل سياسي مختص بالشؤون التركية، أن نظام الأسد والميليشيات التابعة له يستغلون انشغال العالم والقوى الإقليمية والأمم المتحدة بما يحصل في فلسطين،  لذلك كثف نظام الأسد هجماته في الآونة الأخيرة ليحقق أهدافًا عسكرية بأسرع وقت ممكن، قبل أن تهدأ الأمور في غزة عبر حل سياسي دولي. 

مستدركاً حديثه، بأن هذه المجازر ليست سرّيّة، أي أنها تضاف لقائمة جرائمه، مشيرًا إلى أنه يومًا ما سيتم محاسبة نظام الأسد عاجلاً أم آجلاً عن هذه الهجمات ضد المدنيين ، وقد رأينا خلال أيام سابقة رفع دعوة قضائية فرنسية تجاه رأس النظام السوري وهذا دليل أن الغرب يحضّر ملفاً للتخلص من رأس النظام السوري بعد أن تنتهي مصلحة الغرب منه ومن دوره في الشرق الأوسط. 

فيما يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات”، نادر الخليل، أن النظام يسعى لإظهار وجود عدو وتهديد وجودي كما في السنوات السابقة، متبعاً استراتيجية خلق العدو، كمحاولة لتهدئة حاضنته الشعبية، وهذا ينسحب على زيادة الضربات بعد حادثة الكلية الحربية في حمص (المثيرة للجدل وخاصة حول الجهة المنفذة لها وأهدافها منها ومن المستفيد منها)، أي أن النظام يحاول إيجاد أجواء تخيم على حاضنته الشعبية بأن “النظام” مهدَّد وجودياً، وبالتالي يخفف من تركيز الحاضنة على إخفاقه المزمن في تحسين الحياة المعيشية لها.

لافتاً في حديثه لأورينت، إلى أن النظام من جهة يستخدم إدلب كنوع من تهدئة وتغطية أزمات الداخل، (على مبدأ تصدير أزماته الداخلية) لإشعار الحاضنة الشعبية بوجود خطر وجودي يطال الجميع في مناطقه، ومن جهة أخرى قد يكون تصعيد النظام بضوء أخضر من موسكو لابتزاز الأتراك ولا سيما أنهم على مقربة من موعد الانتخابات البلدية، إلا أن هذا التصعيد حتى الآن مضبوط ضمن محددات سابقة.

ما دور نقاط المراقبة التركية؟

 تضطلع القوات التركية المنتشرة في شمال سورية بمهمتين رئيسيتين وهما، أولًا: المراقبة، أي الحفاظ على وقف إطلاق النار والحيلولة دون الانزلاق إلى عمليات قتالية من قبل فصائل المعارضة، وثانيًا: الدفاع بتشكيل حائط صدّ بوجه أي محاولات للتقدم العسكري لقسد وميليشيا أسد.

إلا أنه وخلال فترة وجود هذه النقاط العسكرية المزودة بمختلف أنواع الأسلحة التي تتيح لها خوض عمليات قتالية دفاعية وهجومية في مناطق إدلب لم تتدخل هذه بشكل فاعل يمنع ميليشيا أسد من شن هجمات على المدنيين، إذ جرت عدة مجازر مروعة بحق مدنيين تحت أعين هذه النقاط.

حسب المحلل السياسي أسمر، فإن حقيقة موازين القوى على الأرضي السورية جاءت نتيجة مباحثات ومفاوضات دولية، لذلك فالوجود التركي هناك يقوم على التنسيق مع العديد من الأطراف كروسيا وايران والولايات المتحدة والتحالف الدولي، ومن جانب آخر فإن عدم وحدة القوى الثورية للمعارضة السورية هو سبب إضافي لتمادي ميلشيات أسد من حين لآخر.

مشيرًا إلى أن منع استهداف المدنيين يتطلب تنسيقاً مع كل الأطراف الموجودة على الأرض، وللأسف بعض الدول تماطل بالتنسيق لتحقيق أهداف سياسية ضد تركيا، ولهذا السبب تركيا لا تستطيع أن تمنع الهجمات بشكل دائم بسبب التعنت الإيراني الروسي الذي لا يزال يدعم الأسد لمصالح توسعية استراتيجية، ولذلك -حسب أسمر- يقترح الطرف الإيراني من حين لآخر خروج القوات التركية من سوريا، وهذا ما ترفضه تركيا قطعًا لأن تركيا هي بمهمة أمنية إنسانية في سوريا وعندما يتم الاستقرار السياسي في سوريا ستنحسب القوات التركية من الأراضي السورية.

ويبدو أن تركيا ليست بوارد التورط بتصعيد عسكري في سوريا، إلا للضرورة القصوى، ووفقاً لمصالحها، والضرورة القصوى، فيما يتعلق بأمنها القومي، وليس لاعتبارات أخرى، من قبيل وقوع قتلى من سكان المنطقة وتدمير هنا أو هناك، كما يظهر أن تكرار استهدافات طيران المسير والعمليات الاستخباراتية باتت هي السائدة منذ آخر عملية تركية برية في شمال سورية، حيث كانت تريد القيام بعمليات برية لمرتين ولم تنفذها، وصارت تستخدم أسلوب العمليات الاستخبارتية والقصف بالمسيرات. 

يشير الباحث الخليل، أن تركيا حريصة على عدم خلق أية أجواء للتصعيد مع النظام، إذ أنها تركّز على التهديد الكردي حصراً، وهذا الأمر أصبح واضحًا خلال آخر سنة، وذلك لعدم نضوج مقدمات عملية برية كالعمليات السابقة التي تحتاج إلى ضوء أخضر روسي- أمريكي، وإلى حد ما، إيراني. تجنباً لأي تورط مكلِف، وخاصة أن هناك انتخابات بلدية قريبة، والحزب الحاكم في تركيا حريص على عدم التورط في تصعيد مكلِف في سوريا.

وينوه الخليل في ختام حديثه إلى أنه من مصلحة روسيا الضغط على تركيا، في أكثر من ملف كملف المصادقة على انضمام السويد للناتو من جانب تركيا والذي ما زلت تركيا تماطل فيه، فبالطبع روسيا لا يروقها أبداً موافقة أردوغان عليه، ومن جانب آخر، قد يكون الضغط على تركيا، وفق المنظور الروسي مفيد، لدفع أنقرة لتقديم تنازلات أكبر على صعيد التفاوض مع النظام والتطبيع معه، وهو المسار الذي جمدته تركيا نسبياً، بعد نجاح أردوغان بالانتخابات.

المصدر: أورينت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى