مشروع قانون يطالب “بايدن” بالانسحاب من سوريا.. من الخاسر والمستفيد؟
أحمد عبد الحميد||
ما بين الحين والآخر تظهر دعوات تطالب القوات الأمريكية بالانسحاب من شمال شرق سوريا. آخر تلك الدعوات كانت عبر تقديم السيناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي “راند بول” مشروع قانون يطالب إدارة الرئيس “جو بايدن”، بسحب القوات الأمريكية من سوريا.
وحسب حديث السيناتور بول، فإن “الشعب الأميركي سئم من الحروب التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط، ومع ذلك، لا يزال هناك 900 جندي أميركي في سوريا من دون أن تكون هناك مصالح حيوية على المحك، ولا تعريف للنصر، ولا استراتيجية خروج، ولا تصريح من الكونغرس بالوجود هناك”.
مضيفًا أنه “إذا كنا سننشر شبابنا وشاباتنا الذين يرتدون الزي العسكري للقتال في سوريا، وربما التضحية بحياتهم، من أجل قضية مفترضة، ألا ينبغي لنا كممثلين منتخبين لهم أن نناقش مزايا إرسالهم إلى هناك؟ ألا ينبغي لنا أن نفعل ذلك؟ هل نقوم بواجبنا الدستوري ونناقش ما إذا كانت المهمة التي نرسلهم إليها قابلة للتحقيق؟”.
انسحاب مستبعد
مشروع السيناتور بول كان قد سبقه مشروع قرار قدمه السيناتور “مات غايتس” لإدارة بايدن، إلا أنه قوبل بالرفض، حيث صوّت آنذاك 103 نوّاب لصالحه، مقابل 321 نائبًا ضدّ وثيقة المشروع.
وتدعم واشنطن ميليشيات قسد وتحظى بعداء الأطراف المحيطة بها منها نظام أسد الذي يرفض الاعتراف بها، ويرى بها مشروعاً انفصالياً، إضافة لتركيا الذي يعتبرها تنظيمًا إرهابيًا، لذلك فهي تجد في الدعم الأميركي منجاة لمشروعها من براثن الأطراف المعادية.
ما يعني أنها هي الخاسر الأكبر في حال تم التصويت لصالح القرار، -رغم استبعاده- إذ أكد قائد ميليشيا قسد “مظلوم عبدي” في حديثه لموقع المونيتور الأمريكي، أن الأمريكيين أخبروه أنهم لن يسحبوا قواتهم من سورية بسبب التوترات في المنطقة.
في حديثه لأورينت، أشار الكاتب الصحفي المتحدر من دير الزور، “فراس علاوي”، إلى أن السيناتور بول هو من خلفية سياسية واجتماعية لا ترغب بزيادة مصاريف الولايات المتحدة في الخارج، لذلك هو يحاول أن يقلّل من هذه المصاريف من خلال بعض المشاريع كمشروع انسحاب الولايات المتحدة من سوريا.
وتوقّع الكاتب علاوي ألا يحظى مشروع السيناتور باهتمام أو دعم من الكونغرس، معتبرًا أن الأمر لا يعدو عن كونه غاية إعلامية وهذا ما ينسجم مع كلام مظلوم عبدي قائد قسد بعدم انسحاب الحليف الأمريكي، كما يمكن ملاحظة الاعتراض الكبير من الكونغرس والبنتاغون عندما أراد الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترامب” الانسحاب من شمال شرق سوريا، لأن الوجود الأميركي في سوريا هو وجود استراتيجي.
“ويبدو أنه طالما هناك تحالفًا تحت مسمى “محاربة الإرهاب” فإن الانسحاب مستبعد، ولكن في حال حدث وانسحبت الولايات المتحدة فإنه يجب أن يكون هناك صفقة متكاملة مع الدول الإقليمية الفاعلة تكون قسد ستكون جزءًا منها”، حسب علاوي.
أهداف الوجود الأميركي
تحتضن مناطق شمال شرق سوريا 27 موقعًا للقوات الأمريكية الملازمة لآبار النفط، 17 موقعًا في الحسكة، و9 في دير الزور، وموقع بالرقة، ورغم قلة المواقع مقارنة ببقية القوى الخارجية (الإيرانية والتركية والروسية) إلا أن هذه المواقع هي الأكبر تأثيرًا قياسًا على فارق القوة بالتسليح والانتشار، لا سيما أن الولايات المتحدة زوّدت قواتها خلال النصف الأول من العام الجاري بمنظومة “هيمارس” الصاروخية في حقل العمر النفطي وقاعدتها في حقل كونيكو للغاز الطبيعي.
وتعد هذه المواقع مسؤولة عن القضاء على تنظيم داعش وضمان عدم عودته وتحقيق الردع ضد الطرف الروسي وتقويض التمدد الإيراني، وضمان المشاركة في تطبيق حصار اقتصادي على الأسد عبر حرمانه من استخراج النفط وبيعه، فضلاً عن وجود قوى دولية أخرى تحت المظلة الأمريكية تستخدم الورقة الكردية لابتزاز تركيا وتهديد مصالحها.
في دراسة قدمتها مجلة التاريخ والدراسات الأكاديمية (ATAD) العام الفائت، أشارت فيها لسيناريوهات محتملة للوجود الأميركي شرق الفرات، إذ تلخّص “السيناريو الأول” باحتمالية وقوع تصادم بين الروس والأمريكان نتيجة الاحتكاكات اليومية المتكررة، وهو سيناريو استبعدته الدراسة، فيما رأى “السيناريو الثاني” انسحابًا كاملًا للقوات الأمريكية بسبب وجود تيارات سياسية أمريكية تدعو لذلك الانسحاب باعتبار أن بقاء القوات لا يصب ضمن مصلحة أمريكا العليا، واستبدال قواتها بقوات إقليمية حليفة أو خليجية تكون أكثر فاعلية بالملف السوري، وهو سيناريو استبعدته الدراسة أيضًا باعتبار أن ذلك سيكون له تبعات خطيرة على واشنطن ودورها في منطقة الشرق الأوسط. فيما يتجسد “السيناريو الثالث” بالانسحاب الجزئي عبر تقليص حجم القوات الأمريكية والإبقاء على مستشارين عسكريين حول الآبار النفطية فقط، بعد التنسيق مع روسيا.
من جهتها، فقد رأت مجلة “ناشونال إنترست” عبر مقال للدكتور “علي دميرداس”، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تشارلستون الأميركية، أن إصرار واشنطن على إبقاء قواتها البالغ عددها 900 جندي في سوريا بدعوى “احتواء خطر تنظيم الدولة الإسلامية” حجة واهية، فتلك مهمة تقوم بها أطراف عديدة في المنطقة تعتبر التنظيم تهديدًا وجوديًا لها وتقتضي مصالحها القضاء عليه.
وأضافت المجلة، أن سياسة الولايات المتحدة في سوريا خلقت فوضى عارمة، من حيث التقويض غير المبرر لعلاقاتها مع حليف ثمين كتركيا، وارتباكها في دعم مجموعات معارضة لكل منها أجندات مختلفة، فهي من جهة درّبت قوات المعارضة السنية الموالية لتركيا ممثلة في الجيش السوري الحر الذي كان هدفه الرئيسي الإطاحة بالأسد ومحاربة تنظيم الدولة، قبل أن تتخلى عنه وتتخلى عن فكرة الإطاحة بالأسد، ومن جهة أخرى دعم البنتاغون وحدات حماية الشعب الكردي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني العدو اللدود لتركيا، والذي كان هدفه الأساسي محاربة تنظيم الدولة، ثم الحصول على حكم ذاتي وإقامة دولة مستقلة داخل سوريا.
“قسد” بمنأى عن الصراع الإيراني- الأمريكي
لطالما صرحت “قسد” بأنها لا تريد الانخراط في أي عملية ضد إيران في سوريا، ولعل تحذير عبدي الأخير خير مثال على ذلك، فقد حذّر من تحويل شمال شرق سورية إلى “ساحة معركة” بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران، لا سيما بعد استهدف مسيرة إيرانية لمواقع عسكرية تابعة لقواته “قسد”.
وأشار عبدي إلى أن ردّ القوات الأمريكية على استهداف قواعدها ليس له التأثير الرادع المطلوب ضد ميليشيات إيران التي ترى أن هدفها إخراج القوات الأمريكية من سورية والعراق، وهو الهدف المشترك مع تركيا ونظام الأسد، حسب تعبيره.
ويمكن للمُطلع على منهجية سياسة “قسد” في المنطقة التي تديرها أن يصل لقناعة تتلخص في أن قسد حققت مكاسب كبيرة بالدعم الأمريكي، لذلك فلا يمكن أن تجازف بخسارتها لقاء انحيازها نحو ما يعادي واشنطن، فضلاً عن أن قسد برمتها عبارة عن ميليشيا عابرة للحدود مرتهنة بقرار مموليها، وخير دليل على ذلك انسحابها من عفرين بعد التوافق الأمريكي التركي على ما تحمله عفرين من رمزية كبيرة للأكراد.
يشير الباحث في مركز عمران للأبحاث الاستراتيجية، “سامر الأحمد” لأورينت، أن حديث مظلوم الأخير تجنب فيه ذكر أي مواجهات بين قواته وميليشيات إيران، وبالتالي فقسد لا تريد الذهاب باتجاه الصراع مع الإيرانيين، لأنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني وسلوكه والذي يتميز بعلاقات عميقة وعلنية مع النظام الإيراني وأسد، لذلك من المستبعد أن تدخل قسد بكوادرها النخبوية التي قاتلت بها داعش والأتراك في صدام مع الإيرانيين.
ويشكّل قياديو قنديل ذوو الأصول الإيرانية القوة الضاربة والتيار الأقوى في قسد، متحكمين بمفاصل “الإدارة الذاتية” (الجناح المدني لميليشيات قسد) والتي تأخذ أوامرها من قنديل، بالمقابل فإن سيطرة تيار “مظلوم عبدي” القائد العام لقسد والمدعوم أمريكياً محدود وضئيل مقارنة بتمدد التيار الآخر وتحكمه بإدارة المنطقة وهيمنته أمنياً وكواليس صنع القرار.
أورينت